هل الراديكالية الإسلامية نتاج للحداثة الغربية؟

2021-10-14

 سيد قطب

حسام الدين محمد

يجادل جون غراي الفيلسوف البريطاني وأستاذ الفكر الأوروبي في «مدرسة لندن للاقتصاد» في أن الجذور الفكرية للراديكالية الإسلامية، موجودة في الغرب الحديث، وهو رأي يواجه أتباع الجهادية الإسلامية أنفسهم، الذين يربطون جذور حركاتهم عادة بإسلام نبوي (أو علويّ/ حسينيّ) كما يواجه الآراء الغربية التي تريد، لأسباب أيديولوجية وسياسية عديدة، أن تقيم سورا عاليا بين الحداثة الغربية وتلك الحركات.

يعتبر غراي أن كتابات سيد قطب، المثقف المصري، الذي أعدمه نظام جمال عبد الناصر عام 1966 مليئة بأفكار منقولة من التقاليد البلشفية، وأن تأثير العديد من المفكرين الأوروبيين، وبالخصوص نيتشه، يمكن تتبعه في تلك الأفكار.

أحد المفاهيم الرئيسية التي انبنى عليها شغل قطب الفكري والتنظيمي، هو مفهوم الطليعة الثورية، التي يعكف أفرادها على النضال للخلاص من الأنظمة الفاسدة لتأسيس مجتمع جديد ينقض الأسس التي تقوم عليها المجتمعات الحالية، وهو مفهوم يعود، بدرجة كبرى، إلى أفكار الشيوعي الروسي فلاديمير لينين، أكثر مما هو مستلهم من ماضي الفكر الإسلامي، كما أنه يرتبط بأواصر مع نظرية السيادة الشعبية، التي اقترحها روسو ونفذها روبسبير في حقبة الإرهاب من الثورة الفرنسية.

عبر تظهير الأسس الدينية للحداثة الغربية، بما فيها الطبعات المتطرفة من العلمانية، يكشف غراي التناقضات في منظومات أيديولوجية وسياسية سائدة في العالم المعاصر، فهو يرى أن نظريات الحداثة، ليست فرضيات علمية، بل سرديات تقوم على مبادئ دينية للخلاص النهائي، ينطبق ذلك على العقائد الشيوعية والنازية والليبرالية، وتندرج في ذلك الاعتقادات التي سادت في العقود الأخيرة، كالإيمان بالسوق الذي أصبح أيديولوجية علمانية حول التقدم العالمي تم تبنيها مع نهايات القرن العشرين من قبل المنظمات الدولية.

سيرغي نيشايف كسلف لبن لادن

منذ القرن 18 وحتى الآن، صار الإيمان بأن نمو المعرفة العلمية وتحرر البشرية يسيران يدا بيد. بالنسبة لماركس ولينين كان تحرر البشرية سيحصل عبر مجتمع دون طبقات، أما بالنسبة لفوكوياما ونظرائه من الليبراليين الجدد، فإن ذلك سيتم عبر السوق الحرة.

يطور غراي أطروحات أدرجها في كتابيه «كلاب القش: أفكار حول البشر وحيوانات أخرى» و»قداس أسود: الديانة القيامية ونهاية اليوتوبيا» ويبدو أنه أدرك أهميتها فخصص لها كتابا كاملا لشرح العلاقة بين الجهادية الإسلامية والحداثة الغربية بعنوان: «القاعدة وماذا يعني أن تكون حديثا».

يرى غراي، بداية، أن ما فعله تنظيم «القاعدة» عام 2011 لم يكن قتل الآلاف من المدنيين، وتدمير مركز التجارة العالمي، بل «تدمير الأسطورة الحاكمة للغرب» وهي أن الاعتقاد بأن الحداثة هي شرط واحد يتشابه في كل مكان، وهو دائما أمر حميد، وأن صيرورة الحداثة هي أن يعتقد العالم بقيم الغرب أو قيم التنوير.

يعتبر الفيلسوف البريطاني أنه «ليس هناك كليشيه أكثر غباء من اعتبار تنظيم «القاعدة» كعودة إلى القرون الوسطى».

 التنظيم، حسب غراي، هو منتج فرعي للعولمة، مثله مثل كارتلات المخدرات، وشركات الواقع الافتراضي التي ظهرت في تسعينيات القرن الماضي، وتطورت في زمن أدى فيه تخفيف الإجراءات المالية لنشوء شبكات من ملاذات الضرائب، وأصبحت الجريمة المنظمة مؤسسة عالمية.

 

الجذور الثقافية للراديكالية الإسلامية، بهذا المعنى، تكمن في النزعة الأوروبية لمناهضة التنوير. في هذا التيار من الأفكار الذي بدأ يتشكل مع نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر، فإن الشك العقلاني لمفكرين مثل دافيد هيوم قاد إلى معارضة العقلانية نفسها.

الظاهرة المميزة لـ«القاعدة» وهي إطلاق أشكال مخصخصة من العنف المنظم عالميا، كان أمرا مستحيلا في الماضي، كما أن فكرة التعجيل بظهور عالم جديد عبر أفعال هائلة من الدمار لم تكن موجودة في القرون الوسطى.

أقرب أسلاف «القاعدة» ضمن هذا السياق التاريخي الجديد، هم الفوضويون (الأناركيون) الثوريون، الذين ظهروا في أواخر القرن التاسع عشر، ويعاقبة الثورة الفرنسية.

 إذا كان هناك سلف لأسامة بن لادن، يقول غراي، فلن يكون موجودا في التقاليد الإسلامية، بل في الإرهابي الروسي سيرغي نيشايف، الذي سئل، أي شخص من عائلة رومانوف الحاكمة آنذاك يجب أن يقتل؟ فأجاب: كلهم دون استثناء.

الراديكالية الإسلامية وتحقيق «مجتمع جديد»

يرى غراي أن من يشكون في فكرة أن الإرهاب الثوري هو اختراع حديث ينسون التاريخ المعاصر: لقد كان الاتحاد السوفييتي محاولة لتجسيد عصر الأنوار المثالي، عبر خلق عالم دون نزاع أو سلطة. لتحقيق هذا المثال قامت الدولة السوفييتية بقتل واستعباد عشرات الملايين من البشر.

ألمانيا النازية ارتكبت أكبر عملية إبادة في التاريخ، وقد تم ذلك بمسعى إنجاب نوع جديد من البشر. لم يسبق حصول ذلك في تاريخ البشرية من قبل، ولهذا فإن غرف الغاز والغولاغ (معتقلات تجميع سجناء الدولة السوفييتية) هما اختراعان حديثان. هناك طرق عديدة لتشكل «الحداثة» وبعضها وحشي.

مدعومة بتقدم صناعي وقوة عسكرية هائلين، نظرت أوروبا إلى نفسها، مع بداية التاريخ المعاصر، باعتبارها نموذج العالم الحديث، وبدت حضارتها متفوقة على الحضارات الأخرى، ولم يكن هناك شك لدى أغلب الأوروبيين في أن القيم الأوروبية ستسود، ويتم القبول بها في كل مكان، وبمعنى ما، فقد كانوا على حق، ورغم أن الشيوعية والنازية والراديكالية الإسلامية، وصفت بأنها هجمات على الغرب، فإن فهم هذه الأيديولوجيات، في الواقع، يجب أن يعتبر محاولات لتطبيق المثال الأوروبي الحديث.

لهذه الأسباب، لا يوجد تناقض بين اعتبار حركات الراديكالية الإسلامية نتاجا للحداثة الغربية، وادعائها بأنها مناهضة للغرب لأن صياغة الراديكالية الإسلامية حصلت بأيديولوجيا غربية كما في التقاليد الإسلامية، ومثل الماركسيين والليبراليين الجدد، ينظر الراديكاليون الإسلاميون إلى التاريخ كمقدمة لظهور عالم جديد. كل هؤلاء يعتقدون أنه بإمكانهم إعادة صياغة الشرط البشري. إذا كانت هناك أسطورة حداثية فريدة، فهذه هي الأسطورة.

لو انتبه قطب إلى تدين أمريكا

الجذور الثقافية للراديكالية الإسلامية، بهذا المعنى، تكمن في النزعة الأوروبية لمناهضة التنوير. في هذا التيار من الأفكار الذي بدأ يتشكل مع نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر، فإن الشك العقلاني لمفكرين مثل دافيد هيوم قاد إلى معارضة العقلانية نفسها.

 دافع كيركغارد عن الإيمان الديني من مبدأ التجربة الذاتية، ورفض هيردر الأنموذج التنويري لحضارة عالمية، مؤكدا وجود ثقافات عديدة، كل منها فريد بطريقته. ولاحقا في القرن التاسع قام مفكرون مثل فيخته ونيتشه بتمجيد الإرادة فوق العقل.

 حقيقة أن الراديكالية الإسلامية ترفض العقلانية تظهر أنها حركة حديثة. لقد كان الفكر القروسطي موحدا حول الدين، لكنه لم يحتقر العقل، وفي السياق القروسطي للأشياء، كان هناك إيمان بأن الطبيعة عقلانية.

في قراءته لتراث سيد قطب، ولتأثير إقامته لسنوات في أمريكا، ينتبه غراي إلى مفارقة كبيرة، فقطب رأى في أمريكا أنموذجا للمجتمع الحديث، الذي يشكو من الخواء الروحي، في غفلة كبيرة عن أن أمريكا هي أحد أكثر المجتمعات تدينا في العالم، وأن فيها الحركة الأصولية الأكبر مقارنة بأي مجتمع متقدم.

 لو انتبه قطب إلى هذه المسالة، يقول غراي، لكان عرف أنه هو أيضا كان نتاجا لأفكار الحداثة، وأن الظاهرة الأصولية حديثة مثلما هي أمريكا نفسها.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي