حفيدة شهرزاد تخوض معركة مع وزير متحرش

2021-09-23

امرأة تخوض معركتها باسم النساء (لوحة للفنانة هيلدا حياري)

في السنوات الأخيرة أخذت القضايا النسوية تتوسع أكثر في عالم السينما والأدب، في ظل انكشاف فضائح الذكورية وجرائمها التي تمر في الخفاء في حق الكثير من النساء. وفضحت روايات وكتابات وأفلام كثيرة ما تتعرض له النساء بجرأة أعمال أنجزها رجال ونساء انتصارا لقضايا الإنسان، وهو ما نجده في رواية “حظر نشر” للروائي المصري هيثم دبور.

القاهرة – من وحي حكايات ألف ليلة وليلة ينسج الروائي والسيناريست المصري هيثم دبور حكاية معاصرة بطلتها فتاة يتحرش بها وزير وتُقاد إلى الذبح، لكن ليس بيد السياف مسرور كما جدتها شهرزاد، إنما على يد المجتمع والإعلام وأدعياء التدين.

رواية “حظر نشر” هي الثانية في مشوار دبور وتختلف كثيرا عن روايته السابقة “صليب موسى” الصادرة في 2020 والتي لفتت انتباه النقاد في معرض القاهرة الدولي للكتاب.

دبور (35 عاما) دخل عالم الأدب بعد كتابة أفلام سينمائية حصدت جوائز مهمة منها أفلام “فوتوكوبي” و”عيار ناري” ومؤخرا “وقفة رجالة”، إضافة إلى أفلام قصيرة شاركت في مهرجانات دولية.

من وحي حكايات ألف ليلة وليلة

معركة ضد الظلم

تبدأ رواية “حظر نشر”، الصادرة في 294 صفحة من القطع المتوسط عن دار الشروق في القاهرة، في عصر شهرزاد وشهريار حيث يحاول المؤلف تقمص روح الأنثى الشهيرة التي استطاعت بذكائها وشجاعتها وقف إهدار دم بنات جنسها، ويقدم تصوره الخاص لما دار بين الثنائي الشهير وكيف انتصرت الضحية على السياف.

ومن الزمن الماضي إلى العصر الحديث، ومن شهرزاد إلى ضحية أخرى، هذه المرة هي متحدثة إعلامية للوزارة المعنية بدور العبادة ورجال الدين، والتي يتحرش بها الوزير جنسيا داخل مكتبه، وعندما تقرر فضح الأمر وكشف حقيقة الرجل الموقر يُشهر الجميع سيفه في وجهها وكأنها الجاني لا المجني عليها.

وخلال أربعة أيام فقط هي كل الفترة المتبقية على الاجتماع الأسبوعي لمجلس الوزراء، يخوض الوزير فتحي حسب النبي معركة شرسة لتبرئة ساحته والاحتفاظ بمقعده الحكومي مستخدما كل الأسلحة المشروعة وغير المشروعة، فيما لا تملك الضحية منى شيحة دليلا أو شهودا على ما دار خلف الأبواب المغلقة داخل الوزارة سوى مرارة التجربة وصدق روايتها.

يزيد من تألم منى تردد خطيبها مازن في دعمها عندما نشرت بيانا صحافيا فضحت فيه الوزير، لكن المصور الفوتوغرافي تدارك الأمر ودعم حبيبته بحملة مصورة ضد التحرش لاقت انتشارا واسعا عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

ولأن لكل معركة ضحاياها يقع مازن في فخ نصبته إحدى وسائل الإعلام فيتحول بين يوم وليلة إلى متحرش هو الآخر في نظر المجتمع وينهار عمله الخاص وتسوء علاقته بخطيبته التي تجد نفسها بلا سند أو حليف.

ومع تزايد الضغوط على منى تُقرر نشر تجربتها بتفاصيلها في إحدى الصحف، لكن قبل الطباعة مباشرة يصدر أمر من النيابة بحظر النشر لتأخذ المعركة مسارا مختلفا.

   

المؤلف يحاول تقمص روح شهرزاد الأنثى الشهيرة التي استطاعت بذكائها وشجاعتها وقف إهدار دم بنات جنسها

وعلى الطرف الآخر تُزلزل القضية بيت الوزير وتشرخ علاقته بابنته الوحيدة الطالبة في السنة النهائية بالجامعة، والتي كانت تتطلع إلى مستقبل أكاديمي واعد قبل أن تفجر قضية والدها مشاكل كثيرة بينهما.

وتنضم إلى قائمة الضحايا كريمة زوجة الوزير التي ساندته وصدقته في البداية قبل أن تتبدد في عينيها هالته القدسية، وتكتشف صدفةً ما جرى بين زوجها والمتحدثة الإعلامية.

وبينما تدل كل المؤشرات على انتصار الوزير في معركته لإسكات منى ولو على جثث أقرب الناس إليه، تلمع في ذهن المتحدثة الإعلامية السابقة فكرة لمواصلة قضيتها وتحقيق هدفها بإدانة الجاني دون الوقوع تحت طائلة القانون بسبب حظر النشر.

تدعو منى وسائل الإعلام إلى مؤتمر صحافي للدفاع عن خطيبها الذي تأكدت من براءته وتناشد كل فتاة تعرضت للتحرش أن تتشجع وتكسر حاجز الصمت لتفضح مرتكبي هذا الفعل وتسهم في إنقاذ الأخريات من نفس المصير. ومثلما كان ذكاء شهرزاد في الماضي طوق نجاتها من السياف وإنقاذ بنات جنسها من شهوة شهريار وجنونه، تتحول مناشدة منى إلى قارب نجاة لبنات اليوم.

وتقول في النهاية “في الكثير من الأوقات أفكر.. كم فتاة قبل شهرزاد قُتلت ولم نعرف عنها شيئا: مئة.. مئتان.. ألف سيدة قُتلن لأنهن لم يملكن قدرة على البوح والحكي؟ انتهت حياتهن واختفين من التاريخ لأنهن لم يملكن جرأة الكلام”.

في صف النساء

يمكن أن نلاحظ أن الرواية مكتوبة بطريقة قريبة من السينما، ومن الممكن أن تتحول إلى فيلم أو حتى عمل درامي تلفزيوني، فالرواية وهي تنقل الواقع أو تحاول على الأقل أن تنقله لا تنقله إلا عن طريق عملية التخييل، بمعنى أنها تعيد صياغته من جديد وفق شروطها الإبداعية التي منها تحديدا بناء عوالم تخييلية متكاملة مؤسسة على مسارات سردية كل واحد منها يؤدي إلى آخر وفق منطق سببي متكامل، ويسميه كلود بريمون منطق الحكي والإمكانات السردية.

ويمكن قول نفس الأمر بخصوص الفن السينمائي رغم الاختلاف بينهما.

هكذا يمكن القول إن عملية التلاقي بين كلّ من الرواية والسينما إمكانية قابلة للتحقق؛ فكل واحدة منهما تستفيد من تقنيات الكتابة الموجودة في الأخرى ومن لعبة زوايا النظر المتحققة فيها -سواء من حيث تسليط التبئير على شخصيات دون غيرها أو من ناحية الفضاءات المعيّنة في مقابل فضاءات أخرى- أو حتى من لعبة التحكم في المسار السردي استرجاعا واستشرافا.

وهو ما جعل الكثير من المخرجين السينمائيين يرغبون في تحويل مجموعة من الروايات التي أعجبوا بها إلى أفلام سينمائية، بعضها حظي بالنجاح والبعض الآخر لم يحظ به.

وقد استفاد دبور من كتابته لعدد من الأعمال السينمائية ويبدو تأثير السيناريو جليا على روايته الجديدة، والتي من الممكن أن نراها قريبا في شكل فيلم سينمائي، خاصة في ظل موجة تكتسح العالم مؤخرا في الأعمال السينمائية التي تعالج القضايا النسوية، وذلك بعد حلة “أنا أيضا” التي هزت عالم السينما وحتى الأدب، وبدأت قضايا الضحايا من النساء تطفو على السطح بشجاعة أكبر وجرأة فاضحة لما يمارس على النساء.

 

المصدر: "العرب"







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي