النساء الفيلسوفات

2021-09-08

ايزارا اللوكانية.. ونقاشات عقلانية   https://alqabas.com/article/5861780 :إقرأ المزيد

دعد ديب*

كان انهيار النظام الأمومي الذي ساد في مرحلة ما من التاريخ بداية تحول للمجتمعات باتجاه الهيمنة الذكورية بعد أن تبوأت النساء السلطة الاجتماعية والسياسية ردحًا طويلًا من الزمن، حيث كان نسب الأبناء يرجع إلى أمهاتهم في المجتمعات البدائية التي سادت فيها وساد نمط الإنتاج الزراعي الذي يلزم الاستقرار بالمكان، وهذا

ما يفسر وجود تماثيل لآلهة أنثوية على ضفاف الأنهار وفي الأماكن الخصيبة ذات التاريخ، نظرًا لرمزية الأنثى بالخصب والحياة وهذه شهادة من القرآن الكريم بسورة النمل متضمنة قول لبلقيس الملكة: «قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ»، ما يوحي بالشأو المتقدم للمرأة الحكيمة والحاكمة في ذاك

الزمن، بالوقت الذي نُقل عن أرسطو شيخ الفلاسفة قول يقلل فيه من أهمية النساء وقصور ملكاتهم العقلية «جنس الذكر أصلح للسياسة من جنس الأنثى ومن ثم تسلط الرجال على النساء مسألة طبيعية جدًا» نافيًا دور المجتمع والعادات في تكريس هذا المعتقد الذي عمل على إقصاء وتقليص دور النساء في المجتمع والسياسة والفكر.

مناظرة سقراط وأسباسيا   https://alqabas.com/article/5861780 :إقرأ المزيد

تلفيق تاريخي

فدحضًا للرأي السائد بأن عقل المرأة أقل من عقل الرجل وتغلب عليه العاطفة والانفعال وسيطرة التهور والمبالغة على تفكيرهن، يدفعنا لاستقصاء تاريخ العقل عند النساء والظروف المحيطة بنتاجاتهن الفكرية، فرغم الفكرة الشائعة وسيطرة الرجال على النساء ومحاصرتهن وتضييق آفاق العلم والانفتاح فقد برز في التاريخ عدد

لا يستهان به من النساء الفيلسوفات مكذبًا الكم الكبير من التلفيق عن عدم جدارة المرأة في القضايا الفكرية الأمر الذي يشابه ادعاء الفكر الغربي بأفضليته العقلية على العقل الشرقي ويشابه أيضًا القول بتفوق العرق الأبيض على الأسود في رؤية استعلائية قاصرة عن الفروق بين الجنس البشري ذي الأصل الواحد.

ثيانو زوجة فيثاغورث تقود المدرسة الفيثاغورثية   https://alqabas.com/article/5861780 :إقرأ المزيد

أسماء لامعة

فقد برزت في التاريخ أسماء لامعة لنساء امتهن الفلسفة والفكر، نذكر منها رغم التغييب والنكران الذي صاحب تدوين منجزاتهن:

ثيانو- وهي زوجة فيثاغورث وأم بناته (أريجنوت - ميبا) وهما اللتان شاركتا الأم اتباعهن للمدرسة الفيثاغورثية وهي المدرسة الأولى بالتاريخ التي سمح للنساء بارتيادها وقد برعت ثيانو بتحقيق تناغم هارموني بالفكر على مستوى الدولة وإدارتها وعلى مستوى قيادة الأسر أيضًا، إضافة لشرحها وتفسيرها للفلسفة

الفيثاغورثية وقد اشتغلت على البرهنة أن كل شيء من العدد؛ والعالم عدد ونغم؛ وفكرة أن العالم عدد لما معناه أن الأشياء مصنوعة من الأعداد على أساس المحاكاة والمشابهة لا المطابقة المادية، ولكن لم يعرف لها كتب أو آثار مطبوعة نظرًا لسرية الفلسفة آنذاك والتي انتقلت إلينا شفاهًا، إذ قامت فلسفتها على نظريتين هما خلود

الروح وتناسخ الأرواح، الأمر الذي مازال تعتنقه بعض الطوائف الدينية الباطنية مما يدل على تناقل الأفكار عبر الزمن، وقد يجهل أفرادها هذه المرجعية وجل ما يعرفونه أن فيثاغورث شخصية مقدسة لديهم.

الفيثاغورثيات وافقن على «درجة متدنية»   https://alqabas.com/article/5861780 :إقرأ المزيد

ومثل أي تاريخ يدونه المنتصر انحسرت أخبار النساء التي كانت الفلسفة شاغلًا رئيسًا لحياتهن، والمدهش بالأمر أن النساء الفيثاغورثيات رغم سعة اطلاعهن فقد وافقن على أن المرأة لها درجة متدنية عن الرجل مما جعل مجتمعهن يعتبرهن الزوجات المثاليات أو الفاضلات، وربما هذا الاعتراف سهل لهن الاستمرار ولاغرابة فأرسطو نفسه وافق على الوضع الأدنى للرجل عندما وضع نظرية عن الرق.

ايزارا اللوكانية.. ونقاشات عقلانية   https://alqabas.com/article/5861780 :إقرأ المزيد

ايزارا اللوكانية

وهي من مدرسة فيثاغورث المتأخرة زمنياً وقد انصبت جهودها على تطوير القانون الطبيعي بحيث يشمل مجال الفرد والأسرة والمؤسسات معًا، موضحة القانون الأخلاقي الذي ينجم عنهم، وذلك عن طريق التأمل الداخلي للنفس البشرية، وقد ألفت كتابًا عن الطبيعة البشرية لم يصلنا منه سوى شذرات، هذه النفس التي ترصدها عبر

ثلاث وظائف: وظيفة العقل والذهن المختصة بالحكم والتفكير ووظيفة الروح العليا المختصة بالقدرة والمقدرة ووظيفة الرغبة حول الحب والعطف وهذه الأيقونات الثلاث تشكل وحدة عضوية فيما بينها، حيث الصدارة لوظيفة الحكم والتفكير.

إن فكرة القانون والعدالة تتناظر مع بنية النفس الثلاثية العقل والقدرة والرغبة عبر مبدأ النسبة والتناسب في هارمونيا الانسجام في استبطان النفس عبر سيكولوجيا الأخلاق البشرية متضمنة الأخلاق الفردية وقانون الأخلاق الشخصية والقوانين المعبرة عن الأساس الأخلاقي للأسرة والمؤسسات الاجتماعية معًا.  

ديوتيما

عرفت أنها معلمة سقراط بقوله «من أجل هذا يا ديوتيما سعيت إليك، فأنا بحاجة إلى معلم فخبريني بالله عليك».

يعد تاريخ الفلسفة مرتبطاً بشكلٍ كبير في جانبه الأخلاقي والسياسي بسقراط، كفيلسوف عظيم حوكم وأعدم بإجباره على تجرع السم، لكن المدهش أن سقراط المعروف كأستاذ للعديد من المفكرين في عصره، اكتسب جزءاً من معرفته على يد امرأة هي ديوتيما، التي عاشت بين القرنين الرابع والخامس قبل الميلاد، إذ تعد

ديوتيما شخصيةً جدلية في التاريخ، ومع ذلك بقيت طوال خمسة قرون بعد وفاة سقراط، دون أي ذكر، لا في كتب التاريخ ولا في الأدب ولا الفلسفة، إلى حين تمت مراجعة كتابات أفلاطون، وكذلك اكتشاف قطعة أثرية تشير إليها فيما بعد، كما انه يرد ذكرها كفيلسوفة في إحدى محاورات سقراط مع تلاميذه، وأنّه تعلم منها فلسفة الحب والحكمة.

ظهرت آثارها بالنقش المرسوم على النسخة البرونزية للمأدبة الأفلاطونية المحفوظة في متحف نابولي هي وسقراط في محاورات أفلاطون، وبالأخص في مأدبة أجاثون ولكن وجودها الحقيقي ظل ملتبسًا، وما يهمنا نحن سوى الأفكار التي اشتهرت بها، وهي رؤيتها الفلسفية في الحب والنفس البشرية، فهي ترى أن للحب طبيعته الخاصة، لأنه ليس جميلاً ولا قبيحاً، ليس خيراً ولا شراً، نصف إله ونصف إنسان هو البرزخ الفاصل بين

الآلهة والبشر، حتى إنّه معرفة للعقل وغموض له في آن، لكنه يقود إلى محبة الجمال، والبحث عن السعادة في امتلاك الخير والجمال، وكانت في رؤيتها متقدمة ضمن عصرها، قسمت الحب إلى أنواع من حب المال؛ إلى حب الحكمة؛ إلى حب القوة البدنية؛ لكنهم كلهم ليسوا بمحبين، فحب الجسد ينتج عنه أولاد، والحب الفكري يولد

الحكمة، وقد درست طرق تعبير البشر عنه، كما تحدثت عن مفهوم «الولادة الروحية»، المتعلقة بأن الروح تلد ما هو جميل وعميق، تماماً مثلما تلد المرأة ابناً وتهبه للحياة، فإن الروح تهب الجمال إلى الوجود كغاية عليا في سعيها نحو الخلود وهي تتشابه هنا مع الحب الصوفي الإسلامي.

هيباتيا الإسكندرانية

هيباتيا شهيدة العلم والفلسفة، هيباتيا اسم يعني باليونانية «العالية أو ذات المقام الرفيع» كانت عالمة رياضيات وفيلسوفة ولدت عام 380 م في الإسكندرية من أب يوناني اسمه «ثيون» وهو عالم رياضيات أيضاً وأمين لمكتبة الإسكندرية الضخمة والشهيرة، ولمحبته بالعلم لذلك أرسل ابنته لتتابع تعليمها في أثينا، وعند عودتها إلى

الإسكندرية قامت بالتدريس في مكتبتها علوم الرياضيات والفلسفة، ويقال انها لم تتزوج إطلاقاً بالرغم من جمالها وأنوثتها، وقد كانت الإسكندرية في ذلك الوقت تحت الحكم الروماني إبان انتشار المسيحية واعتبارها الدين الرسمي للدولة 391م، وقد طلب أسقف الإسكندرية «كيرلس» من هيباتيا الانضمام إلى الدين المسيحي لكنها

رفضت لأنها كانت من أتباع «الأفلاطونية الجديدة» التي نافست المسيحية، وترافق ذلك مع زيادة نفوذ هيباتيا بين طلابها الذين أحبوها وتعلقوا بها، فاعتبرت أنها تشكل عائقاً في انتشار المسيحية، فقرر الأسقف «كيرلس» التخلص منها، فحرض على قتلها كونها وثنية تعادي المسيح والمسيحية وكان ذلك بأن خرجت تلك الجموع، يملؤها الغضب من الكنيسة باتجاه المكتبة، حيث تقوم بالتدريس وانتظروها حتى خرجت، وهجموا عليها

وجردوها من ملابسها وسحلوها في شوارع الإسكندرية ثم قطعوها إلى أشلاء وأحرقوها، لتكون هيباتيا أول شهيدة للفلسفة والعلوم في التاريخ أمام الجهل والتعصب والتطرف، وقد أُنتج فيلم في عام 2009 م عن حياة هيباتيا بعنوان «آغورا» (AGORA) للمخرج التشيلي اليخاندرو آمينا بار جسد حياتها ومصرعها. 

حنة آرندت

وتعد آرندت أهم من كتب حول الشمولية والسلطوية، ودور الأيديولوجيات في تحويل الرجال العاديين إلى أدواتٍ وأشرار، كما انّها قرأت تاريخ السياسة فلسفياً، ودرست كذلك العنف وعلاقته بالسلطة، حيث رأت أنه لا يمكن للسلطة إلا أن تمارس العنف كأداةٍ تضمن بقاءها، ولكن ظاهرة العنف لا بد بحسب آرندت «أن تعاد إلى جذورها وتدرس بعمق بصفتها رد فعل على الخوف من النهاية، الخوف من الموت والفناء».

وبالرغم من أعمالها العديدة في الفلسفة السياسية، لا ترى حنة آرندت المولودة في ألمانيا عام 1906 نفسها فيلسوفة، رغم أنّه لا مناص لها من ذلك كونها جاءت بعد زمنٍ طويل انقطعت فيه أخبار النساء الفلاسفة.

وقد ألفت كتباً مهمةً عديدة، من أبرزها «أسس التوتاليتارية»، وكتاب «في السياسة»، قبل رحيلها في عام 1975.

سيمون دي بوفوار

يندر وجود اسم امرأة يرتبط بالنسوية والوجودية ونظرة المرأة لعلاقتها بالوجود والحياة والرجل مثل سيمون دي بوفوار المولودة في باريس عام 1910، لذا ارتبط اسمها بالنسوية الحديثة هي المحسوبة على الماركسية في التوجهات والفكر، فقد شاركت في المقاومة الفرنسية ضد الاحتلال الألماني إبان الحرب العالمية الثانية، كما أنّها كانت شريكة حياة المفكر الفرنسي جان بول سارتر.

ركزت كتاباتها على النسوية، والبراغماتية، وألفت عشرات الكتب منها «الجنس الآخر»، و«أخلاقيات الغموض»، وفي أفكارها، ترى بوفوار أنّ الرجال وضعوا هالة كاذبة من الغموض حول المرأة، واستخدموا ذلك ذريعة لتصنع عدم فهم النساء عموماً، وهذه الفكرة، انطبقت على المجتمعات عموماً، بحيث أصبح الصراع

داخل المجتمع، جندرياً أو عنصرياً أو سواهما، في اعتماد هذا التصنيف المدعي لعدم قابلية الفهم للمرأة، مما يسهّل قيام البعض بوضع آخرين في سلمٍ أدنى منهم ضمن تراتبية المجتمع.

كما أنها كانت ترى أن «الوجود يسبق الماهية»، أي أن المرأة لا تولد كامرأة، ولا تتحدد طرق تعاملها مع ذاتها ومع الآخرين، إلا بسبب عوامل كثيرة اجتماعية وغيرها، تقوم على تشكيل صورة المرأة في نهاية الأمر، وقد انتشرت كتاباتها وأفكارها الكثيرة حول العالم في أواخر حياتها التي عاشتها حتى عام 1986.

 

  • ناقدة سوريّة






كاريكاتير

إستطلاعات الرأي