البيض لم يعودوا الأغلبية في أمريكا الآن.. ماذا يعني ذلك مستقبلًا؟

The U.S. is more racially diverse than ever. Will people of color unify politically?
2021-09-06

كتب إيفرين بيريز، أستاذ العلوم السياسية وعلم النفس في جامعة كاليفورنيا، تحليلًا نشرته صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية سلَّط فيه الضوء على التنوع العِرقي غير المسبوق في الولايات المتحدة وانخفاض أعداد أصحاب البشرة البيضاء، معتبرًا ذلك فرصة سانحة للأشخاص الملونين للتحالف سياسيًّا فيما بينهم لتحقيق أهداف كل أقلية مجتمعية على اختلاف أطيافها ومشاربها.

هيمنة الملونين على السياسات الأمريكية

في مستهل تحليله يُشير الكاتب إلى أن مكتب الإحصاء الأمريكي أكَّد في أوائل شهر أغسطس (آب) الأمر الذي تنبأ به كثيرٌ من عامة الشعب الأمريكي قبل مدة طويلة: أصبحت الولايات المتحدة في الوقت الراهن أكثر تنوعًا في الأعراق من أي وقت مضى. ومع ذلك تظل السردية السائدة بشأن هذه النتيجة تُعزى إلى التدهور السكاني لذوي البشرة البيضاء، فضلًا عن وجود مجموعة متنوعة من «الأقليات» العِرقية التي تزداد أعدادها مؤدِّيةً إلى الكساد الديموجرافي. وعلى وجه التحديد، كان الأمريكيون من أصل آسيوي ولاتيني من الأقليات المُمثَّلة جيدًا، وهي مجموعات تضاعف حجم تركيبتها السكانية إلى 25% تقريبًا.

ويتصور بعض المراقبين أن التركيبة السكانية قادرة على تشكيل مصير البلاد السياسي. ومن هذا المنطلق، ونظرًا لأن جميع الأشخاص الملونين يفكرون بالطريقة نفسها على ما يبدو، فمن المؤكد أن تكون وجهات نظرهم السياسية موحدة ومتماسكة وثابتة. وإذا ثبت صحة ذلك فإن تنوع التركيبة السكانية يعني أن الأشخاص الملونين سيصبحون القوة المهيمنة الجديدة في السياسات الأمريكية.

ويدحض الكاتب هذا التصور من خلال دراسة بحثية أجراها مؤخرًا أظهرت أن هذا التصور يستند إلى افتراضات غير واقعية عن الأشخاص الملونين، وأنها مجموعة كبيرة ومتنوعة ليس من الضروري أن يكونوا شركاء سياسيين. ولفهم كيفية احتمالية تأثيرهم على السياسة الأمريكية، ينبغي علينا في المقام الأول إدراك كيف يرى الملونون الحياة المدنية بوجه عام في الولايات المتحدة.

مجموعات متنوعة وتواريخ متباعدة ومحطات مختلفة في الحياة

يُوضِّح الكاتب أن بعض الأشخاص الملونين عانوا في الواقع من عدم المساواة من عدة جوانب عند إجراء موازنة بينهم وبين أصحاب البشرة البيضاء. لكن هذه الاختلافات تتفاوت كما تتفاوت انتماءات الأشخاص الملونين أنفسهم، الذين يختلفون على نحو لافت للنظر في كيفية وصولهم إلى الولايات المتحدة، وفي كيفية تعامل المجتمع الأمريكي معهم وفي الأولويات السياسية لكل منهم.

وعند محاولة إحلال بعض النظام على هذا التباين الشديد في التجارب الحياتية التي عاشها الأشخاص الملونين، توصَّلت ليندا إكس زو وسابنا شيريان، وهما عالمتان بارزتان في علم النفس الاجتماعي، إلى أن معظم الأشخاص الملونين في الولايات المتحدة يعانون من التهميش بصورة أساسية استنادًا إلى بُعدين: مدى تدني أو علو شأنهم، وكيفية النظر إليهم: هل بوصفهم أجانبَ أم أمريكيين.

يُنوه الكاتب إلى أن الرسم أعلاه يُوضِّح أن أصحاب البشرة البيضاء في الولايات المتحدة يُعدَّون المجموعة العِرقية الأمريكية الأعلى شأنًا من الناحية الاجتماعية. كما أنهم لا يزالون يُمثلون المجموعة العِرقية المهيمنة، على الرغم من التراجع الديموغرافي التدريجي. وفي المقابل، وفي الوقت الذي تنتشر فيه صور نمطية عن الأمريكيين من أصل أفريقي ولاتيني على حد سواء بأنهم أقل شأنًا من أصحاب البشرة البيضاء، يُنظر إلى الأمريكيين ذوي البشرة السمراء على أنهم أقلية أمريكية أكثر من الأمريكيين من أصل آسيوي ولاتيني.

وعلى الرغم من أن الأمريكيين من أصل آسيوي ولاتيني يُوصفون بأنهم أجانب، فإن الأمريكيين من أصل آسيوي يُعدُّون أعلى شأنًا من ذوي الأصول اللاتينية وأصحاب البشرة السمراء على حد سواء، كما يتبين في خرافة «الأقلية النموذجية» الفكرة القائلة إن الأمريكيين من أصل آسيوي أكثر ذكاءً وأفضل حالًا من الناحية الاقتصادية، وأقل وقاحة من الفئات الأخرى للأشخاص الملونين.

وبطبيعة الحال، تتعامل هذه الآراء النمطية مع كل مجموعة بوسائل مبالغة في التبسيط وتتسم بالتعميم الشديد، لكنها تساعد جميع الأمريكيين على اكتساب إحساس فظيع، لكنه مفيد، بشأن المكان الملائم للفئات الأمريكية المختلفة ومجموعاتهم بما يتناسب مع المشهد المتغير للعلاقات بين الأعراق والأجناس في الولايات المتحدة.

من التضامن إلى الوحدة السياسية

ويستدرك الكاتب قائلًا: لكن إذا نظرت عن كثب إلى الشكل أعلاه، ربما تلاحظ شيئًا أكثر عمقًا؛ إذ بينما تتباين الاختلافات بين الأشخاص الملونين على طول هذه المحاور، لكنها توضح أيضًا الحالة التي يشترك فيها بعض الأشخاص غير البيض أشكالًا شائعة من التهميش. على سبيل المثال، ربما لا يُنظر إلى الأمريكيين من أصل لاتيني بالقدر نفسه الذي يُنظر به إلى أصحاب البشرة السمراء، لكن تظل كلتا المجموعتين أقل شأنًا وأدنى مرتبة.

وفي المقابل، وعلى الرغم من أن الأمريكيين من أصل آسيوي يُنظر إليهم على أنهم مجموعة أعلى شأنًا من الناحية الاجتماعية والاقتصادية بالموازنة مع الأمريكيين من أصل لاتيني، فإن كلتا المجموعتين تتعرضان للتهميش على حد سواء على اعتبار أنهم أجانب وغير أمريكيين.

ويلفت الكاتب إلى أن هذا الإحساس المشترك بالتهميش يُمكن أن يُؤدي إلى دفع بعض الأمريكيين من أصل آسيوي ولاتيني وغيرهم من المنتمين لمجموعات الأقليات الأخرى إلى التفكير في أنفسهم على أنهم جميعًا أشخاص ملونون، ويزداد لديهم الشعور بضرورة التضامن العِرقي مع غيرهم من غير البيض.

وفي دراسة أجريت حديثًا – بحسب الكاتب – وجدتُ أن زيادة الشعور بضرورة التضامن العِرقي بين الأشخاص الملونين يدفع عديدًا من الأمريكيين من أصل أفريقي، وآسيوي، ولاتيني إلى دعم بعض السياسات التي ربما تعود بالنفع على إحدى هذه المجموعات الصغيرة، حتى لو لم تكن ذات صلة بمجموعاتهم. على سبيل المثال، عندما يفكرون في أنفسهم على أنهم «أشخاص ملونون»، فإنهم على الأرجح سوف يدعمون حركة «حياة السود مهمة» (قضية تتعلق بأصحاب البشرة السمراء)، ويدعمون (قضية ذوي الأصول اللاتينية) مسار حصول المهاجرين غير الشرعيين على الجنسية الأمريكية، ويدعمون (قضية ذوي الأصول الآسيوية) لإصدار مزيد من تأشيرات H1-B للمهاجرين ذوي المهارات العالية (تأشيرة مؤقتة تسمح بالعمل في الولايات المتحدة لفترة محددة من الزمن).

تجارب لتحفيز الشعور بالتضامن بين الأشخاص الملونين

ويُؤكد الكاتب أنه من الممكن تحفيز هذا الشعور بضرورة التضامن مع الأشخاص الملونين من خلال تذكير الأشخاص من ذوي البشرة غير البيضاء بما يشتركون فيه جميعًا. وفي ربيع عام 2021 أجريتُ مع فريقي البحثي تجربتين عبر الإنترنت، إحداهما أُجريت على 641 شخصًا من البالغين الأمريكيين من أصل آسيوي، وأُجريت الأخرى على 624 شخصًا من الأمريكيين من أصل لاتيني، وجرى اختيارهم عبر منصة «ديناتا» عبر الإنترنت، مع الحرص على أن تكون كل مجموعة سكانية متطابقة في نسب الجنس، والتعليم، والعمر.

وقسَّمنا كل مجموعة إلى مجموعتين، وقرأ الأمريكيون من أصل آسيوي ولاتيني في المجموعة المرجعية مقالًا عن الانقراض التدريجي للسلاحف العملاقة. وقرأ البقية عن إحدى المجموعات التي تُعامل على أنها أجنبية وغير أمريكية، كما يحدث مع أفراد أقليتهم المجتمعية. وقرأ الأمريكيون من أصل آسيوي عن ذوي الأصل اللاتيني والعكس صحيح. وبعد ذلك سألنا جميع المشاركين في التجربة هل تختلف المشكلات التي يواجهها الأمريكيون من أصل أفريقي، والأمريكيون من أصل آسيوي، والأمريكيون من أصل لاتيني، اختلافًا شديدًا لدرجة أنهم لا يمكن أن يكونوا شركاء، وهل يدعمون مسار حصول المهاجرين غير الشرعيين على الجنسية، وهل يدعمون إصدار مزيد من تأشيرات H1-B للمهاجرين ذوي المهارات العالية.

وأفاد الكاتب أنهم وجدوا أن الأمريكيين من أصل آسيوي، من بين المجموعة التي قرأت عن السلاحف المعرضة للانقراض، كانوا أقل ميلًا بنسبة 9٪ تقريبًا من ذوي الأصول اللاتينية لدعم مسار الحصول على الجنسية الأمريكية. ولكن عندما ذكَّرناهم بتجاربهم الحياتية المشتركة المتعلقة بالتعامل معهم بوصفهم أجانب، لم نجد أن هذه الفجوة اختفت فحسب، بل أصبحت كلتا المجموعتين أكثر ميلًا لدعم مثل هذه السياسات.

وعلى نحو مماثل عندما قرأ الأمريكيون من أصل لاتيني عن السلاحف المعرضة للانقراض كانوا أقل ميلًا بنسبة 6% من الأمريكيين من أصل آسيوي لدعم سياسات أكثر ترحيبًا بالمهاجرين ذوي المهارات العالية (على سبيل المثال، زيادة عدد تأشيرات H1-B). لكن بعد القراءة عن مجموعة أخرى تتعرض للتهميش من خلال التعامل معهم بوصفهم أجانب، وجدنا أن الفجوة اختفت مرة أخرى، وأصبحت كلتا المجموعتين، سواء من أصل آسيوي، أو لاتيني، أكثر ميلًا لدعم مثل هذه السياسات.

ومع استمرار العمل توصَّلت التجارب المخبرية إلى أن هذه الديناميكية تنتشر بين المجموعات الأخرى غير البيض الأقل مكانة، ومنهم أفراد من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وفي ختام تحليله يُؤكد الكاتب أن الأشخاص الملونين ليسوا شركاء عفويين فيما يتعلق بأهدافهم في الحياة المدنية. ولكن عندما تُذكِّرهم بمدى تشابه تجاربهم الحياتية، فقد يصبحون شركاء ثابتين. ويتطلب توحيد هذه المجموعات المختلفة مزيدًا من التحمل، وحب المعرفة، وتشكيل تحالفات، ولا يعتمد فقط على أفضل النتائج من آخر تعداد سكاني.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي