فيلم “الكثبان الرملية”.. عندما تصبح السينما في أفضل حالاتها من الإبهار المذهل

2021-10-04

ميزانية إنتاج فيلم "الكثبان الرملية" بلغت 165 مليون دولار (مواقع التواصل الاجتماعي)

محمد صلاح

"الكثبان الرملية" (Dune) فيلم خيال علمي مقتبس من رواية كلاسيكية بالاسم نفسه، صدرت في 6 أجزاء، وكانت الأكثر مبيعا على الإطلاق، اشتهر بها الكاتب الأميركي فرانك هربرت في ستينيات القرن الماضي.

الفيلم أحدث ضجة مبكرة بعد عرضه الأول في دورة مهرجان البندقية السينمائي الـ78، وأخرجه الكندي دينيس فيلنوف (54 عاما) مخرج فيلم "الوصول" (Arrival) 2016 الحاصل على جائزة أوسكار، وفيلم "بليد رانر 2049″ (2049 Blade Runner) 2017 الفائز بجائزتي أوسكار.

وقدم فيه -مع شريكيه بالتأليف جون سبايتس وإيريك روث- على مدى ساعتين و35 دقيقة "أوبرا فضائية مُبهرة"، رأينا فيها الشخصيات تطير بطائرات تحتوي على 3 مجموعات من الأجنحة، وترفرف بسرعة كبيرة، حتى تبدو كأنها حشرات.

ونرى سفن الفضاء كأنها صخور طائرة بحجم المدن، ونشاهد الكثبان الرملية والعواصف، وحروب العشائر والجيوش الغاشمة والصراعات على التوابل.

ووصف الناقد السينمائي زان بروكس الفيلم بأنه "أحد ملاحم فيلنوف الخيالية، عن عالم آخر بعيد يتألق وينساب بسلاسة غريبة وسط الانفجارات".

"أراكيس" كوكب التوابل

تدور أحداث ملحمة الكثبان الرملية في المستقبل الذي يمتد إلى آلاف السنين، حيث نرى بول أتريدس (تيموثي شالاميت) البطل النموذجي، سليل العائلة النبيلة، المكلف بحماية السلعة الأكثر قيمة في المجرة، وهي "التوابل"، لكنه أيضا غير متأكد من قدراته، ومتشكك في جدوى المهمة الجبلية الموكلة إليه هو ووالده المثقل بالمسؤوليات، دوق ليتو أتريدس (أوسكار إسحاق).

وذلك بعد أن أرسلهما الإمبراطور إلى الكوكب الصحراوي "أراكيس" (Arrakis) الذي يُعدّ مصدرا لهذه المادة السحرية التي تُطيل الحياة، وتساعد على كل الأشياء الجيدة، بما فيها السفر إلى الفضاء، بصحبة المستشارين العسكريين.

ووالدة بول، الليدي جيسيكا (ربيكيا فيرغسون)، العضوة في جماعة "بيني جيزيريت" للساحرات الفضائيات اللواتي يمتلكن قوى عقلية خارقة للطبيعة، نراها في وقت مبكر تُعلّم ابنها القدرة على إخضاع الآخرين ذهنيا بتعديل صوته، رغم علمها أنه ربما يكون هناك شيء أكثر إثارة في انتظاره على أراكيس.

ودنكان أيداهو (جيسون موموا) وغورني هاليك (جوش برولين) يعلمان بول فنون القتال، ويساعدانه على استيعاب فكرة أنه الوريث لهذه العائلة العظيمة، وكل جندي وخادم يعمل لدى العائلة.

لكن المفاجأة أن أراكيس -رغم رماله اللامحدودة- ليس مهجورا، فهو مستعمرة للديدان الضخمة التي يمكن أن تظهر في أي وقت، وموطن لشعب "الفريمن" (The Fremen) المضطهد، الذي يرى الباحثين عن التوابل من المعتدين الجشعين.

لا مكان للمستعمرين

عند وصول الدوق وابنه، سارا على ممر مهيب طويل وهما يرتديان كسوة ذهبية، تزفهما مزامير القِرَب، كأنهما من المستعمرين الذين يأتون لفرض حضارتهم على السكان الأصليين، ويملؤون خزائنهم من نهب خيراتهم، من دون أن يخطر ببالهما أن عالم الكثبان الرملية الصحراوي لديه موهبته الخاصة في تدمير من يحاولون ترويضه.

وهو ما حدث عندما أدرك الدوق مدى الضرر الذي سببته له القوى التي تقف وراء تعطيل إنتاج التوابل، بهدف دفعه إلى الفشل.

ولم يستطع غورني هاليك "سيد الأسلحة" إنقاذه، في وقت كان فيه البارون فلاديمير هاركونين (ستيلان سكارسجارد) المنتفخ العائم يخطط لانتقام دموي.

أما بول فحالم بفتاة من سكان كوكب أراكيس الأصليين، هي تشاني (زيندايا)، التي يبدأ الفيلم بتعليق صوتي لها، تشرح فيه مدى جمال كوكبها، وتلخص بإيجاز التاريخ العنيف الغارق فيه، بسبب غنى طبيعته بمادة التوابل.

ولم يكن أمامه إلا أن يعترف بخيبة أمله هو أيضا، ويبدأ بشق طريق جديد يؤدي إلى التلال، رغم علمه أن الرمال التي تهب وتجرف مثل كائن حي، والديدان العملاقة سوف يبتلعانه إذا سنحت لهما نصف فرصة، ويجد المسكين نفسه في حفرة، متسائلا عما بوسعه أن يفعله، بعد اكتشافه أن "هذه ليست سوى البداية".

يا له من فيلم!

هذا ما هتف به الناقد بروكس، قائلا "يا إلهي، يا له من فيلم!"، مُثنيا على عبقرية فيلنوف الذي "أنشأ عالما كاملا مملوءا بالأساطير والغموض، وخاليا من المبالغات السردية، جعلنا نتجول وننغمس وحدنا في الصحراء، بشكل رائع"، مستعينا بمجموعة من النجوم الذين قدموا أداء مميزا وقويا، في مقدمتهم خافيير بارديم (قائد الفريمن)، وشارلوت رامبلينغ (الأم الموقرة من جماعة بيني جيزيريت)، وديفيد دبسمالتشين، وستيفن ماكينلي هيندريسون، وكذلك ستيلان سكارزغارد (لعنة عائلة آتريديس) الذي قدم أداء شريرا بامتياز، إلى جانب ابن شقيقه الوحش الشرير رابان (ديف باتيستا).

كما جعل فيلنوف الطابع الغالب على تصميماته الداخلية أقرب إلى منطقة شمال أفريقيا، وحرص على ارتداء النساء المحليات الحجاب.

فتمكن بذلك من نقل المشاهد إلى قلب المناظر الطبيعية الغريبة لهذا الكوكب، مُوظفا العديد من الإمكانات التقنية (بميزانية إنتاج بلغت 165 مليون دولار)، في تصميم الأزياء والتصوير والمؤثرات الصوتية والبصرية، التي صوّرت الهندسة المعمارية لكوكب الصحراء، والمشاهد الخلابة والطائرات الغريبة، والديدان الرملية الهائلة والمخيفة التي باستطاعتها التهام سفينة أو مجموعة من البشر بسهولة، وبريق التوابل اللامع الذي يتلألأ عبر سطح أراكيس، "ليغمرنا في عالم خيالي".

"الكثبان الرملية" فيلم خيال علمي مملوء بالنشوة الفخمة، يعيدنا من حيث الروح والتصميم لأفلام "حرب النجوم"، و"سيد الخواتم"، على حد وصف الناقد أوين غليبرمان الذي عدّه بمنزلة "تكيف واسع بشكل مذهل ومتشابك لرواية هربرت".







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي