نهاية حقبة ميركل.. ماذا يعني ذلك بالنسبة لأوروبا؟

The end of the Angela Merkel era poses big questions for Europe
2021-09-08

أعدَّ المحرر ديف لولر تقريرًا في موقع «أكسيوس» عن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي ستترك منصبها بعد الانتخابات التي ستجرى في 26 سبتمبر (أيلول) الجاري. ويورد الكاتب وجهات نظر كثير من القادة والباحثين والمسؤولين حول المدة التي قضتها ميركل في السلطة، وما يمكن أن تكون عليه الأوضاع في ألمانيا بعد رحيلها.

ويستهل الكاتب تقريره بالقول: تحتل أنجيلا ميركل مكانة مرموقة في أفق الساحة السياسية الألمانية بعد مرور 16 عامًا على عملها في منصب المستشارة الألمانية، حتى إن كلا المرشحين الرئيسَيْن المتنافسَيْن على خلافتها في المنصب يقدمان نفسيهما على أنهما من ورثتها السياسيين.

كانت ميركل صانعة للقرار السياسي على أرفع طاولة في أوروبا، وكانت أول من يتصل بها رؤساء الولايات المتحدة من بين قادة أوروبا، والمستشارة الوحيدة التي عرفها جيل من الألمان. ولا تزال تحظى بشعبية في الداخل كما تمثل وجهًا للقيادة الأوروبية في الخارج. لكن عندما يذهب الألمان إلى صناديق الاقتراع في 26 سبتمبر، لن تكون ميركل في بطاقة الاقتراع.

يضيف التقرير أن ميركل ستسلِّم مفاتيح قاطرة الاقتصاد الأوروبي واقتصاد واحدة من أكثر دول العالم تقديرًا. ستترك أيضًا أسئلة كبرى بلا إجابة: كيف سيتكيَّف الاقتصاد الألماني القائم على التصدير مع عصر عمالقة التكنولوجيا العالميين والحواجز التجارية المتزايدة؟ وما الأدوار والمسؤوليات التي يجب أن يتحملها الجيش الألماني؟ هل الصين صديق أم عدو؟ ستُطرَح هذه الأسئلة الآن على مَنْ يُنتَخب في 21 سبتمبر.

وينقل الكاتب عن جون كورنبلوم، السفير الأمريكي في ألمانيا سابقًا، بينما كانت ميركل تبرز بوصفها شخصية وطنية وكانت لا تزال تعيش في الريف (على مسافة 80 كم شمال برلين الشرقية)، قوله: «تزامن وقتها في المنصب مع حقبة ترسَّخ فيها دور ألمانيا بعد الحرب الباردة وأصبحت ألمانيا واحدة من أهم الدول في العالم».

يتذكر كورنبلوم إعجابه بذكاء ميركل في اجتماعاتهم المبكرة، لكنه مع ذلك دهش من صعودها السياسي المفاجئ. يقول: «هناك شيء ما في أساليبها، وفي سلوكها، وفي الطريقة التي تتحدث بها مع الناس؛ مما يجعلهم يقبلون تقديم تنازلات لها». هناك أيضًا نزعة قاسية سمحت لها بدفع كثير من الرجال الطموحين جانبًا لكي تصل إلى السلطة – والمقياس السياسي المدروس بعناية الذي سمَح لها بالاحتفاظ بهذه السلطة. غير أنه كما يقول، «ربما يكون أمرًا طيبًا أن تغادر ميركل لأنها تمثل حقبة مختلفة. وكل الحقائق البديهية القديمة لم تعد صالحة. ونحن لا نعرف حقًّا ما الحقائق الجديدة».

تقول كونستانز ستيلزينمولر من معهد بروكينجز، إن أسلوب ميركل في «التدرج الحذر» جعل ألمانيا تجتاز عدة أزمات، لكن هذا الأسلوب يبدو غير ملائم على نحو متزايد للتحديات الحالية. وفيما يتعلق بقضايا مثل تغير المناخ والصين، كانت ميركل متحفظة بشأن تعطيل الوضع الراهن الذي يفيد الاقتصاد الألماني، وخاصة صناعة السيارات.

تقول كونستانز: «كان أسلوب التوازن المحسوب حسابًا دقيقًا لدى (ميركل) ناجحًا للغاية للوساطة في النتائج في المؤتمرات الأوروبية. ومن الواضح أنه ليس أفضل نهج عندما تتعامل مع قوى استبدادية عدوانية، ومن الواضح أنها لم تفكر بما يكفي لإعداد ألمانيا لمستقبل أكثر اضطرابًا». هذه الفكرة ترددها سودها ديفيد ويلب من صندوق مارشال الألماني، فتقول: «واجهت كثيرًا من الأزمات ووفرت لبلدها الاستقرار. ولكن إلى متى يستمر ذلك؟».

كما لا يزال عديد من الألمان ينظرون إلى نهاية عهد ميركل بخوف. إنها لا تزال السياسي الأكثر شعبية في البلاد إلى حد بعيد، ولقبها موتي (Mutti)، بمعنى أمي، يتحدث عن الدور الوطني الذي لعبته لمدة طويلة. وتتنبأ كونستانز قائلة: «إن غياب زعيم يتمتع بالخبرة وسِعة الحيلة والعلاقات الجيدة مثل أنجيلا ميركل، سيظهر واضحًا في أوقات الاضطراب وانعدام الأمن (كما يُفتَقد البدر في الليلة الظلماء)».

موقع كبير يتعين شغله

وقال دبلوماسي أوروبي لموقع أكسيوس «لن يحظَى المستشار الجديد، أيًّا كان، بالمكانة نفسها على الساحة الدولية في البداية، وهذا أمر مؤكد». ومن جانبه، أشاد مسؤول أوروبي كبير آخر، شاهد ميركل وهي تعمل خلال جلسات مفاوضات ماراثونية في بروكسل، بصبرها ودأبها واهتمامها بالتفاصيل، وشعورها الغريزي بالمدى الذي يمكن أن تدفع إليه نظرائها. يتذكر المسؤول أنه حتى الساعة الرابعة صباحًا، كانت ميركل مسيطرة على الحقائق وكل من في الغرفة، حتى لو لم تكن صاحبة الصوت الأعلى دائمًا.

ويذكر أنه عندما كان نظراؤُها يشعرون بالإرهاق أو يتراجعون عن مواقفهم الأكثر تشددًا، كانت المستشارة الألمانية تتحرك للتوصل إلى حلول وسط نهائية. ولا يقتصر الأمر على أن ميركل كانت ماهرة للغاية في التفاوض، بل بدت وكأنها تحب ذلك، كما أخبر المسؤول موقع «أكسيوس». يقول المسؤول، بالنظر إلى الصفقات التي أُبرِمت خلال أزمات الديون والهجرة في أوروبا، مهما كانت لا تتسم بالكمال، «لست متأكدًا من أن أي زعيم آخر كان بإمكانه فعل ذلك».

وذكر التقرير أن اليونانيين لم يسامحوا ميركل أبدًا لإصرارها على التقشف خلال أزمة الديون، وكان هناك إحباط في باريس في بعض الأحيان بسبب نهجها الحذر تجاه التكامل الأوروبي. ومع ذلك، لا يزال متوسط ​​83% من الأشخاص عبر ثماني دول في الاتحاد الأوروبي شملهم استطلاع مركز «بيو» يثقون في أن المستشارة الألمانية «تفعل الصواب فيما يتعلق بالشؤون العالمية».

كما يقول مسؤول فرنسي إن الأمر نفسه ينطبق على القادة السياسيين: «أعتقد أنهم يعرفون كيفية العمل معها. كانت باعثة على الاطمئنان من خلال الطريقة التي عرفنا بها كيفية التوافق معها». ويضيف المسؤول: «العلاقات الدولية تقوم أيضًا على العلاقات الشخصية. وعندما يكون لديك شخصية دائمة كانت في القمم على مدار 16 عامًا، عندما تتغير، يكون هذا بالطبع تغيير كبير، على الرغم من أننا على يقين من أن العلاقات بين ألمانيا وفرنسا بوصفهما دولتين ستظل قوية للغاية».

السباق لشغل موقعها

تدخَّلت ميركل تدخلًا مباشرًا غير عادي في السباق الانتخابي هذا الأسبوع، مدَّعية أنه سيكون هناك «فرق كبير لمستقبل ألمانيا» إذا انتقلت القيادة منها إلى أولاف شولتس، زعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي. يتنافس كل من شولتس وأرمين لاشيت، خليفة ميركل في رئاسة حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، بوصفهما مرشحين للاستمرارية.

شغل شولتس منصب وزير مالية ميركل ونائب المستشار على مدى السنوات الثلاث الماضية، وأمضت ميركل 12 عامًا من 16 عامًا في السلطة في قيادة «تحالفات كبرى» مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي – غالبًا ما استوعبت سياسات حزب يسار الوسط.

في الواقع، قد يرى الناخبون أوجه تشابه أكبر مع ميركل في شولتس التكنوقراطي أكثر من لاشيت المرحة والمعرضة للأخطاء، ولم تحصل والت على أكثر من 10% في استطلاع حديث للمرشحين الأفضل لتولي منصب المستشار لدى الألمان، فيما حصل شولتس على 31%.

هناك عدة تشكيلات ائتلافية محتملة اعتمادًا على أداء الأحزاب الستة الرئيسة، لكن كلا المرشحين الرئيسَيْن لمنصب المستشار هما من الوسط على غرار ميركل. يقول كورنبلوم: «المستشار الجديد سيكون نسخة من ميركل في صورة رجل، ولن يكون هناك أي تغيير حقيقي» في القضايا الجوهرية. بيد أن توافق الآراء يتغير في برلين عندما يتعلق الأمر بالعلاقات مع روسيا وخاصة الصين، وفقًا لما تذكره سودها.

وتقول سودها إنه سيكون من الصعب على المستشار القادم «السير على الخط نفسه الذي سارت ميركل»، فيما يتعلق بالتحدث عن القيم الديمقراطية والسير في ركب الولايات المتحدة، وحماية ماكينة التصدير الألمانية في الوقت نفسه.

أجلَّت ميركل اتخاذ قرار بشأن السماح لشركة «هواوي» بالدخول إلى شبكات الجيل الخامس الألمانية، وساعدت في إبرام صفقة استثمار (مجمدة منذ ذلك الحين) بين الاتحاد الأوروبي والصين في ديسمبر (كانون الأول)، بسبب اعتراضات إدارة بايدن التي كانت وشيكة الوصول إلى السلطة. تقول سودها ديفيد ويلب: «لقد وصل الأمر إلى حد انقسام ألمانيا وأوروبا».

ويشير التقرير إلى نشأة ميركل في ألمانيا الشرقية الشيوعية وتولَّت السلطة بعد 15 عامًا فقط من إعادة التوحيد. وبعد دخولها السياسة الفيدرالية، دأبت على تذكير محاوريها مرارًا أنها ليست «من هنا» – أي من ألمانيا الغربية، أو الغرب بوجه عام. وهي الآن الزعيمة الأطول خدمة في ديمقراطية غربية كبرى.

أقامت ميركل علاقات دافئة مع جورج دبليو بوش، ودخلت في شراكة مع باراك أوباما، ونجَت من دونالد ترامب. وكانت أول زعيم أوروبي يُدعى إلى البيت الأبيض في عهد جو بايدن. يتذكر كورنبلوم أنه كان لدى ميركل وسيلة لضمان عدم تطور أي خلافات مع واشنطن إلى مواجهة. ويقول: «لا أستطيع التفكير في أي وقت كانت تعارض فيه بقوة شيئًا ما معارضة علنية وصريحة». كما أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، هو واحد من المعاصرين القلائل الذين سيستمرون في السلطة بعد رحيلها.

نسقت ميركل حملة العقوبات ضد بوتين بشأن ضم شبه جزيرة القرم وإيواء أليكسي نافالني المريض في العام الماضي، كل ذلك أثناء متابعة خط أنابيب الغاز «نورد ستريم 2» المثير للجدل. وطالما فضلت الحوار مع بوتين على محاولات عزله. ويشتهر الاثنان بالتحدث بلغة الآخر.

في الداخل، كانت سياساتها تميل إلى أن تكون حذرة وتختبرها في استطلاعات الرأي، باستثناء قرارها الذي حدد مصير إرثها السياسي وهو فتح حدود ألمانيا أمام اللاجئين السوريين. ويقول أندرياس كلوث من بلومبرج مازحًا، «نادرًا ما تفصح ميركل عما كانت تفكر فيه قبل أن تضطر إلى ذلك، وأحيانًا لا تفصح عنه حتى في ذلك الحين».

يذكر التقرير أن خطاباتها مملة عن عمد، وأساليبها منهجية، والآن أصبحت مألوفة بشكل يبعث على الاطمئنان. رأتها سودها مرتين في محل البقالة. ويعلق الكاتب على ذلك قائلًا: ترك المتسوقون الآخرون أقوى امرأة في العالم وحدها للتسوق بسلام. وهذا ما كانوا يتوقعونه من مستشارتهم.

نهاية الحقبة

يقول المسؤول الفرنسي إن ميركل تدعو كل رئيس وزراء فرنسي جديد إلى المستشارية. ويتذكر المسؤول أنه عندما زار رئيس الوزراء آنذاك إدوارد فيليب المستشارية في عام 2017، أنها «قالت له: (حسنًا، هذا هو رئيسي الرابع، أنت رئيس وزرائي السادس، لقد أتى الجميع إلي بخطة إصلاح طموحة للغاية)».

نصحت ميركل فيليب بالعمل بسرعة على تلك الخطط، بينما كانت شعبيته مرتفعة. يقول المسؤول: «كانت تلك نصيحة من الحرس القديم للحرس الجديد الذي وصل إلى السلطة». إنها نصيحة تنطوي على المفارقة من ميركل، التي لم تنفذ أي إصلاحات اقتصادية كبيرة. وبدلًا من ذلك، اتبعت مسارًا ثابتًا عبر البحار المضطربة.

ويختتم الكاتب تقريره بالقول إنها بعد 16 عامًا، تركت وراءها بلدًا أكثر ازدهارًا وثقة وأوسع نفوذًا. ولكن، كما لاحظت سودها، لم تحاول أبدًا الإجابة عن سؤال بالغ الأهمية: «أي نوع من أوروبا ذلك الذي تريده ألمانيا؟ وما الذي ترغب في التخلي عنه من أجل وجود أوروبا الأكثر قوة على المسرح العالمي؟». قريبًا، سيكون هذا سؤالًا يتعين على شخص آخر أن يجيب عنه.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي