ما سر الاهتمام الأوروبي بما يجري في تونس؟

2021-09-25

على الصعيد العالمي، قد تبدو تونس كدولة ذات أهمية ثانوية، ولكن من هناك بدأ بالربيع العربي، ويبدو أنه ينتهي أيضا هناك.

استمرت الاحتجاجات ضد الرئيس التونسي المخلوع "زين العابدين بن علي" بين ديسمبر/كانون الأول 2010، ويناير/كانون الثاني 2011. وبعد الإطاحة به، بدأ عقد من الاضطرابات الشعبية (نتيجة الإحباط والظلم الاجتماعي والقمع وسوء الإدارة) التي هزت منطقة الشرق الأوسط بأكملها.

ولسوء الحظ، أعقب التحول السلمي (نسبيا) في تونس تحولات أكثر دموية في مصر واليمن وليبيا وسوريا. وفي الحالات الثلاث الأخيرة، نشبت حروب أهلية حقيقية أدت إلى خسائر بشرية فادحة.

إلى جانب لبنان، كانت تونس وربما تظل المجتمع المدني العربي الأكثر تقدمًا. وقد يساعد ذلك في تفسير انتقالها السلمي نسبيًا من نظام "بن علي" الاستبدادي إلى الحكومات اللاحقة المنتخبة بحرية والتي لعب فيها حزب النهضة، وهو قريب من جماعة الإخوان المسلمين، دورًا مهمًا.

وتقع تونس على مفترق طرق بين أوروبا وشمال إفريقيا وبين غرب وشرق البحر الأبيض المتوسط. وهي في وضع جيد لمراقبة الأحداث في جارتها المضطربة ليبيا، كما أنها مكان جيد لمتابعة الديناميكية المعقدة بين الإسلام السياسي والديمقراطية.

وإذا كانت تونس تبدو قصة النجاح الوحيدة للربيع العربي، فإن ذلك كله تغير في يوليو/تموز الماضي حين قام "قيس سعيد"، بانقلاب سياسي وحل البرلمان وتولي سلطات استثنائية بعد شهور من التوترات المتزايدة بسبب السخط من الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والتي جرى إلقاء اللوم فيها على حكومة رئيس الوزراء "هشام المشيشي" والبرلمان برئاسة زعيم حركة النهضة "راشد الغنوشي".

وقد برر "سعيد"، أستاذ القانون الدستوري، قراره بالاستناد إلى المادة 80 من دستور تونس عام 2014. لكن يبدو أن تفسيره وتطبيقه لتلك المادة قد ذهب بعيدًا، وهو في رأي العديد من خبراء القانون التونسيين قد تجاوز القصد الأصلي.

 وكانت آثار الوباء والأزمة الاقتصادية، التي تفاقمت بسبب ضعف الحكومة والفساد المستشري، بمثابة فرصة لـ"سعيد" وأنصاره للتخلص من المعارضين. ولم يتوقف "سعيد" عند هذا الحد، بل طرح مبادرات تحمل بذور الاستقطاب، مثل تعليق الدستور والدعوة إلى استفتاء لتعديل النظام السياسي.

وتأتي تطورات تونس في زمن الانتكاس السياسي الذي يمكن إرجاعه إلى الانقسام طويل الأمد حول الإسلام السياسي في المنطقة. حيث تدعم تركيا وقطر جماعة "الإخوان المسلمون"، بينما تعارضها الإمارات والسعودية ومصر بشدة؛ وقد حصلت المواجهة بينهم في الصراع الليبي الذي كان أحد ساحات القتال الرئيسية.

بعبارة أخرى، يمكن أن تكون تونس الجزء الأخير من تسوية الحسابات التي شهدت بالفعل قبولًا دوليًا بما في ذلك انقلاب مصر الوحشي عام 2013 الذي أطاح بحكومة الرئيس "محمد مرسي" المنتخبة ديمقراطيًا، وهو ممثل أيضًا عن جماعة "الإخوان المسلمون".

وقد نكون أيضًا على وشك تحولات سياسية كبيرة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مع انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان وسيطرة "طالبان" على البلاد، ما أحدث زلزالا تردد صداه في جميع أنحاء المنطقة.

لكن بغض النظر عن المناقشات الدستورية وردود الفعل الضعيفة على الانقلاب وطبيعة أصوله، فإن تونس تستحق الاهتمام لأننا نشهد فصلاً استبداديًا آخر في منطقة يعلمنا فيها التاريخ الحديث أن مثل هذه الأحداث قد تؤدي إلى مزيد من الانفجارات والأزمات التي يصعب إدارتها.

 وفي ظل الأزمات التي تعصف بالمجتمع الدولي، بما في ذلك تداعيات الوباء والتضخم وزيادة الديون واستئناف المنافسة بين القوى العظمى بعد 30 عامًا من الحقبة أحادية القطب بقيادة الولايات المتحدة، ربما يكون من المفهوم أيضًا أن الغرب قد يميل إلى تفضيل التطبيع مع الاستبداد على الدفاع الجاد عن قيمه التي تشدق بها كثيرًا.

ولكن هذا النهج يبدو خاطئا، فمن الصعب للغاية رؤية أي استقرار دائم من خلال ما يقوم به "سعيد"، كما أن الوقت حان لمنع التمييز بين الديكتاتوريات "الجيدة" و"السيئة" والذي تقوم الديمقراطيات الغربية بتصنيفه وفقًا لمصالحها الخاصة.

وبالنسبة لأصحاب المصلحة الدوليين الرئيسيين ودول جنوب أوروبا - خاصة إيطاليا - تمثل الأحداث في تونس أيضًا تعقيدًا إضافيًا لإدارة الوضع الليبي المعقد بالفعل. فقد أصبحت ليبيا الآن جزءًا من لعبة أكبر في شرق البحر الأبيض المتوسط الذي أصبح مفترق طرق للمصالح المتضاربة لدول مثل فرنسا وروسيا ومصر وتركيا واليونان وإسرائيل ولبنان وبعض دول الخليج، حول الأمن وإمدادات الطاقة والهجرة.

ولا يمكن إدارة الوضع في ليبيا في الوقت الذي يتم فيه تجاهل ما يحدث مع جارتها الغربية







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي