الواقعية السياسية تقود الغرب إلى القبول بطالبان

2021-08-28

المراهنة على طالبان في مواجهة داعش

الحذر الغربي في التعاطي مع طالبان قد لا يستمر طويلا وقد يتحول إلى اعتراف يجعل من الحركة المتشددة ذات الخبرات القتالية العالية واجهة لمواجهة المتشددين الآخرين مثل داعش مقابل الحصول على المساعدة الغربية التي تسمح لحكمها بالاستقرار.

كابول - يسلط الهجوم الدامي على مطار كابول الضوء على خيار الواقعية السياسية الذي يفرض نفسه على الدول الغربية في أفغانستان، متمثلا في قبول التعامل مع طالبان الذي قد يكون أفضل الفرص المتاحة لمنع تحول البلاد إلى معمل لتفريخ الإرهابيين وتربة خصبة للتشدد.

بعد أسبوعين تقريبا من عودة طالبان إلى السلطة بسرعة مثيرة للدهشة، بدأ المسؤولون في أوروبا يعترفون بأن الواقعية تقتضي الآن ابتلاع كراهيتهم للزعماء الجدد والتعامل معهم كخيار بديل.

وقالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل هذا الأسبوع “بات واضحا أن طالبان هي الحقيقة الواقعة الآن في أفغانستان (…) إنه واقع جديد مرير، لكن علينا التعامل معه”.

وقال مسؤول كبير في الاتحاد الأوروبي إنه لا يكفي لدول مجموعة السبع أن تبالغ في الاهتمام بقيمها الأخلاقية ومثلها السياسية وتتخذ موقفا عدائيا إزاء طالبان، لأسباب من بينها أن ذلك قد يتحول إلى هدية تتيح للصين وروسيا دورا أكبر في مستقبل البلاد.

وأضاف أن باكستان وتركيا نصحتا الدول الغربية مؤخرا بـ”عدم الاندفاع في محاصرة النظام الجديد على نحو أسرع مما يلزم”، والكف عن فرض عقوبات على كابول وإبقاء قنوات مفتوحة للحوار لتجنب سقوط تتشكل أبعاده في انهيار أمني وهجرة تترتب عليها آثار تمتد إلى العالم كله.

تمثل المساعدات أحد شرايين التواصل نظرا للأزمة الإنسانية الطاحنة التي تولدت من رحم الصراعات والجفاف وتفاقمت بفعل جائحة كورونا. ويبلغ عدد النازحين داخليا في أفغانستان 5.5 مليون من السكان البالغ عددهم 40 مليونا.

المساعدات ورقة ضغط

قال الاتحاد الأوروبي هذا الأسبوع إنه سيزيد حجم الدعم الذي يقدمه للأفغان في الداخل أو الهاربين إلى الخارج إلى أكثر من 200 مليون يورو (235 مليون دولار) ارتفاعا من 50 مليون يورو.

وتسير الولايات المتحدة خطوات باتجاه السماح بمواصلة العمل الإنساني، لكنها لم تخفف من ضغوط العقوبات على طالبان التي تصنفها منظمة إرهابية.

ولا تظهر في الأفق أي بادرة تدل على اقتراب واشنطن من وجهة النظر التي أصبحت سائدة في العواصم الأوروبية بأن طالبان هي أقل الخيارات سوءا. لكن الأمر قد لا يطول أكثر، وقد تتحول تلك المساعدات إلى ورقة ضغط تجلب الحركة المتشددة إلى مربع التعاون.

وأعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس الجمعة أن الولايات المتحدة ستظل مانحا “سخيا جدا” للمساعدات الإنسانية للشعب الأفغاني وستسعى لمنع مرور أي من مساعداتها عبر خزائن طالبان.

وقال للصحافيين “يمكننا الحفاظ على التزام إنساني تجاه (…) الشعب الأفغاني بطرق لا يمر بها أي تمويل أو مساعدة عبر خزائن الحكومة الأفغانية المركزية”.

وكان الانسحاب الأميركي السريع من أفغانستان بعد عشرين عاما من محاولتها تحقيق الاستقرار والديمقراطية “دفعة معنوية هائلة للمتطرفين الإسلاميين في كل مكان”، على حد وصف السفير الأميركي السابق لدى أفغانستان ريان كروكر.

الخيار المر

إدارة بايدن ستجد نفسها  في صف واحد مع طالبان لمواجهة داعش ومنع تحويل أفغانستان إلى مخبأ جديد لألد خصوم

تمثل التفجيرات الانتحارية أمام مطار كابول الخميس، والتي أعلن تنظيم الدولة الإسلامية عدو الغرب وخصم طالبان مسؤوليته عنها، دليلا وتذكرة على أن غلاة المتطرفين يمكنهم كسب موطئ قدم لهم حال السماح بتفجر الأوضاع في أفغانستان.

ويعتقد المسؤولون الأميركيون أن فرع تنظيم الدولة الإسلامية المعروف باسم “فرع خراسان” وهو فرع أفغاني للتنظيم معروف بوحشيته، هو من نفذ الهجوم. ويقولون إنه استغل حالة عدم الاستقرار التي أفضت إلى انهيار الحكومة المدعومة من الغرب هذا الشهر لتعزيز موقفه.

ويرى مراقبون أن قرار الانسحاب من أفغانستان لم يترك أمام إدارة بايدن أي فرصة للانتقام من داعش بشكل مباشر، وأن الخيار الأرجح هو رهان واشنطن على حركة طالبان لتتولى مهمة محاربة التنظيم ميدانيا مقابل حصولها على دعم استخباراتي أميركي قوي لإنجاح هذه المهمة.

وأشار المراقبون إلى أن إدارة بايدن، رغم تصريحاتها غير المتحمسة للاعتراف بطالبان، ستجد نفسها في صف واحد مع الحركة لمواجهة تنظيم داعش ومنع تحويل أفغانستان إلى مخبأ جديد لألد خصوم واشنطن التي لم تفلح خلال عشرين عاما من تدخلها في هزْمِ طالبان والقضاء على تنظيم القاعدة، والآن تجد نفسها مجبرة على تحدي داعش خراسان.

 

وقال كروكر لشبكة “سي.إن.إن” إن “القضية ليست سيطرة طالبان على البلاد الآن (…) واقع الأمر أن طالبان لا تسيطر على أفغانستان ولا أحد يسيطر عليها (…) هذه تربة خصبة ملائمة لمثل هذه الأعمال ولمثل هؤلاء الناس كي يعودوا ويفرضوا وجودهم. هذا ما أوصلنا إلى أحداث الحادي عشر من سبتمبر. نفس الأوضاع عادت بنفس تفاعلاتها الآن”.

من جهته قال توماس روتيج، المدير المشارك لشبكة محللي أفغانستان، إن الغرب قد لا يرغب في “التقارب” مع طالبان التي فرضت تفسيرا متشددا للشريعة عندما حكمت البلاد من 1996 إلى 2001، لكن “المواجهة وإلقاء المواعظ” عليهم لن يساعدا المستضعفين والمعرضين للخطر.

وتسير ألمانيا على ما يبدو على وجه الخصوص على هذا النهج.

ويجري مبعوثها السابق إلى أفغانستان ماركوس بوتزل محادثات مع ممثل طالبان في الدوحة لاستمرار تشغيل مطار كابول لصالح عمليات الإجلاء بعد انقضاء مهلة الحادي والثلاثين من أغسطس.

وسيسافر وزير الخارجية الألماني هايكو ماس إلى المنطقة لإجراء محادثات في طاجيكستان وأوزبكستان وباكستان وتركيا وقطر حول “السبل التي يمكن للمجتمع الدولي التعامل من خلالها مع أفغانستان الآن” بحسب رسالة موجهة من وزارته إلى البرلمان.

وجاء في الرسالة “لا مجال للمناورة والالتفاف لتجنب إبرام اتفاقات مع طالبان (…) ليس فقط لتسهيل المغادرة الآمنة لمن يحتاجون إلى الحماية، ولكن أيضا لحماية أهم الإنجازات التي تحققت في العقدين الماضيين”.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي