مصطفى العقاد

الأمة برس
2008-07-21

مصطفى العقاد (1935 - 11 نوفمبر 2005) مخرج و منتج و ممثل سينمائي سوري المولد أمريكي الجنسية. ولد في حلب بسوريا ثم غادرها للدراسة إلى الولايات المتحدة الأمريكية في جامعة كاليفورنيا، وأقام فيها حتى أواخر مراحل حياته. قتل في تفجيرات فنادق عمان هو مع ابنته عندما كان في الأردن.

شهرته

اشتهر عالميا لإخراجه فيلمي الرسالة و أسد الصحراء (عمر المختار). الأول يحكي قصة بعث الرسالة النبوية على نبي الاسلام محمد بن عبدالله و الهجرة التي قام بها من مكة إلى المدينة و نشأة أول دولة اسلامية، تم انتاجه عام 1976، مع عمل نسختين واحد بالعربية و واحدة بالانغليزية. الفيلم الثاني يحكي قصة المجاهد الليبي عمر المختار، الذي حارب الاستعمار الإيطالي لليبيا في أوئل القرن العشرين، انتج عام 1981. تم انتاج الفيلمين من قبل ليبيا . كما قام بدور البطولة في كلاهما الممثل أنطوني كوين، إلى جانب ممثلين عالمين و عرب آخرين.

انتاجه الفني

عند اخراجه لفيلم الرسالة، استشار العقاد علماء الدين المسلمين لتفادي اظهار مشاهد أو معالجة مواضيع قد تكون مخالفة لتعاليم الدين الإسلامي. رأى الفيلم كجسر للتواصل بين الشرق و الغرب و خاصة بين العالم الإسلامي و الغرب و لتحسين صورتهم عن الإسلام. ذكر في مقابلة أجريت معه عام 1976: «لقد عملت الفيلم لأنه كان موضوع شخصي بالنسبة لي، شعرت بواجبي كمسلم عاش في الغرب بأن أقوم بذكر الحقيقة عن الإسلام. أنه دين لديه 700 مليون تابع في العالم، هناك فقط القليل المعروف عنه، مما فاجأني. لقد رأيت الحاجة بأن أخبر القصة التي ستصل هذا الجسر، هذه الثغرة إلى الغرب.»

الترتيب الزمني لأفلام العقاد

وفاته

قتل العقاد في 11 نوفمبر 2005 في تفجيرات فنادق عمان بالأردن مع ابنته ضمن ضحايا الانفجار الذي حصل في فندق غراند حياة - عمان. كانا قد حضرا إلى عمان لحضور حفل زفاف أحد الأصدقاء. حصل الانفجار، الناتج عن عملية انتحارية، لحظة وجود العقاد في بهو الفندق واستقباله لإبنته القادمة للتو من السفر، توفت ابنته ريما في الحال، بينما مات هو بعد العملية بيومين متأثرا بجراحه.

كان العقاد يحضر لعمل فيلم سينمائي عن صلاح الدين، يوازي جودة الأعمال السابقة، والذي كان من المفروض تصوير معظم مشاهده في الأردن. قال عن الفيلم: ...صلاح الدين يمثل الاسلام تماما. الآن، الاسلام يصور كدين إرهابي. حصل الدين كله على عذه الصورة بسبب وجود عدة مسلمين ارهابيين. اذا كان هناك دين ممتلئ بالارهاب، فيمكن قول ذلك عن المسيحية أيام الحملات الصليبية. لكننا في الواقع لا يمكننا لوم المسيحية كدين بسبب مغامرات بعض أتباعها آنذاك. هذه هي رسالتي. ،كان من المفترض ان يجسد شخصية صلاح الدين الفنان العالمي شون كونري رغم شيخوخته، قال فيه العقاد انه مكسب للرأي العام العالمي.

"العقاد".. رحل المخرج وبقيت رسالته

 

سعيد أبو معلا**

المخرج مصطفى العقاد

 

يقحم اسم "مصطفى العقاد" الذاكرة بالكثير من التداعيات؛ فهو المخرج السوري الذي أنتج فيلمي "الرسالة"، و"عمر المختار" اللذين يعدان بمثابة معركة حضارية مليئة بأحاسيس الاعتداد بالنفس وأصالتها، جامعا بين الأمانة والموضوعية والجمالية المشهدية في رقة وحميمية، إضافة إلى العمق التاريخي.

فالفيلمان لوحتان سينمائيتان تحملان رؤى عميقة ونافذة، ومعالجة راقية قدم خلالهما صورة مشرقة للحضارة الإسلامية ونضالات الشعوب، وحفر بهما اسمه في عالم الإخراج والإبداع بشكل أقرب إلى الاستثنائية، أوصلته للعالمية بجدارة.

والحالة اليوم معه غدت أكثر إيلاما وفظاعة؛ فحادث مقتله شكل مفارقة مؤلمة وصادمة، فكان بمثابة الفاجعة على الجماهير العربية التي أحبته بما تمتع به من رؤية سينمائية مستمدة من دينه وتراثه؛ فالإرهاب الذي حاربه مدافعًا عن إسلاميتنا وعروبتنا كان هو أحد ضحاياه على يدي جماعة وصف "العقاد" فعلها بأنه "عين الجهل".البدايات

مصطفى العقاد، مخرج سوري الأصل، يحمل الجنسية الأمريكية، من مواليد عام 1936م في مدينة حلب التي نشأ فيها وترعرع، وهي المدينة المحافظة ذات التاريخ العريق الغائص في التراث والأصالة، وعبر حاراتها صقلت شخصيته، ونما فكره، وكوَّن رؤيته التي أصبحت حلما تحقق القليل منه.

وفي حلب ذاتها أصبح مولعا بالسينما بعد أن كان قد اعتاد مشاهدة الأفلام السينمائية عند أحد جيرانه، وعندما وصل سن الثامنة عشرة قرر أن يصبح مخرجا سينمائيا وفي هوليوود تحديدا.

وأمام تصميمه وإصراره على هوليوود تلاشت كلمات عائلته التي كانت تدعوه ليحلم على مقاسه، وتمكن من تحقيق حلمه رغم فقر حالته المادية، ورفض الفكرة اجتماعا من محيط أسرته.

وأمام فقر الحال وغداة حصوله على موافقة مبدئية للدراسة في إحدى الجامعات الأمريكية عمل عاما كاملا ليوفر ثمن تذكرة سفر، عندها سلمه والده مبلغ 200 دولار أمريكي ومصحفا شريفا وودعه متفائلا.

وهذا مشهد يلقي بعض الضوء على شخص العقاد؛ فأمام ضعف الجانب المادي كان يتمتع بروح إيمانية عالية، وربما هذا ما يفسِّر عدم يأسه من تنفيذ أحلامه التي كانت أشبه بالمستحيلة، فكان قدوة بالمثابرة والعمل والتسلح بالإيمان.

وهذا ما جعله متمترسًا خلف حلمه؛ ففي أمريكا وبعد أن درس السينما بقي حاملا هموم بلاده وحاملا لمشروعه الرائد في إنجاز أعمال تاريخية مهمة في تاريخ الشعوب الإسلامية والعربية، فلم تجرفه الشهرة ولا الرغبة في جمع المال عبر الإنتاجات التجارية الضخمة، بل ظل باحثا عن مكان لأحلامه العريضة في هوليوود حتى آخر أيامه.

ومن ذلك انطلق منصهرا في بوتقة عقله وثقافته وقيم الشرق العربي جنبا إلى جنب مع أدوات الإبداع والإنتاج الغربي ليحفر في خبايا الجماهير موغلا في نفوسها، ومجسدا عبر معاني أعماله التي تستعصي على التعبير المباشر الكثير والكثير من العبر والدلالات.ويحسب للعقاد فهمه للعقل الأمريكي؛ فعبر سنواته الـ23 التي قضاها هناك تمكن من فك شفرة هذا المجتمع المعقد، وبذلك أحسن مخاطبته عبر الإعلام الذي كان دائم التركيز عليه؛ فقد رآه السلاح الذي يجب أن يخوض به معركته الحضارية مع الغرب.

ورغم وجود عدد من المخرجين العرب في هوليوود فإن اسمه لمع دون غيره عربيا وغربيا، والسر في هذا العقل المبدع يعود إلى محافظته على تراثه وقوميته ودينه، وهذا ما منحه عمقا خاصا عن غيره؛ ليقدم عبر أعماله على قلتها تعريفا عن الإسلام والحضارة الإسلامية وكفاحها من أجل البقاء أمام الهجمة الاستعمارية.أحلامه.. صلاح الدين

بوستر فيلم الرسالة للعقاد

ظل العقاد منتظرا لسنوات طويلة إنتاج عمل سينمائي مماثل لفيلمي "الرسالة" و"عمر المختار"، وكان "صلاح الدين الأيوبي" هو العمل الذي اختاره ونذر نفسه في سبيل إعداده، ورحل محتفظا بسيناريو ورؤية إخراجية للفيلم دون أن يرى النور لعدم توفر الدعم المطلوب.

ويلحظ أن العقاد كان مصرا على هذا الفيلم بالذات، فكان يحمل فكرته أينما رحل أو حل، فقد رأى أن هذا الوقت بالذات هو التوقيت المناسب له، على اعتبار أن سيرة صلاح الدين هي الإسقاط المعاصر للأحداث التي تجري على الساحة العربية اليوم.

وبما أن الفكرة انبثقت من هذا المنطلق فإنها كالعادة تعرضت لمساومات كثيرة في معظم أقطار الوطن العربي بفعل الإسقاطات المعاصرة التي كانت تحملها؛ ونظرا لتشابه الظرف الموضوعي في العالم العربي فهو ذاته الظرف الذي خرج فيه صلاح الدين، وبذلك كان حاله كبقية أحلامه السابقة واللاحقة التي كانت تصطدم بالحكومات العربية التي تطلب أفلاما تمجدها.

إضافة لحلمه الكبير الذي عاش معه 6 سنوات كان يطمح أن ينتج فيلما عن "صبيحة الأندلسية" وهي المرأة التي حكمت الأندلس، وفيلما آخر يروي قصة ملك من ملوك إنجلترا كان قد أرسل في عام 1213م وفدًا إلى الخليفة في الأندلس يطلب منه أن تكون إنجلترا تحت حماية الخليفة المسلم.

وتلك مفارقة أراد المخرج القدير أن يصنع إسقاطا تاريخيا عبر تعامله معها أمام قلة حيلة أنظمتنا العربية، وانعكاس الحالة كليا في أيامنا هذه.

كان "العقاد" يحمل رؤية مستقبلية أوسع من فكرة إنتاج عمل أو مجموعة أعمال؛ فمن ضمن أحلامه كانت مدينة سينمائية أو مجمع سينمائي للإنتاج بمستوى الإنتاج العالمي، بروح عربية إسلامية بمستويات الرسالة التي تحملها أمته، وكان تصوره عن هذه المدينة أنها مدينة لا تبنى، بل إستوديوهات قابلة للتنقل، فقد كان عازما على نقل التجربة الأمريكية مثل "يونيفيرسل ستوديو" في هوليوود (أي نموذج الإستوديوهات المتحركة).عملان خالدان

عمر المختار

يعتبر فيلما "العقاد" "الرسالة" (1976م)، و"عمر المختار.. أسد الصحراء" (1980م) من أفضل أفلام السيرة الذاتية على مستوى العالم؛ فالأول يعد أضخم وأفضل إنتاج سينمائي يتناول موضوعا دينيا عن الإسلام في تاريخ السينما، والثاني يعد أضخم إنتاج عربي يتناول قضية نضال الشعوب في سبيل تخلصها من الاستعمار ونيره.

وبهما تمكن من توصيل رسالتنا الحضارية بشكل عالمي، حيث وصلت أعماله إلى العالمية مؤكدا للجميع أن إمكانياتها متوفرة، ويمكن حصرها باللغة والتقنية، وبتوفرها بين يديه أتاحت له فرصة لا مثيل لها لمخاطبة الغرب.

ومنذ البداية وبما يحمل من فكر تجاوز المحلية خطط إلى تجاوز المشكلة الكبيرة التي واجهت معظم منتجي الأفلام الدينية السابقين؛ وهي تقديم الفيلم باللغة الأجنبية إضافة للعربية، وليس بطريقة الدبلجة وإنما بطريقة إنتاج الفيلم مرة ثانية بممثلين أجانب.

وما يميز فيلماه الخالدان أنهما ولدا بطريقة قيصرية، ومن خلال مبادرات شخصية، فلم تبادر أي جهة رسمية أو دينية إلى تبني مثل هذين المشروعين، فقد أنجزا بتمويل عربي ليبي وواجها الكثير من العراقيل والمشاكل.

ففيلم "الرسالة" الذي أنتج بعد أن حرص على الحصول على موافقة الأزهر الشريف على سيناريو الفيلم الذي اشترك معه في كتابته الأديبان "توفيق الحكيم"، و"يوسف إدريس"، ومع ذلك ظل الفيلم حتى الآن أسير المحاكم في دول عربية رفضت بثه، في حين قامت وزارة الدفاع الأمريكية بشراء مائة ألف نسخة من "الرسالة" لعرضها على الجنود قبل إرسالهم إلى الحرب في أفغانستان.

وهذا مؤشر بالغ الأهمية على القيمة الفعلية التي يكتسبها الفيلم، فهو عمل يشكل مصدرا ليتعرف الآخر الحضاري على الإسلام، وهنا يعد الفيلم وثيقة حية قادرة على نقل صورة الإسلام وحقيقته الحضارية للعالم، وقد كرس فيه العقاد فعلا عربيا جماعيا عبر الكتابة والتمثيل وحتى التمويل.

ويلحظ أنه كان قد أنجز فيلم "عمر المختار" بعدما بحث عن موضوع يرمز إلى عدم الاستسلام والهزيمة بعد زيارة السادات إلى "الكيان الصهيوني"، وجاء هذا من منطلق عميق آمن به العقاد؛ فالسينما ليست مجرد تعامل مع جماليات يصنعها الضوء، بل هي بمثابة فعل ثوري يحافظ على المجتمع، ويلعب الدور الأكبر من تثبيته على مواقفه ومبادئه وتعزيزها.رؤية سينمائية مختلفة

رغم قلة السنوات التي قضاها العقاد في سوريا والبلدان العربية بالمقارنة مع ما قضى في أمريكا فإنه عمل على توسيع الحركة السينمائية في العالم العربي، عبر تخريجها من حيز المحلية إلى العالمية.

ورغم ظهور العديد من التجارب السينمائية العربية منذ انطلاقتها قبل 75 عاما فإنها لا تزال متخلفة ومتواضعة تقنيا وماديا وفنيا إذا ما أردنا مقارنتها مع آليات الإنتاج السينمائي الغربي أو تلك التي قدمها العقاد في فيلميه وهذا ضاعف تفرده؛ ليبقى نموذجا لم يجارَ رغم حلمه بأن يتكرر نموذجه عبر إنتاج عمل سينمائي إسلامي ضخم كل عام.

وهو كمخرج فذ يمتلك رؤية اختلف عن غيره من المخرجين العالميين في أنه اتبع أسلوبا مستحدثا جديدا في الإخراج تمثل في وقوفه ضد المنطق القائم بالعالم من ظلم وتسلط القوة؛ لتعكس أفلامه انتصاره للشعوب المحتلة ولأصحاب الصورة الذهنية المشوهة عربا ومسلمين.

وعبر مشواره السينمائي الطويل عمل على تكون رؤيته لعالم سينمائي مستقل لذاته، فهو لم يعتبر السينما مفهوما جماليا وحسب، بل كان لها مفهوم ثوري طليعي بأبعاد ودلالات كبيرة، ويعد فيلم "المختار" نموذجا رائعا لهذا البعد.

وانطلاقا من هذا المفهوم الخاص والمتميز والواعي تعلم هو من ذات "عمر المختار"، وأوقف حياته على خدمة ما تعلمه، فقد كان مبصرا للواقع العربي، قارئا لهذا الواقع الذي تبنى أن يقوم بما يساعد على النهوض به متكبدا الكثير من الصعاب.

وفي مجمل عمليه الخالدين قدم للجماهير العربية والعالمية تحفا فنية عالمية؛ فمشاهده كانت مليئة بالدلالات، مكونا عبرها رؤية عامة، ومؤرخا للحظات صعبة وتاريخية في حياة الشعوب، فقد نقل بسرده الضوئي الواقع على مراراته، راسما بسيناريو أعماله شخصيات قوية، بعيدة عن التعقيد والتشبيك، غير متماد في الرمزية التي تعجز المشاهد عن التحليل والفهم العميق.

كما تعد أفلامه نموذجا للتضامن الإسلامي والعربي، فقد جمع بها قدرات فنية وتمثيلية من أنحاء العالم العربي والغربي أيضا؛ فهي متقدمة عن عصرها، وسنكتشف فيها أشياء غابت عنا في المرة الأولى أو كنا نعتقدها من البديهيات.

فعملاه لم يفقدا قيمتهما أبدا، إنما تتجدد قيمتهما بمرور الوقت وتزداد الحاجة إليهما، فما قدمه تجاوز الزمن؛ بتقديمه رؤية غير منتهية، جاعلا من الفن الذي أسس مبادئه مشاركا وعنصرا حيويا في حوار حضاري تشتد الحاجة إليه.

وغداة التعمق في حالته نكتشف أن هذا المخرج الاستعراضي غاص في حياة أمة على خلاف مناظريه، قائما على أعمال موازية بين التاريخ بأحداثه والرواية التاريخية للفن؛ فلم يزوِّر كما لم يحرم المشاهد من المتعة الحقيقة للفن، بل كان مصدر إلهام حضاريا.وهو كشخصية غيورة قام بنقل تراجيديا شعوب إسلامية، نابشا المناخ الهزائمي العربي، محرضا على التعرض له دون استسلام أو تهرب، بل بمواجهة كانت دائمة البحث عن النقاط المضيئة في التاريخ الإسلامي والعربي.

شكرا ووداعا..العقاد كان دائم الحرص على العودة بين فترة وأخرى، وكان يسمي عودته من أمريكا التي قضى فيها حوالي 23 عاما بـ"الحج" الذي يشحن نفسه فيه قوميا ودينيا.

وبرحيله، وهو الممتنع عن اليأس، صاحب العقل التنويري نفقد فرصة فرحتنا بظهور أعمال سينمائية عربية عظيمة على يديه، كما أنه لا يلوح في الأفق فرصة لتكرار إنتاج هذه الأعمال في العالم العربي مرة أخرى لغير سبب، منها القوانين الرقابية المتشددة، وخوف السينمائي العربي الذي يبقى أسيرا لمحددات واهية تقزم دوره.

وبموت العقاد ندرك أن آخر حروف الرسالة التي حملها قد انتهت؛ فالموت، كالعادة، جاء دون استئذان فاعلا فعل السينما؛ فهي انكسار للقلب وغربة للروح.

 

احد حوارات الشهيد

ـ في حلب كنت أضحوكتهم ونصحوني : " احلم على قدك " .... 

ـ وفي أمريكا أدركت أنني كعربي ومسلم لاينقصني شيء ....

ـ للحضارة دورات وربما تعود الكرة إلى ملعبنا ....

ـ ولنا العبرة في قصة ملك انجلترا مع خليفة الأندلس  !! ...

  

في بهو أحد فنادق بيروت الراقية .... كان الحظ حليفي بلقاء المخرج العربي العالمي " مصطفى العقاد " ، الذي قدم من خلال أعماله الإسلامية والعربية صورة مشرقة وصل بها إلى العالمية بجدارة سبق بها غيره وحفر بها اسمه في عالم الإخراج والإبداع ...

وبالرغم من  مشاغله العديدة  الا أنه كان كريماَ مع " عربيات " و خصها بحوار خاص و جرئ ... و تحدث معنا  من قلبه و عقله ...

 

ـ في زاوية هادئة بعيد عن ضجيج رواد الفندق جلسنا ، سألته عن " حلب " و عن أحلامه التي ولدت فيها .... أشعل غليونه و بعد لحظة صمت قصيرة تكلم وقال :

(( حلب هذه المدينة الصغيرة التي أحملها في قلبي دائماَ هي مدينتي ، ولدت و نشأت فيها .... كان لدينا جار يعرض الأفلام السينمائية و كان يأخذني في الصغر لأتابع  كيفية عرض الأفلام و كيفية قص المشاهد الممنوعة و مع مرور الوقت أصبحت مولعاَ بالسينما ، و عندما بلغت الثامنة عشرة من عمري قررت أن أصبح  مخرجاَ سينمائياَ و في هوليوود تحديداَ ويا لها من ردة فعل كانت لأهالي حلب بعد أن بحت لهم بأحلامي فقد أضحيت أضحوكتهم ...

قالوا : " احلم على قدك ، اذهب الى الشام أو مصر لتدرس الإخراج هناك " ... لكني كنت مصمماَ على هوليوود !! )) .

 

ـ يصمت قليلاَ ... وهو يستعيد تلك الذكريات ،  ثم يعاود حديثه قائلاَ :

(( عندما أعود الى الوراء أجد أن ما كنت أفكر فيه آنذاك  كان ضرباً من الجنون

فأولاً ،،  أبي رجل فقير " على قد حاله "  ..

ثانياَ ،، الفكرة كانت مرفوضة اجتماعياَ ..

لكنني قررت و عقدت العزم ... كنت حينها طالباَ في احدى المدارس الأمريكية عندما قدمت طلباَ لجامعة " يو سي ال آي "  شاء الحظ أن أحظى بالقبول ... عندها  قال لي والدي " افعل ما تشاء لكنني غير قادر على اعانتك مادياَ " و مكثت عاماَ كاملاَ أعمل لكي أوفر ثمن بطاقة الطائرة ، و قبل رحيلي أعطاني والدي مصحفاَ و 200 دولار فهذه كانت أقصى قدراته .. ))

 

ـ و عن رحلته قال :

(( الرحلة كانت شاقة ، فلقد ذهبت فقير مادياَ لكنني غني دينياَ و تربوياَ و قومياَ و هذا كان رأسمالي ... و عندما وصلت إلى أمريكا وعرفت المجتمع هناك قدّرت قيمة الأخلاقيات التي ربّاني عليها والدي ، لكنني لا أنكر أني حملت معي بعض مركبات النقص و على مقاعد الدراسة و مع الاختلاط بعدة جنسيات اكتشفت أنه لا ينقصني شئ  كوني مسلم و عربي ... و بعد هذا الاكتشاف حدث انقلاب في تفكيري و مركب النقص تحول الى ثقة ، و من هذه النقطة بدأت أنقل الخبرة إلى وطني و صممت أن أقدم لأمتي خلاصة تعبي و تصميمي و ذلك عن طريق الأفلام السينمائية ، و توجهت الى التاريخ ففي يوم من الأيام  حكمنا الأندلس و علمنا " الهمج " الأروبيوون ! نحن من علّم الفلك و الطب و اكتشف الأبجدية )) ..

 

أشمئز من العرب الذين ينكرون هويتهم في الخارج

 

ـ و يتابع :

(( كان طريقي شاقاَ بمعنى الكلمة فلو لم أكن عربياَ لكان الأمر أسهل بكثير فكون اسمي " مصطفى " هذا وحده يشكل صعوبة كبيرة كان بامكاني أن أغيره لأمارس عملي بسهوله  لكن كيف أغير اسمي الذي أورثني اياه أبي ؟! ، فلقد كنت و لا أزال متشبثاَ به ... و تابعت عملي باصرار و فرضت على الجميع في هوليوود و خارجها احترام اسمي فلقد كنت أحترم نفسي لذلك فرضت على الآخرين احترامي  .... انني أشمئز من بعض العرب الذين يأتون الى أمريكا و يغيرون أسمائهم العربية و يتنكرون للغتهم العربية فقد لتسهيل أعمالهم )) ..

 

ـ قاطعناه بالسؤال : ماذا عن اليهود في هوليوود فمن المعروف أنهم يمسكون زمام الأمور هناك ؟

أجاب :

(( اليهود هم المتحكمون لأنهم يمسكون هوليوود من عصبها و هو " المال " ، و يجيدون السيطرة عليها مالياَ لكن ابداعياَ لا !! ... فسيطرتهم مالية لا ابداعية ... و اليهودي في النهاية يهمه فقط كسب المال  بغض النظر عن الوسيلة ، لكن لديه خطوطه الحمراء والويل  لمن يتخطاها و هي معروفة .. منها عدم التطرق بأي شكل كان لقضية فلسطين و اسرائيل )) ...  

 

اليوم نعيش حاضراَ أشبه بالغيبوبة .. و واقعاَ متشرذم فكرياَ و معنوياَ  مع اننا من رواد الحضارة ...  

 

(( مشكلتنا دائماَ هي عدم اعترافنا بأخطائنا و دائماَ لدينا " الشمَاعة " التي نعلق علينا أخطائنا ... نحن شعوب عانت من الاستعمار و لا نزال نعاني منه ، فنحن مستعمرون من الداخل لأننا ببساطة لسنا من صناع القرار في أوطاننا ... نحن لا نتعب في أي نوع من أنواع التصويت فالقرار مأخوذ عوضاَ عنا ... هذا يعني أننا نخضع لعملية " تقليص " لعقولنا ... و ازاحة عملية التفكير عنها! .... انظري الى الكثافة السكانية في بلادنا  العربية و لا نزال لا نقوى على ردع إسرائيل الضئيلة من ممارسة طغيانها ... فقط الآن بدأت عملية البحث عن سبب لهذا التخاذل بعد ما جرى مؤخرأ ... ربما يحصل تغيير الأن أو لاحقاَ ، فللحضارة دورات و ربما تعود الكرة الى ملعبنا من يدري )) ...

 

ـ الأستاذ " مصطفى العقاد " حيث أننا نعيش في الوقت الحالي أزمة العراق فماهو رأيك في الرئيس المخلوع " صدام حسين " ؟ وهل تربطكم علاقة بالقيادات العربية في مجال عملك ؟

(( ربما تصدمين لو قلت لك أن ثمة علاقة شخصية كانت تربطني بـ " صدام حسين " ولقد رأيت منه خيراَ ، ففي يوم من الأيام أراد أن يتولى  تمويل فيلم " صلاح الدين " لكن ظروف حرب الخليج آلت دون تحقيق هذا المشروع ... وأيضاَ تربطني علاقة شخصية بالرئيس الليبي معمّر القذافي ، فالقذافي عرف حاجة الإعلام و قال لي :" السينما سلاح أقوى من الدبابات " ... و هو من قام بتمويل فيلمي " الرسالة " و " عمر المختار " )) ...

 

ـ و يستأنف حديثه :

(( الشعب العراقي مثقف و عظيم لكنه " تعتّر " أي أُضعف ... و مَن مِن شعوبنا لم  يتعتّر ؟! )) ...

 

التطرف بكافة صورة هو عين الجهل

 

 

ـ يصمت قليلاَ ... و يعيد اشعال غليونه و يستطرد حديثه بلهجة مصحوبة بنبرات الأسف:

(( اليوم توجد موجة تطرف خطيرة  و بدأت تظهر في العراق بشكل فجائي ، فالتطرف هو عين الجهل و لا أقصد التطرف الديني فقط فالتطرف في مفهومه العام هو عامل إضعاف للكائن البشري ... سأروي لك قصة لأصور لكِ جهل الإنسان المتطرف ، شائت الظروف أن أتحدث مع أحد الأشخاص المتطرفين بشأن سيناريو يتعلق بأحد  أفلامي و بينما كنا نتحدث ..

قال لي : " ان ما تفعله حرام في حرام و سيجازيك الله على أفعالك المشينة ، كيف تقدر أن تخلق في الصور روحاً لتحركها ؟! " ...

سألته : " هل الصور التي تصدر في المجلات حرام ؟ " ....

أجاب  قائلاَ : " لا هذا تجميد للظل مسموح به " ..

حاولت عبثاَ أن أوضح له أنني فقط أحرك الصورة في السينما و لا أخلق فيها روحاَ..

و بشئ من العصبية علق قائلاَ : " هذا كفر!! " ...

ولا يدري دون أن يعلم  أعطاني صفة الخلق و هذا من شأن رب العالمين وحده عز و جل .. ألا يدرك هذا الشخص أن الذي اخترع نظرية التصوير كان مسلم و عربي هو " الحسن ابن الهيثم الأندلسي " ..!!! ))

 

ـ روايتك أيضاَ تدل على أنه لدينا نوع من أنواع القمع الفكري والإبداعي ،،

(( بالطبع لدينا قمع فكري ... لذا كنت أرّكز على الإعلام الخارجي و أردت أن أقدم تعريفاَ للحضارة الإسلامية و تقديم صراعاتنا مع الحضارات و بعده انتشار الإسلام ، لكن يظل الأساس هنا في بلداننا العربية لذا سأركز في المرحلة المقبلة على الإعلام الداخلي )) ..

 

ـ و بشكل فجائي يضيف :

(( من منظوري يجب تغيير عدة معتقدات في البلدان العربية )) ..

 

ـ كيف؟!

(( صحيح أننا قوم نائمون و نتحرك دائماَ بعد فوات الآوان و أحيان كثيرة يأتي تحركنا بلا فائدة .... لكن هناك دور هام للإعلام لأنه بإمكانه أن يكون عامل تحريضي ، ففي زمن التكنولوجيا المتطورة كل شئ ممكن و بإمكاننا أن نستغل التقنيات الحديثة لصالحنا القومي )) ...

 

ـ ماذا يستطيع جيلك سيدي من المفكرين و المبدعين العرب أن يقدموا لجيلنا لكي نسير بخطى ثابتة ؟

(( صحيح ،، الآن يجب أن نسلم الرسالة لكم .... انه دوركم و علينا أن نرشدكم الى الدرب الصحيح و ننبهكم على الأخطاء التي ارتكبناها لكي تتفادوها .. يجب أن ندعمكم بالثقة و أهم شئ أن تفخروا بدينكم و أصولكم و دائماَ تسلحوا بالعقل و الكلمة الواعية )) ...

   

ـ هناك مشروع فيلم (( صلاح الدين الأيوبي )) الذي طالما تحدثت عنه و أردت اخراجه أين هو الآن و متى سيرى النور ؟

(( الآن هو التوقيت المناسب لفيلم " صلاح الدين " ، فسيرة صلاح الدين هي الإسقاط المعاصر للأحداث التي تجري على الساحة اليوم ، و في زمنه كانت فلسطين كما هي عليه الآن لكن هو جاء و "  نظّف " ووحد و غزى أخلاقياً .. إنني أريد إخراج صلاح الدين لتثبيت عروبة القدس ... لكنني لا أزال أبحث عن تمويل لهذ المشروع الضخم ، لأن تكلفته باهظة وأنا  مصمم و في التصميم تكمن العزيمة )) ...

 

عملي القادم يروي قصة ملك انجلترا الذي طلب من خليفة الأندلس أن تصبح انجلترا بلد مسلم

 

ـ وهل هناك مشاريع لأفلام أخرى؟

(( نعم ،، هناك فيلم عن " صبيحة الأندلسية " ... المرأة  التي حكمت الأندلس ، وهناك أيضا فيلم آخر يروي قصة ملك من









شخصية العام

كاريكاتير

إستطلاعات الرأي