بوليتيكو: إدارة بايدن لن تعترف قريبا بحكومة طالبان.. والاعتراف التكتيكي ممكن

2021-09-12

كشفت مجلة “بوليتيكو” عن أن إدارة جوزيف بايدن قد لا تعترف بحكومة طالبان في القريب العاجل مع أن تأجيل القرار قد يعقد من الأمور.

وفي التقرير الذي أعدته ناحال توسي قالت فيه إن قادة طالبان وعدوا بحكومة شاملة وتمثل الجميع، لكن حكومتهم التي أعلنوا عنها الأسبوع الماضي لتصريف الأعمال لم تكن إلا مجموعة من القادة المتشددين في الحركة، واحد اعضائها على قائمة المطلوبين لمكتب التحقيقات الفدرالي (اف بي أي).

ووصف السناتور الجمهوري ليندزي غراهام الحكومة بأنها “تشكيلة من البلطجية والجزارين”، واشتكى مسؤول بارز في إدارة بادين من وجود “أفراد على قوائم الإرهاب” في الحكومة الجديدة. ومع ذلك تقوم حركة طالبان بتوطيد سلطتها على البلاد عبر المراسيم والبندقية، مما يثير أسئلة حول ما إذا قامت الحكومة الأمريكية والحكومات الأخرى بالإعتراف بحكومتها، فهذا الإعتراف يفتح لها الباب للحصول على الأموال المجمدة ومقعدا في الأمم المتحدة وحصانة دبلوماسية عند السفر إلى الخارج. وأي اعتراف بحكومة طالبان على المدى القريب يعني إثارة غضب الكونغرس مما ينعكس سلبا على الموقف السياسي للبيت الأبيض.

إلا أن الإدارة تلوح بالإعتراف كوسيلة لتشكيل سلوك النظام الجديد. والتردد الأمريكي المفهوم في الإعتراف بطالبان قد يثير التشوش في السنوات المقبلة وفي كل مجال من المحاكم إلى أروقة القمم، علاوة على تعقيد التعامل مع البلد الذي يعتمد سكانه وبشكل شبه كامل على المساعدات الخارجية. ومع مرور الوقت قد تجد الولايات المتحدة وغيرها من الدولة في وضع تعترف فيه وبشكل تكتيكي بحكومة طالبان مع أنها لن تعترف بها أبدا. ويقول سكوت أندرسون، المحامي السابق لوزارة الخارجية والذي درس موضوع الإعتراف بالحكومات “لا أحد يجادل أن دولة أفغانستان لم تعد موجودة وأن بقية العالم لا يمكنه التعامل معها” و “في مرحلة ما، فسيعترف الناس بوجود نوع من الكيان الذي لديه القدرة على الحديث وممارسة الحقوق والواجبات نيابة عن أفغانستان”. ويجد البيت الأبيض نفسه في ورطة لموازنة الحاجة للتعامل مع حكام كابول الجدد في وقت يقوم فيه جنودهم بضرب المتظاهرين وقتل أعداءهم المفترضين. ففي الأسبوع الماضي أثار واحد من المتحدثين باسم البيت الأبيض الغضب عندما وصف التعامل مع طالبان أثناء عمليات الإجلاء من مطار كابول بالمهني والعادي. وتظل المجاملات الدبلوماسية أمر والإعتراف الدبلوماسي أمر آخر.

ففي اللحظة الحالية يقول المسؤولون في إدارة بايدن إنه يركزون على الأزمات المباشرة، مثل استمرار إجلاء الراغبين بالخروج، بحيث لا يوجد هناك وقت للتفكير بموضوع يتعلق بالسياسة. والحقيقة أن أي شخص في البيت الأبيض يحتاج لسنوات إن لم يكن لأمد غير واضح لكي يقرر في مسالة الإعتراف.

وقال مسؤول برز في الإدارة ” في الحقيقة، لا تعتبر موضوعا مهما للنقاش الحالي”. وقال بايدن نفسه إن الإعتراف “طريق طويل”. إلا أن غياب الإعتراف خلق الآن “صداعا” خارج البيت الأبيض. فعندما وصلت طالبان إلى السلطة الشهر الماضي وجدت شركة هوغان لوفيلز القانونية نفسها أمام مشكلة. فوكيلها لم يعد موجودا، وهو الحكومة الأفغانية التي انهارت وقدمت عائلات ضحايا 9/11 دعوى قضائية ضدها.

وبناء على طلب من الشركة قرر القاضي في آب/أغسطس تأجيل القضية لمدة 60 يوما. وربما امتدت، لأسباب عملية وسياسية حتى يتم تحديد من هو المتهم. وهناك من يربط في إدارة بايدن منظور الإعتراف بتصرفات الحركة المتشددة، مثل احترامها لحقوق الإنسان ودعوتها لتنفيذ وعودها بعدم تقييد حركة المرأة ومنع الحركات الإرهابية مثل القاعدة بناء ملاجئ لها في البلاد.

وأشارت المجلة إلى تصريحات أنطوني بلينكن التي قال فيها “تقول طالبان إنها تريد الشرعية والدعم الدوليين. وهذا يعتمد كليا على ما تفعله وليس ما تقوله” و “مسار علاقتها معنا وبقية العالم يعتمد على أفعالها”. وقرار الإعتراف بطالبان هو من مسؤولية الفرع التنفيذي من الحكم لكن أي قرار سيواجه معارضة من الفرع التشريعي. وقال غراهام “سأعارض أي وكل الجهود من إدارة بايدن لمنح الشرعية على أفغان طالبان كحكومة أفغانستان”.

وأضاف “إنهم حركة إرهابية وأي حكومة تقديم الشرعية تقوم بفتح الباب أمام عهد الإرهاب للشعب الأفغاني ونشر التهديد الإرهابي حول العالم”.

ورغم كل هذا فلا مجال أمام الولايات المتحدة إلا التعامل مع طالبان. وفي الوقت الحالي تدير الولايات المتحدة وعدد من الدول حوارا مع طالبان لكي تفي بوعدها وتسمح بخروج الراغبين من أفغانستان، وفي يوم الخميس، سمحت لـ 200 شخص بمغادرة كابول على متن أول طائرة تجارية بعد خروج الأمريكيين.

وفي تلميح آخر للتعاون، قال المسؤولون الأمريكيون إنهم قد يتعاونون مع حركة طالبان لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية- ولاية خراسان التي قامت بتفجير استهدف مطار كابول الشهر الماضي وأدى لمقتل 200 شخص منهم 13 جنديا أمريكيا.

وتواجه أفغانستان مصاعب اقتصادية وإنسانية في أعقاب سيطرة طالبان. وعلى الولايات المتحدة وغيرها أن تتخذ القرار الصعب بشأن تقديم الدعم لأفغانستان بدون الظهور بمظهر من يعترف بشرعية الحكام الجدد. ومن جانبهم دعا قادة طالبان أمريكا ودول العالم الإعتراف بحقهم لحكم أفغانستان. وقال المتحدث باسمهم إن حركته راغبة بالتعاون مع أمريكا بناء على المصالح والإحترام المتبادل. ولم تعترف أي دولة بطالبان منذ سيطرتها على الحكم، لكن هناك منطقة رمادية للتعامل مع حكومة دون منحها الإعتراف.

 وهناك حالة فنزويلا، فقد اعترفت إدارة دونالد ترامب بشرعية زعيم المعارضة خوان غوايدو  كزعيم انتقالي للبلاد وسحبت الشرعية من نيكولاس مادورو، وحضر غوايدو خطاب ترامب عام 2020 عن حالة الإتحاد وسمح للمعارضة بالسيطرة على بعض السفارات والحسابات المصرفية. ولكن أمريكا وجدت نفسها مضطرة للتعامل مع مادورو لأنه يسيطر على البلاد ولأن دولا مثل روسيا وإيران استمرت بالتعامل معه.

وإيران هي مثال واضح عن طريقة التعامل، فبعد الثورة الإسلامية رفضت الولايات المتحدة الإعتراف بالجمهورية الإسلامية كممثل للإيرانيين، ولكنها تعاملت معها بعد فترة قصيرة عندما وقعت اتفاقية الجزائر عام 1981 لتحرير الرهائن الأمريكيين في إيران ومتابعة خلافات قانونية بين البلدين.

وفي نهاية الثمانينات اعترضت الولايات المتحدة على فكرة تمثيل نظام الخميني نفسه في قضية قانونية، وهو مثال آخر عن اعتراف تكتيكي.

وعندما سئل المتحدث باسم الخارجية عن النظام الحالي في إيران قال إنه الخارجية تعترف بأنه حكومة إيران. ورغم الخلافات والمحاكمات واللقاءات بين مسؤولي البلدين إلا أن الحكومتين لا  تقيمان علاقات دبلوماسية مع بعضهما البعض.

وعندما حكمت طالبان أفغانستان ما بين 1996- 2001  لم تعترف بها سوى 3 دول وهي باكستان والسعودية والإمارات العربية المتحدة، ولكن الولايات المتحدة أقامت اتصالات معها بدون أن تعترف بها كحكومة أفغانستان. وفي ذلك الوقت لم تكن الحركة التي خرجت من المدارس الدينية على قدر كبير من الفهم للعلاقات الدولية، لكنها حاول الحصول على اعتراف كما يرى الباحثون الذين حاولوا دراستها. وكانت المشكلة في ذلك الوقت هي مواقفهم المتشددة من دور المرأة والتي جعلتهم على تضاد مع التزاماتهم الدولية وأثرت على الإعتراف ورفع العقوبات الإقتصادية عنهم.

وحاولت طالبان أن تستعيد مقعد أفغانستان في الأمم المتحدة لكنها لم تنجح وظل ممثل الرئيس برهان الدين رباني سفير أفغانستان في الأمم المتحدة. وهو نفس الوضع الآن بعد سيطرة طالبان، حيث لا يزال سفير الحكومة المنهارة هو الممثل. واليوم فقد أصبحت طالبان أكثر ذكاء ومعرفة بالتغييرات الدولية، وقدم قادتها وعودا بحماية حقوق الإنسان وفتح المجال أمام المرأة، رغم التقارير على الأرض التي تقول العكس.

وفي المقابل هناك دول عبرت عن مواقف لحرف النظر مثل الصين وروسيا وإيران التي أبقت على سفاراتها في كابول مفتوحة. ونقلت الولايات المتحدة سفارتها من كابول إلى الدوحة. وهذا يعني أن السفارة ستظل هناك لوقت وبدون أن تعمل بكامل طاقتها. ولو ظلت طالبان في الحكم فلن ترسل أمريكا سفيرها إلى هناك لأن هذا يقتضي موافقة من حكومة معترف بها.

 







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي