هل يستطيع رئيسي الخروج من عباءة خامنئي والحرس الثوري؟

2021-09-21

تسلم "إبراهيم رئيسي" الرئاسة الإيرانية على طبق من فضة عبر انتخابات يونيو/حزيران 2021، حيث حرص المرشد الأعلى "علي خامنئي" على التأكد من هندسة العملية الانتخابية بشكل دقيق لضمان فوز "رئيسي".

ويعني ذلك استمرار السياسة الإيرانية فيما يتعلق بالشؤون العسكرية والاقتصادية. ولن تتواصل حرية الحرس الثوري في تشكيل الأجندة العسكرية والإقليمية لإيران فحسب، بل سيعود أيضا إلى مركز الصدارة فيما يتعلق بالتخطيط الاقتصادي.

 وكان نفس الشيء قد حدث في عهد "محمود أحمدي نجاد" الذي أعطى الحرس الثوري حرية التصرف أيضا، وهو القرار الذي ندم عليه لاحقا. لكن "رئيسي" ليس لديه خيار آخر حيث يعتمد حصرا على الدعم المستمر من "خامنئي" والحرس الثوري. ولا يمكن أن نتوقع منه سياسات مختلفة في أي وقت قريب.

الجانب السلبي لهذا الاختيار

ويعني رضا "خامنئي" عن "رئيسي" بقاء المعارضة داخل النظام في حدها الأدنى. وكان هذا واضحا بالفعل في كيفية تعامل أعضاء البرلمان مع ترشيحاته الوزارية. ومن بين مرشحيه، تم رفض واحد فقط. لكن في المقابل فإن "رئيسي" لديه مساحة صغيرة جدا للمناورة كرئيس.

وعلى عكس الرؤساء السبعة الذين سبقوه، لا يقود "رئيسي" فصيلا في النظام يمكن أن نسميه فصيله الخاص. وتتكون دائرته المقربة من أفراد قادمين من مؤسسات مرتبطة مباشرة بمكتب المرشد الأعلى وأولئك الذين ينتقلون إلى القصر الرئاسي من صفوف الحرس الثوري الذي يشرف بشكل أساسي على معظم أجندة إيران الإقليمية وبرنامج طهران الصاروخي.

وربما يسعى "رئيسي" إلى الانفصال بالطريقة التي فعلها "أحمدي نجاد" في ولايته الثانية، حتى بعد أن مُنح الرئاسة هو أيضا من قبل "خامنئي" والحرس الثوري في عام 2005، لكن "رئيسي" لن يفعل ذلك، فليس لديه سبب لذلك، فطاعة "خامنئي" والحرس الثوري هي ما أوصلته إلى هذا الحد في مسيرته وقد تؤدي به أيضا إلى خلافة "خامنئي" إذا لعب أوراقه بشكل صحيح.

وحرصا على الحفاظ على قاعدة دعمه سليمة، فمن المرجح أن يضاعف "رئيسي" من جهده لتنفيذ التفضيلات السياسية للمتشددين بدلا من توجيه البلاد في اتجاه معتدل جديد. وبالفعل، اختار "رئيسي" عدم ترشيح أي امرأة أو أقلية دينية لمناصب وزارية، في الوقت الذي اختار فيه عدد من الشخصيات المثيرة للجدل.

على سبيل المثال، عاد "رستم قاسمي"، الذي كان وزيرا للنفط في عهد "أحمدي نجاد"، وزيرا للنقل. و"قاسمي" هو قائد سابق في الحرس الثوري وتركز نهجه الوزاري على منح العقود للشركات المحلية التي لها علاقات مع الحرس. وكانت المشكلة أن العديد من عقود النفط والغاز هذه، خاصة بالنسبة للمشاريع الكبيرة، لم يتم الوفاء بها لأن الشركات الإيرانية التي لها علاقات مع الحرس الثوري لم تستطع التعامل مع الجوانب المالية والتكنولوجية.

ويكشف تعيين "قاسمي" عن الكثير من نهج "رئيسي"، ويشير إلى أنه سيفضل الحفاظ على الحرس القديم بدلا من السعي وراء الكفاءة.

وفي هذا السياق، قام "رئيسي" بتعيين "محسن رضائي"، القائد الأطول خدمة في الحرس الثوري، نائبا له للشؤون الاقتصادية، بالرغم أن "رضائي" ليس لديه خلفية موثوقة في التخطيط الاقتصادي. واختار قائدا آخر في الحرس الثوري وهو "أحمد وحيدي"، وزيرا للداخلية. 

مأسسة "محور المقاومة"

ويقلل تعيين هؤلاء الرجال العسكريين (الذين يتنكرون في زي تكنوقراط مؤهلين) من التوقعات حول قدرة "رئيسي" على تحفيز الاقتصاد بالرغم من تأكيده أنه يمثل أولوية قصوى لحكومته. وبدلا من ذلك، يمكن توقع منح موجة جديدة من العقود للشركات المرتبطة بمكتب المرشد الأعلى والحرس الثوري، ما يزيد من ترسيخ دور الأخير في الاقتصاد. وسوف يتم تبرير ذلك على أنه يقدم مفهوم "خامنئي" المبني على "اقتصاد المقاومة" في مواجهة العقوبات التي تقودها الولايات المتحدة والعزلة الدولية.

ويعتمد التزام "خامنئي" ببناء "اقتصاد المقاومة" إلى حد كبير على حقيقة أنه لا يريد تغيير مسار السياسة الخارجية. فبعد كل شيء، فإن إنهاء العزلة الدولية لإيران هو الطريق الأسرع لإنقاذ الاقتصاد الإيراني، ويتطلب ذلك تنازلات من طهران، بما في ذلك بشأن برنامجها النووي وأجندتها السياسية في الشرق الأوسط، لكن "خامنئي" والجنرالات في الحرس الثوري ليسوا مستعدين بعد.

وبدلا من ذلك، يبدو أن حكومة "رئيسي" عازمة على المضي قدما في أجندتها الإقليمية التي تتمحور حول مفهوم "محور المقاومة".

ويتضمن هذا النموذج الإبقاء على معارضة قوية لإسرائيل، والبحث عن فرص لإجبار الولايات المتحدة على مغادرة الشرق الأوسط، ودعم شبكة من الجماعات المسلحة من "حزب الله" في لبنان إلى الميليشيات الشيعية الموالية لإيران في العراق إلى "الحوثيين" في اليمن.

وفي إطار هذا الجهد لتعزيز "محور المقاومة"، يحافظ كبار المسؤولين في طهران على استعدادهم لنقل الأسلحة والمعرفة، بما في ذلك الصواريخ والطائرات بدون طيار، إلى الجماعات التي تشارك "خامنئي" رؤيته لمستقبل الشرق الأوسط.

ببساطة، لا يعد وصول "رئيسي" نقطة تحول في نهج طهران تجاه المنطقة أو موقفها العسكري، بما في ذلك الاستثمار في حرب غير متكافئة من خلال دعم الميليشيات غير الحكومية، حيث أن هذه السياسات محمية بقوة "خامنئي" وقيادة الحرس الثوري.

وما يتبقى هو مدى استخدام "خامنئي" والحرس الثوري لوصول حكومة "رئيسي" كفرصة لتعميق الجهود الإيرانية ضد الولايات المتحدة وإسرائيل وحلفائهما في الشرق الأوسط.

وتحدث وزير الخارجية الإيراني الجديد "حسين أمير عبد اللهيان" في جلسة منح الثقة للحكومة عن أن إيران تتطلع إلى "إضفاء الطابع المؤسسي" على نموذج "محور المقاومة". وسوف يحدد الوقت وحده هو ما يعنيه هذا من الناحية العملية، ولكن مما لا شك فيه أن هذا سيكون أحد التحديات الأكثر إلحاحا التي يواجهها "رئيسي".

 "رئيسي" والحرس الثوري والمسألة العربية

لطالما كرر "رئيسي" شعارا أساسيا كمرشح ورئيس، وهو أنه سيسعى إلى تحسين العلاقات بسرعة مع الدول المجاورة، ولا سيما دول الخليج العربي. ومن حيث دوافعه لذلك، فهناك نقطتان مهمتان بلا شك.

أولا ليس هناك ما يشير إلى أن موقف "رئيسي" يمثل تغييرا جذريا في عقلية النخبة الحاكمة في طهران، بما في ذلك "خامنئي". بدلا من ذلك، يبدو أن هذا يتعلق أكثر بإجراء تعديلات تكتيكية على السياسة الخارجية الإيرانية.

ثانيا، تتجلى أسباب دعوة "رئيسي" لتحسين العلاقات مع الدول المجاورة في التحديات التي يواجهها، وأكثرها وضوحا هو الاقتصاد. وبالرغم أن عمر حكومة "رئيسي؛ لا يتجاوز أسابيع، لكنها على وشك الإفلاس. وقد خلق ذلك ضغوطا اجتماعية واقتصادية خاصة في بلد أصبح بالفعل صندوق بارود ينتظر الانفجار.

وإلى جانب اتخاذ خطوات وقائية على أمل تجنب الاضطرابات الشعبية، فلدى "رئيسي" دوافعه السياسية المتمحورة حول الذات أيضا. وتعد وجهة النظر الشائعة عن "رئيسي" هي أن "خامنئي" اختاره ليكون رئيسا، وأنه قد يكون على رأس القائمة المرشحة لخلافة "خامنئي". ولإضفاء الشرعية على رئاسته ورفع مكانته مع وضع القيادة العليا في الاعتبار، يتعين على "رئيسي" أن يخلق بسرعة بعض القبول في المجتمع الإيراني.

وهذا هو السبب في أن سياسات "رئيسي" الاقتصادية حتى الآن تشبه إلى حد بعيد تلك التي اتبعها "أحمدي نجاد" في 2005، وهي شعبوية وتستهدف الطبقات الدنيا والمتوسطة والطبقات العاملة.

ولا يتعين على "رئيسي" فقط العمل بجدية أكبر لتكوين قاعدة دعم لنفسه مقارنة بـ "أحمدي نجاد"، الذي كان لديه موارد مالية أعلى بكثير تحت تصرفه للقيام بذلك. وعلى عكس ما حدث في عام 2005، فإن الاقتصاد الإيراني اليوم بين الحياة والموت.

ويرتبط هذا الواقع الاقتصادي الداخلي ارتباطا مباشرا بدعوة "رئيسي" لتحسين العلاقات مع الدول العربية. ويحتاج "رئيسي" إلى خفض تكلفة أجندة السياسة الخارجية الإيرانية، ويبدو أنه يحظى بدعم "خامنئي" للقيام بذلك. على أقل تقدير، سيعرض النظام في طهران نفسه لخطر كبير إذا استثمر أكثر في المشاريع الإقليمية على حساب معالجة المطالب المحلية. وهذا التشخيص هو الدافع المركزي وراء دعوة "رئيسي".

ويلعب باقي النظام دوره في الترويج لهذه الرسالة وتسهيل قبول الدول العربية المجاورة لها. ويعد السعوديون هم الجمهور الرئيسي. والرسالة واضحة، وهي تقول إن الأمريكيين غير جديرين بالثقة، وغير مهتمين بمستقبل الشرق الأوسط، وقد حان الوقت للجهات الفاعلة الإقليمية لتقديم تنازلات على أمل تحريك المنطقة نحو ترتيب أمني جديد. لكن لم يبلور "رئيسي" ولا وزير الخارجية "أمير عبداللهيان" فكرة متماسكة عن كيفية القيام بذلك.

وأشارت حكومة "رئيسي" إلى "مبادرة هرمز للسلام" (أمل)، لكن هناك مشكلتان مع المبادرة. أولا أن سلفه "حسن روحاني" هو الذي أطلقها. ثانيا، ما زالت الدول العربية غير مبالية بها حتى الآن، لذا فإن فائدتها محدودة. وبمرور الأيام سنكتشف ما إذا كان بإمكان حكومة "رئيسي" صياغة نوع من المبادرات الإقليمية التي قد تكون ذات فائدة لدول الخليج العربي. ولا توجد علامة على ذلك حتى الآن. وفي غضون ذلك، يمكن توقع أن تمضي طهران قدما في عملية خفض التوتر مع الدول العربية المجاورة.

وأفضل ما يمكن أن نأمله في الوقت الحالي هو أن تحدد إيران ودول الخليج المجالات ذات الاهتمام المشترك، مثل التعاون الأمني ​​البحري. ويجعل عدد الحوادث التي تعرضت لها السفن في الخليج العربي وبحر العرب في الأعوام الأخيرة، بما في ذلك عمليات الاستيلاء وهجمات الطائرات المسلحة بدون طيار، هذا المجال وثيق الصلة للتعاون المحتمل. لكن لكي يحدث هذا، على طهران أن تعترف بالمشكلة أولا.

وفي أوائل أغسطس/آب، اشتكى المسؤولون الإيرانيون في الأمم المتحدة في نيويورك من عمليات "العلم الكاذب" في المياه الإقليمية من قبل إسرائيل وحلفائها بهدف تأطير إيران. وفي الوقت نفسه، أعلنت طهران انفتاحها على العمل مع دول الجوار في مجال الأمن البحري وحرية الملاحة.

ويشكل هذان الموقفان المتناقضان معضلة سياسية. ففي الوقت الحالي، يبدو أن الموقف الإيراني من التعاون الإقليمي مشروط مسبقا بجيران ليس لديهم تعاون أمني وعسكري مع إسرائيل. وهذا بدوره يضع دول الخليج، وخاصة الإمارات والبحرين، اللتين تربطهما علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، في موقف صعب.

ويتمثل التحدي الذي يواجه دول الخليج في الضغط على طهران من أجل فصل المجالات المحتملة للتعاون التكتيكي مثل الأمن البحري، عن خيارات السياسة الخارجية الاستراتيجية الأوسع التي تتخذها كل دولة.

والأمر المقلق بنفس القدر هو أن مسألة إسرائيل تظل مكونا أيديولوجيا متأصلا في "محور المقاومة" المعلن في طهران. أما القضية الرئيسية لدول الخليج فهي أنهم إذا اختاروا قبول مبادرات إيران والدعوة إلى التعاون الإقليمي، فكيف يمكنهم حينئذ دفع طهران بعيدا عن الاستثمار أكثر في "محور المقاومة"، الذي هو في الأساس موقف مناهض للوضع الراهن، وبالتالي يعد تحريضا على المزيد من عدم الاستقرار الإقليمي؟







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي