نيويورك تايمز: أبناء ميركل يتساءلون عما سيحدث لهم بعد رحيل المستشارة!

2021-09-20

المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل

نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا أعدته كاترين بنهولد قالت فيه إن اللاجئين الذين رحبت بهم ألمانيا في ذروة أزمة الهجرة عام 2015 لا يجدون طريقة للتعبير فيها عن امتنانهم إلا بتسمية بناتهم على اسم المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل التي تستعد لمغادرة المشهد السياسي بعد انتخابات هذا الشهر، والأسماء المشهورة هي “أنغي” و “أنغيلا” وأحيانا ميركل. فقد أنجبت هباجة ماي طفلة بعد 3 أيام من وصولها إلى ألمانيا، وتركت خلفها في سوريا بيتها المدمر وخاضت المياه السوداء في البحر المتوسط على متن قارب متهالك مع أولادها الثلاثة.

وفي اليونان نصحها طبيب بعدم السفر ومواصلة رحلتها عبر مقدونيا، صربيا، هنغاريا والنمسا، ولكنها لم ترتح إلا عندما قطعت الحدود إلى بافاريا وبدأت المخاض فورا. وقال لها الطبيب الذي حمل المولودة “إنها بنت”، ولم تفكر هباجا لحظة في اسم المولودة “سنسميها أنغيلا” قالت لزوجها الذي فر قبل ستة أشهر والتقى مع عائلته قبل يومين من ولادة أنغيلا في 1 شباط/فبراير 2016. وقالت هباجة “أنغيلا ميركل أنقذت حياتنا”، وكانت تتحدث من بيتها الجديد في ولفراث بشمال- غرب ألمانيا، مضيفة “منحتنا سقفا فوق رؤوسنا وأعطت مستقبلا لأطفالنا، ونحبها مثل الأم”. وستغادر ميركل بعد اختيار خليفة لها في 26 أيلول/سبتمبر. وكان قرارها الترحيب بأكثر من مليون لاجئ من سوريا والعراق وأفغانستان وأماكن أخرى في عام 2015 و2016 اللحظة الأهم وبتداعيات كبيرة في مسيرتها السياسية كمستشارة لمدة 16 عاما.

وغير قرارها أوروبا وألمانيا وفوق كل هذا غير حياة اللاجئين الذين عبروا عن شكرهم وامتنانهم لها من خلال تسمية مواليدهم الجدد على اسمها. وليس لدى المستشارة أولاد، لكن في عدة زوايا من ألمانيا هناك ما بين 5- 6 بنات (وأولاد) يحملون أسماء توقع على اسمها- أنغيلا، انجي، ميركل وحتى انغيلا ميركل. ولا أحد يعرف عدد من يحملون اسمها. وتوصلت الصحيفة لتحديد 9 حالات، ولكن عمال الخدمة الاجتماعية يرون أن العدد قد يكون أعلى لأولاد يعتبرون ألمانيا اليوم بلدهم. قالت هباجة عن ابنتها أنغيلا، 5 أعوام “لن تتناول إلا الأكل الألماني”.

وكان خريف عام 2015 لحظة خارقة في التعاطف والخلاص لبلد ارتكب الهولوكوست. والكثير من الألمان يطلقون عليها “حكاية الجنيات في الخريف”. ولكنها لحظة تركت تداعياتها على المشهد السياسي وفتحت المجال أمام القوى غير الليبرالية مثل رئيس الوزراء الهنغاري فيكتور أوربان واليمين الألماني المتطرف الذي دخل البرلمان ولأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية. واليوم يقوم حرس الحدود الأوروبيون بمراقبتها بشدة ويستخدمون القوة ضد المهاجرين الأجانب، وتركت مخيمات اللاجئين كما هي ويعشعش فيها البؤس. ويدفع القادة الأوروبيون المال لتركيا وليبيا كي تمنع من يحاولون القيام بالرحلة. وأعلن القادة الأوروبيون في فترة الخروج الفوضوي من أفغانستان عن رفضهم أي لاجئين من هذا البلد.

وبحسب جيرالد كانوس، مؤسس المبادرة الأوروبية للاستقرار “هناك قصتان: واحدة قصة نجاح والأخرى قصة فشل ذريع”. وقدم كانوس المدير للمبادرة النصح لميركل في شؤون المهاجرين “فعلت ميركل الصواب لكنها فشلت القضية في أوروبا”.

وبعد فراره من الحرب والتعذيب والفوضى في سوريا، يعيش مهد ووداد في شارع سنشاين في مدينة غيلسنكريتشن في غرب ألمانيا. وفي غرفة المعيشة بالشقة التي يعيشان فيها بالطابق الثالث صور لوجه ميركل الباسم. وقالت وداد، 35 عاما “هي ملاكنا الحارس” وأضافت “فعلت أنغيلا ميركل لنا أمرا كبيرا وجميلا، شيئا لم يفعله القادة العرب لنا” و “لا نستطيع رد الجميل لها” و “لهذا أطلقنا اسم ابنتنا على اسمها”. وتبلغ أنغيلا أو انجي كما يناديها والداها الخامسة من العمر وتحب قص الحكايا باللغة الألمانية مع شقيقتها هادية، 13 عاما، وتحلم بأن تصبح طبيبة أسنان وفاطمة، 11 عاما، والتي تحب الرياضيات. وتقول وداد “لا فرق هنا بين الأولاد والبنات وهذا جيد” و “آمل أن تكبر أنجي وتصبح مثل أنغيلا ميركل، امرأة قوية بقلب كبير”.

وصدم وصول مليون مهاجر تقريبا ألمانيا في وقت حشدت فيه ميركل الشعب الألماني بأن البلاد قادرة على استيعاب العدد. ومثل البقية حصلت وداد وزوجها على وضع حماية فرعية بحيث سمح لهم بالإقامة والعمل، وخلال 3 سنوات يسمح لهم بالتقدم بطلب الجنسية الألمانية. وبحسب الأرقام الحكومية الأخيرة فإن المهاجرين الذين وصلوا في الفترة ما بين 2015- 2016 يندمجون بشكل جيد في المجتمع الألماني، ونسبة واحد من كل اثنين يعملون. وسجل أكثر من 65.000 إما في الجامعات أو برامج تشارك. وهناك نسبة 3 من كل 4 مهاجرين يعيشون في شققهم السكنية الخاصة أو بيوتهم ويشعرون أنهم “مرحب” بهم أو “مرحب بهم جدا”.

وفي فترة الوباء تطوع المهاجرون لخياطة الكمامات ولقضاء حاجات الكبار في العمر. وفي أثناء الفيضان المدمر الذي ضرب ألمانيا في الفترة الأخيرة قاد المهاجرون سياراتهم إلى المناطق المنكوبة. وقال مروان محمد، عامل الخدمة الاجتماعية في الجمعية الخيرية الكاثوليكية كاريتاس بمدينة غيلسنكريتشن “جاءوا إلي وقالوا إنهم يريدون رد الجميل”. وتأمل وداد التي كانت تعمل مدرسة لغة إنكليزية في سوريا بالعودة للتعليم، وتتعلم اليوم الألمانية وحصلت على رخصة السياقة. أما زوجها الذي كان يعمل سباكا في سوريا فيدرس للامتحان الألماني لكي يؤهله الدخول في فترة تدريب ومن ثم بدء عمله. ويحصل هو وعائلته على 1.400 يورو (1.650 دولارا) في الشهر كمساعدة من الدولة. وفي ولفراث، يعمل تامر العابدي زوج هباجة الماي ووالد أنغيلا في شركة حديد محلية بعدما نجح في امتحانه الألماني عام 2018، وبدأ قبل فترة عمله الخاص في الديكور وتريد زوجته العمل في صالون تجميل. وعندما أحضرت ابنتها للتسجيل في الروضة لم تكن تعرف ولا كلمة ألمانية حسبما تتذكر مديرتها فيرونيكا إنجل.

وعندما قالت “أنغيلا مثل أنغيلا ميركل” ردت مبتسمة “نعم”. وتتذكر إنجيل أن أحد الأطفال لم يكن يسمح بإغلاق الباب وآخر كان يخاف من الأصوات العالية. وأصيبت شقيقة أنغيلا، أريا التي كان عمرها 5 أعوام عندما هربت العائلة من سوريا بالرعب عندما لعبت حصتها لعبة الكنز، لأنها جلبت لها ذكريات عن سوريا وكيف خبأتها أمها من الشبيحة وحراس الحدود خلال الرحلة في وسط أوروبا. وتقول إنجيل “يحمل هؤلاء الأطفال صدمات الحرب” و “تصميم هذه العائلات مثير للإعجاب ونحن دولة غنية لهذا”.

وميركل التي ولدت في عائلة والدها قس خلف الستار الحديدي، عندما كانت ألمانيا مقسمة. وهو ما أثر بشكل عميق على مواقفها السياسية. وقال توماس دي ميزير، الذي عمل وزيرا للداخلية في حكومة المستشارة أثناء أزمة المهاجرين “كانت واضحة: لن نبني حدودا جديدة في أوروبا وعاشت نصف حياتها خلف الجدار”. ولم يوافق الجميع على هذا الرأي، فأزمة المهاجرين أطلقت العنان لتداعيات سلبية وبخاصة في ألمانيا الشرقية التي نشأت فيها ميركل. وهناك نقلت بيرث مبالا، إلى مدينة إيبرسوالد. وأخبرها محاميها “الشرق سيئ” و “أنت لست محظوظة”. وفي عام 2013 هربت مبالا من العنف في الكاميرون بخريطة للعالم وما يساوي 20 يورو.

وتركت خلفها ولديها، أحدهما اختفى، مما أحدث لها صدمة عميقة بدرجة لا تستطيع الحديث عنه. وأول مرة سمعت فيها باسم أنغيلا ميركل، كانت عند الحدود المغربية- الإسبانية. وتذكرت قائلة “بنى الأوروبيون الكثير من الأسلاك الشائكة حتى لا يأتي الأفارقة” و “رأيت أشخاصا على الجانب الإفريقي يهتفون باسمها: ميركل، ميركل، ميركل”. ومنذ أن استقرت في إيبرسوالد تعرضت للإهانة في الشارع وبصق عليها وهي في الحافلة. ويمقت الكثيرون في المنطقة ميركل. ولكنها لم تترد بعد أن أنجبت أول أبنائها في ألمانيا بتسميته “كرايست ميركل”، “لأنها مخلصتي” و”في يوم من الأيام سيسألني ابني لماذا أسميته ميركل” و “عندما يكبر سأخبره بكل القصة وكيف كانت الحياة صعبة وما عانيته، والحمل ووصولي إلى هنا، والأمل والحب الذي منحته هذه المرأة لي”. ولم تعد ألمانيا والدول الأوروبية ترحب بالمهاجرين. وكان رد حزب ميركل على الأزمة الأخيرة في أفغانستان بالقول “يجب ألا يكرر عام 2015 نفسه”. وفي غيلسنركيرتش تلقت وداد ومهد معاملة جيدة ولكنهما يعرفان أن الوقت قد تغير “من سيقود ألمانيا؟” تساءل مهد “ماذا سيحدث لنا عندما ستذهب؟”.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي