الهزات الناجمة عن زلزال 11 سبتمبر تستمر في تشكيل علاقات الخليج بالولايات المتحدة

2021-09-13

كان لهجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 على الولايات المتحدة تأثير هائل على دول الخليج العربية، وحساباتها السياسية والاستراتيجية، وعلاقاتها مع الولايات المتحدة. ولقد ساعدت الهجمات ورد فعل الولايات المتحدة على إحداث تطورات لا تزال يتردد صداها. وبالرغم من انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان في أغسطس/آب، في الذكرى العشرين للهجمات، لا يزال المشهد الاستراتيجي والسياسي في الخليج، ومع الولايات المتحدة، يخضع في الأساس لبيئة ما بعد 11 سبتمبر/أيلول.

 وساعدت العديد من التطورات الأخرى الجديرة بالملاحظة في تشكيل المشهد السياسي الخليجي العربي منذ ذلك الحين، مثل انتفاضات الربيع العربي عام 2011، ونمو الشعبوية القومية، وصعود وسقوط تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، وخطة العمل الشاملة المشتركة أو ما يسمى بالاتفاق النووي بين القوى العالمية وإيران، والتراجع الواضح في نفوذ وجاذبية جماعة "الإخوان المسلمون". ولقد أثرت هجمات 11 سبتمبر/أيلول وتداعياتها بعمق على معظم، إن لم يكن كل، هذه التطورات.

وبدأت هجمات 11 سبتمبر/أيلول عملية، تم تكثيفها وترسيخها بعد انتفاضات الربيع العربي عام 2011 وما تلاها، حيث ذهبت العديد من دول الخليج العربية، لا سيما الإمارات والسعودية، لتعارض بشكل قاطع الجماعات السلفية الجهادية، مثل "القاعدة"، والحركات السياسية الإسلامية مثل "الإخوان المسلمون".

وقبل هجمات 11 سبتمبر/أيلول، كانت الإمارات متناقضة بشأن الإسلاموية، وكانت من بين الدول القليلة التي اعترفت دبلوماسيا بنظام "طالبان" في أفغانستان في التسعينيات. ومع ذلك، نمت الشكوك في أبوظبي خلال التسعينيات، وفي عام 1994 تم حل جماعة "الإخوان المسلمون" الإماراتية، "جمعية الإصلاح". لكن لا يزال هناك بعض التعاطف الرسمي مع جماعة "الإخوان المسلمون" في بعض الإمارات الأصغر، ولا سيما رأس الخيمة.

ومع ذلك، جاءت أحداث 11 سبتمبر/أيلول بمثابة صدمة كبيرة لقيادة الإمارات، خاصة وأن 2 من الخاطفين كانوا إماراتيين. وبدأت الإمارات تخشى تهديد الإرهاب، وتجذرت لديها فكرة أن جماعة "الإخوان المسلمون" قدمت الإطار السردي والمفاهيمي للقاعدة والجماعات الأخرى الأكثر عنفا، وبالتالي كانت المصدر النهائي لذلك التهديد.

وتحرك القادة الإماراتيون للتطهير المنهجي للجماعات الجهادية والإسلامية من مجتمعهم، وطردوا المعلمين الإسلاميين، وجددوا الكتب المدرسية. والأهم من ذلك، بدأت الإمارات في تطوير ونشر رواية معادية للإسلاميين ونموذج بديل يقوم على التسامح والتعايش والانفتاح الاجتماعي وليس الديمقراطية أو التعددية السياسية.

 على النقيض من ذلك، بقيت قطر متمسكة بتعاطفها القوي مع الجماعات الإسلامية ودعمها للحركات الشعبوية الأخرى، بما في ذلك القوميون العرب اليساريون، وهو ما حظي بقبول شعبي واسع لكنه أثار قلق الحكومات العربية.

وفي ليبيا، هناك مأزق نسبي. وهُزمت الانتفاضة المسلحة في سوريا بعد تدخل عسكري مشترك بين روسيا وإيران و"حزب الله" لإنقاذ نظام الرئيس "بشار الأسد" في خريف عام 2015. وبالرغم من الثقة الواضحة التي كانت لدى قطر والعديد من أعضاء جماعة "الإخوان المسلمون"، لم يسد الإسلاميون بشكل عام في الجمهوريات العربية بعد الانتفاضة، باستثناء غرب ليبيا إذا كان قول ذلك ممكنا، بالإضافة إلى حكم "حماس" في غزة، الذي يسبق الربيع العربي. 

أما السعودية، على عكس جارتيها الأصغر، فقد تجاهلت في البداية هجمات 11 سبتمبر/أيلول باعتبارها في الأساس مشكلة سعودية، بالرغم من أن 15 من الخاطفين الـ19 كانوا سعوديين وكان زعيم "القاعدة"، "أسامة بن لادن"، سعوديا متشددا مناهضا للحكومة.

ويبدو أن القادة السعوديين اعتقدوا أنه بالرغم من وجود عنصر سعودي راسخ في هجمات 11 سبتمبر/أيلول، فنظرا لأنها تم التخطيط لها في أفغانستان، وتم تنظيمها إلى حد كبير في هامبورج، ونُفذت في الولايات المتحدة، إلا أنها لم تكن مسؤولية الرياض فعليا.

ومع ذلك، فإن مزيجا من الضغط والغضب الأمريكي، ولا سيما مع هجمات القاعدة داخل السعودية نفسها عام 2003، غير المواقف السعودية بشكل كبير.

وأصبحت النظرة السعودية أقرب إلى منظور الإمارات للإسلاموية و"الإخوان المسلمون"، بالرغم من أن الرياض مترددة في معارضة كل اختلاط بين الدين والسياسة بشكل قاطع مثل الإمارات بسبب الدور الرئيسي الذي لعبه الدين تاريخيا في سرديات شرعية الدولة السعودية.

ومع ذلك، وخاصة بعد انتفاضات الربيع العربي، انضمت السعودية إلى الإمارات في تحديد جماعة "الإخوان المسلمون" كتهديد إقليمي رئيسي وساعدت مع الإمارات في دعم انقلاب 2013 في مصر والجهود الأخرى في المنطقة لمواجهة جماعة "الإخوان المسلمون".

 وصنف البلدان، وكذلك مصر، جماعة "الإخوان المسلمون" رسميا على أنها منظمة إرهابية في عام 2014. وكان الخلاف حول الإسلاموية هو القضية الرئيسية التي أدت إلى الخلاف مع قطر في 2013-2014 والمقاطعة اللاحقة من يونيو/حزيران 2017 إلى يناير/كانون الثاني 2021.

وبشكل عام، عززت هجمات 11 سبتمبر/أيلول علاقات الولايات المتحدة مع جميع شركائها العرب في الخليج ولكن ليس بدون تعقيدات كبيرة. وفي أعقاب الهجمات، ظهرت مخاوف بشأن الدور السعودي، واستمر بعضها، ما ساهم في استمرار التيار المعادي للسعودية في الخطاب السياسي الأمريكي.

ومع ذلك، فإن الادعاءات حول علاقات القيادة السعودية بالهجمات أو "القاعدة" أصبحت معترفا بها على أنها غير قابلة للتصديق حيث علم المزيد من الأمريكيين بتصميم الجماعة على الإطاحة بالحكومة السعودية. وبينما لا تزال هناك شكوك في بعض الأوساط الأمريكية، لم يثبت أي دليل بشكل قاطع وجود علاقة.

وفي الواقع، حتى الحكومة السعودية دعت إلى الإفراج عن الوثائق السرية ذات الصلة، مثل ملحق لتقرير لجنة 11 سبتمبر/أيلول، والذي يقال إن الرئيس الأمريكي "جو بايدن" يخطط لنشره في وقت لاحق من هذا العام.

ومع ذلك، توجد انتقادات مبررة لدور السعودية على مدى عقود في الترويج لنسخة غير متسامحة من الإسلام ساهمت في التبرير الديني للتطرف الجهادي، بما في ذلك من قبل القاعدة. وتشير حقيقة أن 15 من الخاطفين الـ19 كانوا سعوديين، وأن زعيم "القاعدة" نفسه كان سعوديا، إلى وجود علاقة ثقافية قوية، وإن كانت معارضة للحكومة.

وكان وضع السعودية "كدولة تحصل على الإعفاء من التأشيرة بشكل افتراضي"، ما يسمح بإصدار التأشيرات الأمريكية عن طريق البريد وتجنب الحاجة إلى الظهور الشخصي أو الحاجة إلى المستندات الداعمة يساعد أيضا في تفسير سبب تفضيل القاعدة استخدام السعوديين لهذه الهجمات على الأراضي الأمريكية.

وبمجرد أن بدأت الرياض في الاضطلاع بدور أكثر استباقية في مواجهة وقمع تنظيم "القاعدة" في أعقاب الهجمات الإرهابية عام 2003 داخل السعودية، هدأت الخلافات بين الحكومتين الأمريكية والسعودية حول هذه القضايا بشكل فعال، بالرغم من استمرار التوترات حول قضايا مثل جهود مقاضاة الحكومة السعودية أو المسؤولين بشأن هجمات 11 سبتمبر/أيلول.

لكن السعودية أثبتت أنها بالفعل شريك لا غنى عنه في مكافحة الإرهاب مع العديد من الاعتقالات وأنشطة مكافحة الإرهاب وتمويل حملات القمع والهجمات الفاشلة وتبادل المعلومات الاستخباراتية الحاسمة. ومع ذلك، لا تزال ذكريات 11 سبتمبر/أيلول تطارد العلاقات السعودية الأمريكية حتى في سجل محدود. وقد تفاقم هذا في الأعوام الأخيرة بسبب قرب الرياض من إدارة الرئيس السابق "دونالد ترامب"، والتأثير الإنساني لحرب اليمن، ومقتل الصحفي السعودي "جمال خاشقجي"، ومخاوف أخرى تتعلق بحقوق الإنسان.

وكان أكبر تأثير مباشر لأحداث 11 سبتمبر/أيلول على العلاقات الخليجية الأمريكية هو أول استخدام أمريكي لقاعدة العديد الجوية في قطر، التي أصبحت بمثابة المقر الأمامي للقيادة المركزية الأمريكية، وبالتالي فهي مركز لكثير من النشاط العسكري الأمريكي غير البحري في منطقة الخليج.

وشيدت قطر القاعدة في التسعينيات، على ما يبدو على أمل جذب الجيش الأمريكي إلى وجود دائم في البلاد كركيزة أساسية لاستراتيجية الدفاع القطرية. ومع ذلك، في رد مباشر على أحداث 11 سبتمبر/أيلول، استخدمت الولايات المتحدة القاعدة لأول مرة في سبتمبر/أيلول 2001 أثناء استعدادها للحملة ضد "القاعدة" و"طالبان" في أفغانستان. بعد ذلك، أصبحت قطر المضيف الرئيسي للعمليات الجوية الأمريكية والقواعد واللوجستيات والقيادة والسيطرة في المنطقة الواسعة التي تغطيها القيادة المركزية الأمريكية.

وكانت العلاقة القاعدية بين الولايات المتحدة وقطر أساسية للوجود العسكري الأمريكي في الخليج والشرق الأوسط الأوسع وحتى المحيط الهندي. ولقد كان أيضا محوريا لتأمين الشراكة القطرية الأمريكية، التي كانت لا تقدر بثمن للموقف الأمني ​​لدولة قطر وقدرتها على تحمل الانتقادات لبعض تحالفاتها وأنشطتها الإقليمية والمحتوى التحريري لمنافذها الإعلامية البارزة، مثل شبكة "الجزيرة".

على وجه الخصوص، كان الوجود العسكري الأمريكي في قطر ضروريا لإقناع الدوحة لواشنطن بالبقاء على الحياد أثناء المقاطعة الخليجية لقطر والتراجع عن تحرك "ترامب" الأولي للانحياز للسعودية والإمارات والبحرين ومصر.

وخلقت هذه العلاقة الأساسية أيضا جوا من الثقة والموثوقية ساعدت قطر على لعب دور الوسيط بين الولايات المتحدة و"طالبان"، الأمر الذي يبدو أنه قد أتى ثماره بشكل جيد للقطريين، مع انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، بالرغم من أي علاقة عميقة مع "طالبان" تنطوي على مخاطر بالنظر إلى أن الحركة يمكن أن توفر مرة أخرى مركزا للإرهاب الدولي.

واكتسبت العلاقة بين الولايات المتحدة والإمارات قوة أيضا منذ 11 سبتمبر/أيلول، حيث عملت الإمارات أيضا كشريك عسكري حاسم، وشاركت في كل مشاركة عسكرية أمريكية بعد 11 سبتمبر/أيلول باستثناء غزو العراق عام 2003.

وخلال هذا الوقت، يُزعم أن وزير الدفاع السابق "جيمس ماتيس"، أطلق على الإمارات لقب "اسبرطة الصغيرة"، وأصبحت الدولة مشهورة بالفعالية غير العادية لقواتها الجوية والقوات الخاصة، على عكس العديد من القوات المسلحة العربية الأخرى.

ويرجع الوجود البحري الأمريكي في البحرين إلى ما قبل أحداث 11 سبتمبر/أيلول بفترة طويلة، لكن هذه العلاقة الحاسمة أيضا تعززت بفعل الهجمات والاشتباكات العسكرية اللاحقة. واستمرت علاقة الولايات المتحدة القوية مع الكويت، خاصة بعد تحرير عام 1991.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي