كيف تحول التدخل العسكري الغربي في الشرق إلى نموذج للفشل الذريع؟

Afghanistan, Iraq, Libya, the Islamic State: western intervention is a catalogue of failure
2021-08-21

يمثل انتصار حركة طالبان هذا الأسبوع في أفغانستان مصدرَ إلهام للمسلَّحين في جميع أنحاء العالم، وذلك بحسب ما يخلص إليه مقال للكاتب بول روجرز، أستاذ فخري لدراسات السلام بجامعة «برادفورد»، نشرته صحيفة «الجارديان» البريطانية.

ويبدأ الكاتب مقاله بالقول إنه على الرغم من أن المزاج العام المناهض للحرب قد تعمَّق في المملكة المتحدة في عام 2002، وكان ذلك مع تحرك الرئيس جورج دبليو بوش لإسقاط النظام الحاكم في العراق، كان هناك بالفعل بعض القلق في أكتوبر (تشرين الأول) 2001 قبل بدء الحرب الأفغانية.

حتى إن إحدى الأوراق البحثية، التي شارك كاتب المقال في تأليفها، تحدثت ضد تلك الحرب، مشيرةً إلى تصعيد حتمي وخطر حرب لا تنتهي أبدًا. ولكن مؤسسة الدفاع البريطانية قدَّمت الدعم للولايات المتحدة في معظم الأحيان.

وكما تكشَّف في حينها، سقطت طالبان في غضون أسابيع وكان بإمكان بوش أن يعلن، في خطابه عن حالة الاتحاد عام 2002، حربًا موسعة ضد «محور الشر»، وكانت بوادر مسرحها الأول في العراق تلوح في الأفق. وحتى بحلول منتصف عام 2002، انتقلت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وغيرهما من أفغانستان، تاركين فراغًا أمنيًّا خطيرًا، ملأته حركة طالبان العائدة عبر عديد من المناطق الريفية، الأمر الذي أدَّى في نهاية المطاف إلى تحريك الأحداث التي بلغت ذروتها في الأيام القليلة الماضية.

التدخل العسكري الغربي.. فشل ذريع

يلفت الكاتب إلى أن الحرب برمتها يُنظر إليها الآن على أنها فشل ذريع، ولكن أهميتها الحقيقية تكمن في أنها كانت مجرد أول حرب من أربع حروب فاشلة. والثانية كانت حرب العراق التي استمرت ثماني سنوات، من عام 2003 إلى عام 2011، والتي انتهت بسحب أوباما للقوات الأمريكية. وكانت العواقب وخيمة، فقد قُتل 288 ألف شخص، معظمهم من المدنيين، وأصيب مئات الآلاف، وشُرِّد الملايين من العراقيين.

وفي عام 2011 أيضًا كانت هناك حرب ثالثة فاشلة؛ العملية الفرنسية البريطانية للمساعدة في الإطاحة بمعمر القذافي في ليبيا. وقد دعمت الولايات المتحدة وإيطاليا هذا الهجوم الجوي الذي دام ستة أشهر وانتهى بمقتل القذافي. وكان من المتوقع حدوث انتقال سريع إلى دولة غنية بالنفط موالية للغرب، والتي ستكون أيضًا سوقًا جاهزة لشركات الأسلحة الغربية. وبدلًا من ذلك، مضى عَقْد من عدم الاستقرار وانعدام الأمن، فضلًا عن تحول ليبيا إلى قناة لنقل الأسلحة إلى الجماعات الجهادية المتعددة في جميع أنحاء منطقة الساحل.

وحتى مع ظهور ذلك، كانت داعش تتطور في العراق وسوريا، الأمر الذي أدَّى إلى اندلاع الحرب الفاشلة الرابعة: الهجوم الجوي 2014-18 على داعش بقيادة الولايات المتحدة، بمشاركة المملكة المتحدة وفرنسا وغيرهما من شركاء حلف شمال الأطلسي (الناتو) المتأهبين.

وألمح الكاتب إلى أن داعش نشأت من الرفات المفترض لتنظيم القاعدة في العراق بعد انسحاب الولايات المتحدة في عام 2011 وانتشرت كالنار في الهشيم لتشكيل «خلافة» تضم ستة ملايين شخص في مختلف أنحاء سوريا والعراق، بل وبدت مستعدة لتهديد بغداد.

محاولة جوفاء

وأوضح الكاتب أن الاستجابة الغربية، مع بعض الدعم الإقليمي، كانت مثالًا كلاسيكيًّا على الاتجاه الجديد نحو الحرب عن بعد. وكان من الواضح أن إستراتيجية «القوات على الأرض» قد فشلت في العراق وأفغانستان، لذلك فقد خاضت الدول الغربية الحرب مستخدمة طائرات هجومية وأسلحة موجَّهة وطائرات مسيَّرة مسلحة، واستخدامًا انتقائيًّا للقوات الخاصة، وفي حالة داعش، الاعتماد الشديد على الأكراد والمليشيات العراقية المدعومة من إيران.

وبحلول نهاية عام 2018، طُهِّرت جميع أراضي خلافة داعش وبدت هذه الحرب على الأقل أنها حققت نجاحًا. ولكن ذلك يبدو الآن محاولةً جوفاء، مع انتشار الصراع وعدم الاستقرار في جميع أنحاء منطقة الساحل وما وراءها، من موريتانيا ومرورًا ببوركينافاسو ومالي والنيجر ونيجيريا وتشاد، وصولًا إلى الصومال وموزمبيق وجمهورية الكونغو الديمقراطية.

وتوجد فروع لداعش/القاعدة في ليبيا ومصر وإندونيسيا وتايلاند والفلبين، ولا يزال هناك ما يصل إلى 10 آلاف من القوات شبه العسكرية في العراق وسوريا، ولدى كلٍّ من داعش والقاعدة روابط مستمرة في أفغانستان.

وفي العام الماضي قدَّر مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية الذي يتخذ من واشنطن مقرًا له أن هناك نحو 230 ألف مسلح من الجماعات شبه العسكرية الإسلامية في ما يقرب من 70 دولة، وهو ما يمثل زيادةً بمقدار أربعة أضعاف عن عام 2001. ومهما حدث في أفغانستان، فإن إقامة إمارة أفغانستان الإسلامية سيشكل دفعةً هائلةً لحركة عالمية.

مصدر إلهام

ونوَّه الكاتب إلى أنه ليس من المؤكد بأي حال من الأحوال أن نظام طالبان الناشئ في أفغانستان سوف يسمح للحركات الإسلامية العابرة للأوطان بالازدهار والتخطيط لشن هجمات في الخارج. وربما كان هذا هو الحال في المدة من 1998 إلى 2001، ولكن طالبان كانت تخوض آنذاك حربًا أهلية بالغة الكلفة ضد أمراء الحرب في التحالف الشمالي، وكانت تعتمد على المساعدة الخارجية من أمثال بن لادن والقاعدة، وكانت في المقابل أكثر استعدادًا للسماح لهم «بالقيام بأنشطة خارجية».

ومن الممكن أن تخرج طالبان من انتصارها أكثر تطورًا من الناحية السياسية، متجنبة تلك الفرصة. وقد تضع في اعتبارها أيضًا شرعيتها الدولية المحتملة. وقبل ثلاثة أسابيع استضافت الصين وفدًا كبيرًا من طالبان لعدة أيام من المحادثات الرفيعة المستوى، وكان لدى كل جانب الكثير مما يمكن أن يربحه.

وفيما يخص طالبان، يُعد فتح الحدود مع الصين في نهاية ممر واخان والأموال الصينية التي يجري استثمارها في التنمية أمور مستحسنة للغاية، شأنها في ذلك شأن الاعتراف السياسي الضمني من جانب الصين بحركة طالبان. وسوف تتمكن الصين بدورها من الاستفادة من الموارد المعدنية الهائلة في أفغانستان، وسوف تكتسب طرقًا تجارية جديدة، وقد تطلب الصين كذلك من طالبان كبح جماح مجموعات الإيجور شبه العسكرية الموجودة حاليًا في صفوفها.

لا تُشكِّل أيديولوجية داعش/القاعدة جزءًا كبيرًا من رأي المسلمين في جميع أنحاء العالم، ولكن بقاء تلك الأيديولوجية ونموها المحتمل سينظر إليه المجمع العسكري الصناعي الغربي بسهولة على أنه تهديد، مع كون العمليات العسكرية هي الرد الأساسي على ذلك. ويظهر هذا بالفعل في العمليات الأمريكية والفرنسية والبريطانية في منطقة الساحل التي تستخدم الطائرات المسيَّرة المسلحة والقوات الخاصة في طليعة العمليات.

ويختم الكاتب مقاله بالتأكيد على أنه مهما يكن من أثر طويل الأمد، يمكن الجزم بأمرين مؤكدين بشأن نجاح طالبان؛ أحدهما هو أن حقوق الإنسان ستتراجع تراجعًا مؤسفًا في أفغانستان. والآخر هو أنه في مختلف أنحاء الشرق الأوسط وأجزاء كبيرة من أفريقيا وآسيا، أينما كان هناك غضب واستياء من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وغيرها من النخب الغربية، فإن انتصار طالبان هذا الأسبوع الذي توَّج عقدين من التدخلات الفاشلة سوف ينظر إليه المتشددون بوصفه علامة فارقة وأحيانًا مصدر إلهام لمستقبل مختلف.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي