بينيت يحكم إسرائيل بأيديولوجية نتنياهو نفسها

Netanyahu Is Gone. Netanyahu-ism Still Reigns
2021-09-05

نشرت مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية مقالًا للكاتب الأمريكي ستيفن كوك، المتخصص في دراسات الشرق الأوسط وأفريقيا في مجلس العلاقات الخارجية، استعرض فيه كيف رحل بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق عن الحكم ولم تزل سياساته تحكم إسرائيل وتسيطر عليها حتى في ظل الحكومة الجديدة التي تشكلت لمعارضته والإطاحة به.

كيف قتل نتنياهو شهرته في أمريكا؟

في مستهل مقاله يستدعي الكاتب إلى الأذهان حقبة زمنية تعود إلى النصف الثاني من ثمانينات القرن العشرين عندما كان بنيامين نتنياهو مِلء السمع والبصر في قنوات التلفزيون الأمريكي. وفي ذلك الوقت كان نتنياهو قد شغل منصب مندوب إسرائيل الدائم لدى الأمم المتحدة، لكن اهتمامه بتلك المنظمة العالمية كان أقل من اهتمامه بكسب ود الأمريكيين ومغازلتهم، وهو أمرٌ كان نتنياهو يُجيده بوضوح.

وفي ذلك الوقت كان نتنياهو يُقدم قضية إسرائيل إلى الشعب الأمريكي بطريقة لم يسبقه إليها أحد ولم يُحسِنْها بعده أحد حتى الآن، بحسب الكاتب. وساعده في ذلك إتقانه التحدث باللغة الإنجليزية بطلاقة، والوعي الثقافي الفائق الذي اكتسبه من المدة التي قضاها في منطقة فيلادلفيا، ومن ثم حصوله على شهادة البكالوريوس في الهندسة من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وهو شقيق الجندي الإسرائيلي الوحيد الذي قُتِل أثناء الغارة الإسرائيلية الشهيرة عام 1976 على مطار عنتيبي بأوغندا في عملية تحرير رهائن إسرائيليين، بالإضافة إلى أنه كان «وسيمًا حسن المظهر»، في رأي الكاتب.

ويُوضح الكاتب أن نتنياهو ربما ظل يحافظ على الشعبية التي كان يحظى بها بين مؤيدي إسرائيل، لكنه سيتجاوز حدوده مع مرور الوقت ويُقوض السمعة «الطيبة» التي كان يتمتع بها في واشنطن. وخلال مدة رئاسة جورج بوش الأب للولايات المتحدة ادَّعى نتنياهو، نائب وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك، أن سياسة الإدارة الأمريكية تجاه إسرائيل كانت قائمة على «أساس من التشويه والأكاذيب». ولهذا السبب أصدر وزير الخارجية الأمريكي جيمس بيكر أوامره لموظفيه بأن نتنياهو ممنوع من الدخول إلى مبنى الخارجية الأمريكية. وعندما انتُخب نتنياهو رئيسًا للوزراء في عام 1996 لم يتوقف عن إهانة الرئيس الأمريكي بيل كلينتون والهجوم عليه، سواء كان ذلك على سبيل التفاخر في لقاءاته مع خصوم كلينتون، مشيرًا إلى الرئيس الأمريكي على الملأ باسم «بيل» (ما يُعد خرقًا للبروتوكول)، أو من خلال تقويض اتفاقيات أوسلو.

سؤالان مهمَّان

يؤكد الكاتب على أنه لم يكن ضربًا من المبالغة القول إن نتنياهو والرئيس باراك أوباما كانا لا يختلطان مثل الزيت والماء، لكن خطاب نتنياهو الذي ألقاه أمام جلسة مشتركة للكونجرس الأمريكي وأعرب فيه عن معارضته للاتفاق النووي الإيراني كان كاشفًا بشدة عن فظاظتِه في أذهان عديدٍ من الديمقراطيين. ولم يكن تقارب إسرائيل مع الولايات المتحدة، عندما تحالف نتنياهو تحالفًا وثيقًا مع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، سوى تأكيد منه على ميله إلى الحزب الجمهوري. ونتيجةً لذلك شعرت واشنطن بالارتياح الشديد وتنفست الصعداء، وخاصة الحزب الديمقراطي، عندما فشل نتنياهو في تشكيل حكومة ائتلافية في مايو (آيار) الماضي؛ ما أفسح الطريق أمام نفتالي بينيت ليتولى منصب رئاسة وزراء إسرائيل.

ونوَّه الكاتب إلى أن زيارة بينيت إلى واشنطن في الأسبوع الماضي أثبتت أن المشكلة في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية كانت تتعلق بحامل الرسالة، وليس بالرسالة نفسها. وفيما عدا التصميم (من جانب بينيت) على عدم التعامل مع أي شخص بطريقة خاطئة، يصعب تمييز أي خلافات جوهرية في السياسات بين رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي وسلفه. وهذا يطرح سؤالين يصعب الإجابة عليهما: ألم تزل أيديولوجية نتنياهو موجودة دون أن يكون نتنياهو نفسه موجودًا؟ وهل يمكن لأيديولوجية نتنياهو أن تنجح دون وجود نتنياهو؟ وكانت الإجابة هي «نعم» للسؤال الأول و«وارد جدًّا» للسؤال الثاني.

مسألة ضم أجزاء من الضفة الغربية

ويحافظ بينيت، الذي كان مستشارًا لنتنياهو قبل أن يختلفا معًا في عام 2008، على تقديم رؤية عالمية تُركِّز على أن قوة إسرائيل العسكرية وتطورها الاقتصادي وبراعتها التكنولوجية ستمكنها في المستقبل من أن تكون جزء لا يتجزأ من المنطقة بالشراكة مع دول عربية رائدة مثل مصر، والإمارات العربية المتحدة، والمغرب، والمملكة العربية السعودية، في الوقت المناسب.

ويعني هذا الأمر عمليًّا ترسيخ اتفاقيات إبراهام وتوسيعها، تلك التي سمحت بتطبيع علاقات إسرائيل مع العديد من هذه الدول. وعندما يتعلق الأمر بإيران يعارض بينيت الاتفاق النووي وتصميم إدارة بايدن على التفاوض مع الإيرانيين لإبرام «اتفاقية أقوى وتستمر لوقت طويل». ويعارض بينيت أيضًا إقامة دولة فلسطينية ويريد بناء مستوطنات إسرائيلية في الضفة الغربية. ويُعد رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت من أنصار «السلام الاقتصادي» بوصفه حلًا نهائيًّا للمشكلة الإسرائيلية الفلسطينية. وينبغي أن تكون هذه المواقف اعتيادية ومألوفة لأنها لا تختلف عن سياسات نتنياهو في شيء.

وألمح الكاتب إلى أن بينيت صرَّح أن مسألة ضم أجزاء من الضفة الغربية غير مطروحة للنقاش. وطارت وسائل الإعلام بهذا التصريح وأعْلَت من قيمته، لكنه لا يُعد مختلفًا عن سياسات نتنياهو كما قد يبدو. وكما هو الحال دائمًا، بعض المعرفة تفيد وتساعد. ولم يلجأ رئيس الوزراء السابق للإعلان عن إمكانية ضم أجزاء من الضفة الغربية إلا عندما تعرض لمزيد من المشكلات القانونية واقتضى الأمر مغازلة دعاة الضم الإسرائيليين لتعزيز موقفه الضعيف بين شركائه في الائتلاف والشخصيات الطموحة داخل حزبه.

وفي ذلك الوقت رفض الصحافيون، والمحللون السياسيون الإسرائيليون، كل ما قيل عن ضم أراضي الضفة الغربية بوصفه حيلة سياسية، وأعلنوا أن الضم لن يحدث. ومن غير الواضح بعد هل هم على صواب بشأن حسابات نتنياهو، ولكن كان لديهم تفسيران محتملان في سياق تصريح بينيت: إما أن ذلك لن يحدث مطلقًا على أية حال، وكان بينيت يتحدث عن شيء واضح، أو أن بينيت لن يتحدث عن مسألة الضم، متماشيًا مع الحكومات الإسرائيلية السابقة، ومنها تلك التي كانت بزعامة نتنياهو، حتى مع تقدمه بخطىً سريعة تحت ستار «تكثيف» بناء المستوطنات القائمة (كما تعبِّر عنها الحكومة الإسرائيلية).

العلاقات الأمريكية الإسرائيلية

أبرز الكاتب أنه على الرغم من أن جدول أعمال بينيت هو في الأساس جدول أعمال نتنياهو، والذي يتعارض مع السياسة الأمريكية، فقد أعرب الرئيس الأمريكي جو بايدن عن دعمه الشديد المتحمس لرئيس الحكومة الإسرائيلية الجديد، وأكَّد من جديد على «الشراكة الراسخة» بين الولايات المتحدة وإسرائيل. ولاحظ المحللون أن كلًا من الرئيس الأمريكي ورئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد لا يريدان عودة نتنياهو، لذا فهما مصمِّمان على عدم منحه أية فرصة لمهاجمة خليفته بشأن طريقة تعامله مع حليف إسرائيل الأهم.

ويستدرك الكاتب قائلًا: لكن نتنياهو، بطريقة ما، لم يحقق شيئًا. وهذا الأمر يُثبت إلى أي مدى يبدو أن الأسلوب حل محل الجوهر في العلاقات الثنائية بين إسرائيل والولايات المتحدة. ويعارض بينيت سياسة بايدن المميزة في الشرق الأوسط بقدر ما يعارضها نتنياهو، لكنه مصمم على أن يتعامل معها بمزيد من الطابع الودي، حتى لو بدا واضحًا بشأن مسألة استمرار إسرائيل في حربها السرية ضد إيران. ولا يختلف بينيت كثيرًا عن نتنياهو في الرأي بشأن الفلسطينيين، وهو ما يتنافى مع السياسة الأمريكية المعلنة. ومع ذلك يبدي رئيس الوزراء الإسرائيلي استعدادًا لتقديم عروض للسلطة الفلسطينية.

وبدوره أكدَّ الرئيس الأمريكي بايدن على دعمه للتطبيع بين إسرائيل ودول المنطقة، وأعرب عن ثقته بـ«الموافقة» على طلب إسرائيل بأن تكون جزءًا من برنامج الإعفاء من التأشيرة. وإذا ثبتت صحة التقارير الواردة بشأن طلب بينيت مساعدة عسكرية إضافية، بما في ذلك تخصيص التمويل اللازم لإعادة مخزون صواريخ نظام القبة الحديدية الإسرائيلي وكذلك الطائرات الحربية وغيرها من المعدات، فليس هناك شك في أن البيت الأبيض سيدعم ذلك.

وفي ختام مقاله، يشير الكاتب إلى أن رئيس الحكومة الإسرائيلية غادر واشنطن يوم الأحد بعد أن أنجز ما شرع في إنجازه. وأجرى لقاءً يتسم بالدفء والحميمية مع رئيس الولايات المتحدة، الذي تحدث عن «التزام واشنطن الراسخ بأمن إسرائيل» دون التخلي عن أي شيء أو تغيير سياساته تجاه إيران أو الفلسطينيين أو المنطقة بأكملها. وإذا كان لدى نتنياهو وجهة نظر دقيقة، فسوف يدرك بالتأكيد أهمية ما فعله بينيت أثناء وجوده في واشنطن.

لقد قدَّم رئيس الوزراء الإسرائيلي أجندة نتنياهو نفسها بأسلوب بعيد عن التشنيع أو العجرفة التي طوَّقت العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل على مدى العقد الماضي أو نحو ذلك. وبعبارة أخرى، يبدو أن أيديولوجية نتنياهو يمكنها البقاء والازدهار، حتى لو رحل نتنياهو نفسه عن السلطة.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي