حرب علمية لم تحسم نتيجتها بعد.. هل تستطيع النباتات أن "تستمع" إلينا وتتواصل فيما بينها؟

2021-09-14

لطالما كانت أمي تغني للنباتات والزهور التي ملأت حديقة منزلنا، كنت أنظر إليها بتعجب فتلحظ على الفور حيرتي وتهمس: إنها تسمعنا، كلما تحدثنا معها أكثر ازدهرت بسرعة أكبر، وبالفعل امتلكت أمي نباتات وزهوراً كانت مصدر غيرة جميع جاراتنا، ولا أدري إن كان صوت أمي الشجي هو السبب فعلاً.

من الناحية العلمية هناك دراسات تدعم رأي أمي وتفيد بأن النباتات كائنات ذكية تمتلك القدرة على التواصل والتعلم، لكن من جهة أخرى هناك العديد من المشككين بهذا الرأي. ويصف البعض هذا الانقسام بـ"الحرب العلمية"، فأي المعسكرين سينتصر؟  

هل تتكلم النباتات بالفعل؟

تظهر الأبحاث الحديثة حول النباتات أنها قد تكون كائنات أكثر تعقيداً مما كنا نظن، لكن لا تزال فكرة اعتبارها "تستطيع التحدث" فكرة مثيرة للجدل.

ففي حين صب بعض العلماء والباحثون تركيزهم لإثبات ذلك، رأى آخرون أنها مجرد إضاعة للوقت.

وقد كانت الباحثة الأسترالية مونيكا جاجليانو من بين العلماء المتحمسين لفكرة أن النباتات تستطيع أن تتحدث وتتواصل فيما بينها، ونشرت سلسلة من الأوراق البحثية التي تشير إلى أن النباتات تمتلك القدرة على التواصل والتعلم والتذكر.

ووفقاً لجاجليانو فإن الصوت من أساسيات الحياة وحتى البكتيريا تتواصل مع بعضها البعض عن طريق ذبذبات وترددات معينة، لذا ليس من المستغرب أن تقوم النباتات بالمثل.

وفي دراسة أجرتها الباحثة الأسترالية مع زملاء لها عام 2017 أظهرت جاجليانو أن النباتات تبدو قادرة على استشعار صوت اهتزاز الماء عبر جذورها، مما قد يساعدها في تحديد موقع الماء تحت الأرض.

وبناء على دراستها تلك تقول الباحثة الأسترالية إن الدليل واضح، وإن النباتات بإمكانها نقل المعلومات واستردادها صوتياً.

 "نقرات" تحت الأرض

أما الورقة البحثية التي يستشهد بها الكثيرون لإثبات أن النباتات "تتحدث" فكانت تلك التي نشرت عام 2012 وعمدت إلى اكتشاف الضوضاء أو "النقرات" الصادرة عن جذور النباتات.

استخدم الباحثون في دراستهم مقياس اهتزاز ليزري تم تثبيته عند أطراف جذور النباتات مباشرة، وذلك بعد غمر الجذور في الماء ببيئة معزولة لضمان معرفة أن الأصوات التي سيلتقطها الجهاز ناتجة عن الجذور نفسها وليس من البيئة المحيطة.. وكانت المفاجأة أن الجهاز استطاع التقاط أصوات تشبه "النقرات" يقول الباحثون إنها صادرة عن جذور النباتات.

ومع ذلك، فإن القول بأن هذه النقرات لها أي وظيفة تواصلية يتطلب مزيداً من الأدلة.

وتقول جاجليانو إنها لاحظت "نقرات" مماثلة صدرت عن جذور النباتات عندما تم تغيير اتجاه نموها.

استجابة كيميائية للأصوات

ومن الدراسات المهمة أيضاً في هذا المجال تلك التي أجريت عام 2019 والتي أثبتت أن النباتات قد تصدر ردود فعل كيميائية عند "سماعها" أصواتاً معينة، مما يدل على أن النباتات "تسمع" الأصوات فعلياً.

على سبيل المثال وجدت الدراسة أن بعض النباتات تزيد من كمية السكر في رحيقها عندما "تسمع" طنين النحل.

ومن يدري، قد تكون تلك الاستجابة كنوع من المكافأة التي تمنحها النباتات للنحل الذي يقوم بتلقيحها ويسهم في تكاثرها، وبغض النظر عن الأسباب التي تدفع النباتات للقيام بذلك إلا أن إفراز السكر هو استجابة "للصوت" مما يفيد بالتالي بأن النباتات تسمع الأصوات من حولها وربما تكون قادرة على إصدارها كذلك.

كذلك، تشير دراسات أخرى إلى أن النباتات التي تتعرض لمضغ اليرقات بكثرة تقوم بإفراز مواد كيميائية معينة لطرد تلك اليرقات مما يفيد بأنها تشعر بمحيطها وتتواصل بطريقة أو بأخرى فيما بينها.

مع ذلك لا تزال الآليات الدقيقة التي يمكن للنباتات من خلالها أن تدرك الصوت وتستجيب له غامضة بالنسبة لنا، كما أن العلماء لم يتفقوا فيما بينهم ويجزموا أن النباتات تسمع وتتحدث بالفعل.

هل تتكلم النباتات؟  

 

مشككون بقدرة النباتات على التواصل

يجادل الكثيرون بأن التواصل يحتاج إلى مقدار من الذكاء الذي يعتبر حكراً على الحيوانات ولا تتمتع به النباتات إطلاقاً.

ويعتبر الباحث ديفيد روبنسون من جامعة هايدلبرغ في ألمانيا أحد المشككين في قدرة النبات على التواصل بالرغم من أنه يعتقد أن استجابات النبات للمنبهات الصوتية مثيرة للاهتمام إلا أنه يعتقد أيضاً أنها استجابات محددة مسبقاً وجامدة ولا علاقة لها بعملية التفكير.

ويضيف روبنسون: "لا تمتلك النباتات خلايا عصبية، وهي الخلايا التي تنقل المعلومات عبر الإشارات الكهربائية في أدمغة الحيوانات. وهي تفتقر بشكل عام إلى آلية التفكير. ومع ذلك، يمكن القول إن المعلومات تتحرك داخل النباتات، عن طريق الإشارات الكيميائية".

وبينما تستجيب النباتات للمنبهات الصوتية من أنواع معينة وتتواصل أحياناً كيميائياً مع أشكال مختلفة من الكائنات الأخرى، قد يجادل الكثيرون بأن الأمر يختلف تماماً عن إجراء محادثة واعية.

يقول روبنسون إنه لا يستبعد احتمال أن النباتات لا تزال تفاجئنا- لكنه يصر على ألا نحاول مقارنة قدراتها التواصلية بقدراتنا أو حتى أن نحاول التحدث معها.

يقول: "أعتقد أن ما يحاول الكثير من الناس فعله هو إضفاء الطابع الإنساني على النباتات لجعلها أكثر شبهاً بأنفسنا".

 

لكن توني تريوافاس، الأستاذ الفخري بجامعة إدنبره، يتبنى وجهة نظر مختلفة وفقاً لـ BBC.

يقول إنه بموجب تعريف أوسع للذكاء، يمكن اعتبار النباتات ذكية لأنها تستجيب بشكل واضح للمنبهات بطرق تحسن من احتمالات بقائها على قيد الحياة. يشير تريوافاس أيضاً إلى حقيقة أن الأشجار تعتمد على شبكات الميكروبات في التربة لمساعدتها على تحديد العناصر الغذائية- وهذا يعتبر شكلاً من أشكال التواصل بين الأنواع.

يقول تريوافاس: "كل أشكال الحياة ذكية لأنها إذا لم تكن كذلك، فلن تكون على قيد الحياة ببساطة".







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي