
أثارت المحادثات بين مسؤولين سعوديين وإيرانيين في بغداد، والتي عُقدت بشكل دوري منذ أبريل/نيسان، تكهنات بأن هاتين القوتين الإقليميتين قد تكونان على استعداد لتنحية خلافاتهما جانبا والتوصل إلى نوع من التسوية.
ومما عزز هذه التكهنات، الانسحاب الأمريكي من أفغانستان وما يسمى بـ "المحور إلى آسيا"، حيث شعر السعوديون أنه لم يعد بإمكانهم الاعتماد على المظلة الأمنية الأمريكية كما كانوا يفعلون من قبل، ما يدفعهم للسعي إلى التقارب مع جيرانهم وإن كانوا أعداء.
ورغم أن السعودية وإيران لم يكونا عدوين دائما، بل تعاونا في الماضي قبل الثورة الإيرانية عام 1979، إلا أن العودة إلى العلاقات الطبيعية بين البلدين لا تزال بعيدة المنال، خاصة مع الاختلافات الجوهرية بينهما تجاه القضايا والصراعات الإقليمية.
وبينما قد تكون الاختلافات بين السنة والشيعة أخذت وزنا كبيرا لدى المحللين الذين حاولوا فهم العداوة السعودية الإيرانية، سيكون من الخطأ أيضا تنحية القضية الطائفية باعتبارها غير مهمة.
من حلفاء إلى خصوم
ينسى البعض أن السعودية وإيران كانتا في يوم من الأيام في نفس الجانب عندما كان البلدين معارضين قويين للشيوعية والاتحاد السوفيتي، حيث تعاونا مع الولايات المتحدة ومع بعضهما البعض خلال معظم الحرب الباردة وحتى ضد ما يسمى بـ "الراديكاليين العرب" الذين تلقوا مساعدة عسكرية من موسكو مثل "جمال عبدالناصر" في مصر.
وعندما انسحب البريطانيون عسكريا من الخليج العربي في أوائل السبعينيات، نفذت الولايات المتحدة استراتيجية "الركيزتين"، التي اعتمدت على البلدين كركيزتين لحماية المصالح الغربية في المنطقة الغنية بالنفط. ومن الواضح أن إيران كانت "التوأم" الأكبر في هذه الشراكة، الأمر الذي أدى إلى استياء السعودية، لكن ذلك لم يمنع البلدين من التعاون.
وانهار هذا التحالف الضمني مع الثورة الإيرانية والإطاحة بالشاه "محمد رضا بهلوي" عام 1979. ولم يكن المرشد الأعلى "روح الله الخميني" مصدر إلهام للعديد من الجماعات الشيعية في العالم العربي فحسب، (وهو تطور اعتبره السعوديون تهديدا بسبب الأقلية الشيعية الكبيرة في بلادهم في منطقتها الشرقية الغنية بالنفط) ولكنه كان يتحدث عن رسالة إسلامية شاملة مختلفة واتهم المملكة بأنها "لا تتوافق مع الإسلام".
وأدت الاضطرابات في المنطقة الشرقية واستيلاء متطرفين على المسجد الحرام في مكة عام 1979 والمظاهرات التي قام بها الحجاج الإيرانيون خلال موسم الحج الذي أعقب الثورة الإيرانية، إلى توتر العلاقات الثنائية.
وبالرغم أن التوترات خفت إلى حد ما خلال رئاسة "محمد خاتمي" بين عامي 1997 و2005، إلا أن البلدين لم يتقاربا. وتوصلت السعودية إلى الاعتقاد بأن المخابرات الإيرانية كانت وراء تفجير أبراج الخبر عام 1996، الذي أسفر عن مقتل عدد من العسكريين الأمريكيين والمواطنين السعوديين.
وزاد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 من حدة العداء بين السعودية وإيران. وفي حين أن الرياض لم تكن من المعجبين بالرئيس العراقي "صدام حسين" ونظام البعث، الذي هدد المملكة في أعقاب الغزو العراقي للكويت عام 1990، فقد انزعجت السعودية عندما استغلت إيران فراغ السلطة في العراق في فترة ما بعد عام 2003 لتوسيع نفوذها هناك من خلال دعم العديد من الجماعات الشيعية العراقية بالسلاح والمساعدات المالية.
وأصبحت السعودية تنظر إلى النظام العراقي الجديد بقيادة الشيعة على أنه تابع لإيران وظلت فترة طويلة ترفض حتى إرسال سفير إلى بغداد.
وكان العامل المحفز لقطع العلاقات السعودية الإيرانية هو إعدام رجل الدين السعودي الشيعي "نمر النمر" في أوائل عام 2016. وبالرغم أن السعوديين أعدموه مع 46 سنيا آخر في نفس اليوم، على أمل ألا يظهر هذا الفعل حدثا معاديا للشيعة، إلا أن الجماعات الإيرانية والشيعية في المنطقة رأته من منظور طائفي.
وعندما أضرم حشد في طهران النار في السفارة السعودية احتجاجا على إعدام "النمر" ولم تفعل الشرطة الإيرانية شيئا لحماية المنشأة الدبلوماسية، قطعت الرياض العلاقات الدبلوماسية مع إيران.
وسرعان ما تلا ذلك تصاعد حدة الطائفية. وقام ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" بالسخرية من المعتقد الشيعي علنا، بينما قال وزير الخارجية الإيراني "محمد جواد ظريف" إن العقيدة الوهابية ليست من الإسلام هي المصدر وراء معظم التطرف في المنطقة.
المصدر : الخليج الجديد