كابوس أمريكي جديد.. كيف تشابهت حربا فيتنام وأفغانستان؟

Vietnam and Afghanistan: A tale of two wars and the lessons learnt
2021-08-18

عبدالرحمن النجار

قال سريدار كريشناسوامي في مقال على موقع «ذا فيديرال»: إن الرئيس جوزيف بايدن أكد أن جميع القوات المتبقية في أفغانستان ستعود إلى الوطن بحلول الذكرى السنوية العشرين لهجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 الإرهابية على البرجين التوأمين في نيويورك، مما يضع حدًا لأطول حرب خارجية شاركت فيها الولايات المتحدة، ثم تأتي حرب فيتنام في المرتبة الثانية مع استمرارها 18 عامًا وتسعة أشهر.

كانت التكاليف البشرية والمالية للمغامرتين «الكارثيتين» هائلة: إذ قُتل ما يقرب من 59 ألف جندي أمريكي في فيتنام. وفي أفغانستان قُتل ما يقرب من 2500 جندي، وجُرح حوالي 20 ألفًا آخرون. من حيث القيمة بالدولار الأمريكي في عام 2019، كلفت الحربان دافعي الضرائب الأمريكيين أكثر من تريليون دولار لكل منهما؛ مع بعض التقديرات المستقلة التي تحدد الرقم الخاص بمغامرة أفغانستان وحدها بالقرب من تريليوني دولار.

أضاف كريشناسوامي أن عدد القوات الأمريكية في ذروة حرب فيتنام عام 1968 بلغ حوالي نصف مليون جندي في البلد الواقع جنوبي شرق آسيا. وفي ذروة الحرب الأفغانية بين عامي 2010 و2012، كان هناك 100 ألف جندي مع إنفاق واشنطن ما يقدر بنحو 100 مليار دولار أمريكي سنويًا. لا يمكن رؤية حربي فيتنام وأفغانستان بالأرقام الرسمية فقط، وهذا أيضًا من منظور أمريكي. ففي فترة ما بالثمانينات والتسعينات عندما كانت واشنطن تركز على معرفة مصير 2400 جندي مفقود في الحرب، كانت القيادة الفيتنامية تنظر بألم إلى مئات الآلاف من مدنييها الذين لم يجرِ حسابهم في الحرب؛ فقد استمرت الأعمال العدائية وحدها لمدة عقد تقريبًا بين عامي 1964-1965.

في أفغانستان يُقال إنه منذ عام 2014 فقد حوالي 45 ألفًا من قوات الأمن المحلية حياتهم، مع رقم آخر يقدر عدد الضحايا بين 30 و40 كل يوم. وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أنه منذ عام 2009 لقي حوالي 100 ألف مدني أو أكثر مصرعهم. يجب النظر إلى الخسارة الأمريكية في أفغانستان – البشرية والنقدية – في سياق ما فعله الحلفاء مثل الناتو من خلال تقاسم العبء. وأيضًا كم أنفقت واشنطن على بلد مثل باكستان جرى استخدامه كقناة للإمدادات.

ذكريات كابوس فيتنام تطل برأسها

هناك الكثير من أوجه الشبه بين فيتنام وأفغانستان. ومع ذلك – يستدرك كريشناسوامي – فإن الاختلافات أكثر وضوحًا – شهدت الحرب في فيتنام خمسة رؤساء: هاري ترومان، ودوايت أيشنهاور، وجون إف كينيدي، وليندون جونسون، وريتشارد نيكسون، في حين شهد الصراع في أفغانستان أربعة رؤساء: فترتان لكل من جورج دبليو بوش وباراك أوباما؛ أما دونالد ترامب، والآن بايدن، فيبدو أنهما بصدد وضع حد كامل للفوضى. لكن بايدن والمشرعين والبنتاجون يعرفون جيدًا أن الكلمة الأخيرة بشأن الانسحاب الكامل لا يمكن قولها بشكل نهائي؛ نظرًا لأنه ما تزال هناك خمسة أشهر حتى مغادرة آخر جندي أمريكي على الأرض.

راح ترامب يصرخ مؤكدًا على إعادة الأولاد إلى الوطن من جميع الحروب الخارجية؛ تمامًا كما أراد الرئيس أوباما إغلاق سجن خليج جوانتانامو الذي كان يؤوي «إرهابيين» منذ 11 سبتمبر في بداية رئاسته. ومع ذلك جرى إغلاق هذا المرفق مؤخرًا فقط، أو هكذا يقولون. إن النوايا والوقائع على الأرض لا تتوافق في أحيان كثيرة.

لطالما هاجم المحافظون في الولايات المتحدة الرئيس هاري ترومان (1945-1953)؛ لأنه «خسر» الحرب في كوريا من خلال اعتماده بلا داع على الأمم المتحدة كطريقة لإيجاد مخرج من المأزق. ومنذ ذلك الحين – يؤكد كريشناسوامي – سرعان ما أصبحت فكرة «الخسارة» جزءًا لا يتجزأ من السياسة الداخلية الأمريكية. أظهرت أوراق البنتاجون – حوالي 7 آلاف صفحة وتحليل في 47 مجلدًا مختومًا بـ«سري للغاية» – دليلًا وافرًا على أن الرؤساء كذبوا على الناس لسبب بسيط هو أنهم لا يريدون أن يذكرهم التاريخ على أنهم الشخص الذي «خسر» فيتنام.

وعلى الرغم من كل مخاوفه بشأن الحادث الذي وقع في خليج تونكين عندما تعرضت المدمرتان «يو إس إس مادوكس» و«يو إس إس تيرنر جوي» لهجوم من قبل زوارق دورية فيتنامية شمالية، حصل الرئيس ليندون جونسون على تفويض مطلق من الكونجرس لشن حرب شاملة عبر خليج تونكين. كل ذلك مع التأكيد على أنه إذا سقطت فيتنام الجنوبية في أيدي الشيوعيين، ستتبعها منطقة آسيا والمحيط الهادئ.

كانت مشكلة القيادة السياسية في واشنطن العاصمة هي أنهم لم يفهموا أو يقدروا تمامًا حقيقة هو تشي مينه – يضيف كريشناسوامي – بأنه كان في البداية قوميًا أراد إعادة توحيد بلاده، وبعد ذلك فقط يمكن النظر إليه كشيوعي. أدى عدم وضوح التمييز بين القومية والشيوعية إلى دفع هو تشي مينه إلى التقارب مع الاتحاد السوفيتي والصين. وكانت حرب نيكسون السرية في كمبوديا والتفجيرات الهائلة في مسار هو تشي مينه تحت تأثير فكرة مضللة مفادها أنه يمكن إخضاع الفيتناميين وإجبارهم على الدخول في محادثات سلام.

في خضم كل الجدل في الولايات المتحدة حول «خسارة» كوريا أو فيتنام، فاتنا جانب واحد مهم: متى «سيطرت» الولايات المتحدة على كوريا أو فيتنام كي تخسرهما؟ يتساءل كريشناسوامي. عندما تعرض الفرنسيون للإذلال في معركة ديان بيان فو عام 1954، حزموا حقائبهم؛ وبدا أن الرئيس شارل ديجول قد أخبر القيادة بواشنطن في أكثر من مناسبة أنه لا يمكن السيطرة على فيتنام الشمالية.

الفرنسيون أدركوا الحقيقة مبكرًا

يتذكر الجنرال ديجول في مذكراته أنه قال للرئيس كينيدي: «ستكتشف أن التدخل في هذه المنطقة سيكون بمثابة فخ لا مخرج منه. فبمجرد أن تنهض أمة لا يمكن لأية قوة أجنبية، مهما كانت قوية، أن تفرض إرادتها عليها». لكن كل النصائح الحكيمة لم تلق آذانًا صاغية. في الواقع قال الرئيس جونسون بقدر من الغطرسة لوسائل الإعلام بعد الضربات الجوية الأمريكية الأولى ضد فيتنام الشمالية في 5 أغسطس (آب) 1964: «لم أقم فقط بضرب هوشي منه، لقد قطعت أنفه».

هناك فرق شاسع بين فيتنام وأفغانستان. لم تكن الأيديولوجيا الهدف الأساسي عندما وطأت أقدام الجنود الأمريكيين أفغانستان بحثًا عن أسامة بن لادن والقاعدة، والأهم من ذلك طالبان التي تؤويهم. في نهاية المطاف قتل عدو غير مرئي 3 آلاف أمريكي في ضربة واحدة في الحادي عشر من سبتمبر، وهو أمر يختلف تمامًا عن حرب فيتنام. كانت أفغانستان من نواحٍ عديدة بداية الحرب على الإرهاب التي قادت إدارة بوش إلى بدء مغامرة خاطئة في العراق، وهو الثمن الذي ما زالت واشنطن تدفعه.

في الواقع يسأل الكثيرون إدارة بايدن عما إذا كان بإمكان الجنود الأمريكيين فقط حزم حقائبهم والعودة إلى الوطن، تاركين وراءهم آلاف الأفغان الذين أصبحوا مرتبطين بطريقة أو بأخرى بالحرب وإعادة الإعمار بعد ذلك. إن ذكريات تحليق طائرات الهليكوبتر من أعلى سطح البعثة الأمريكية في سايجون عام 1975 مع محاولات الناس التشبث بها ما زالت حية تمامًا حين كان الجنود الفيتناميون الشماليون يطرقون أبواب مدينة تعيش في هلع.

هل لدى إدارة بايدن الاستعداد لمنح اللجوء للأفغان مثلما فعلت إدارتا نيكسون وفورد مع شعب فيتنام الجنوبية؟ سوف تطفو كل هذه الأسئلة قريبًا، خاصة في وقت يتخبط فيه الديمقراطيون والجمهوريون للحصول على إجابات بشأن أزمة الهجرة.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي