بُنِي على مدار 20 عامًا.. كيف انهار الجيش الأفغاني بهذه السرعة؟

The Afghan Military Was Built Over 20 Years. How Did It Collapse So Quickly?
2021-08-17

كتب توماس جيبونز نيف وفهيم عابد وشريف حسن، وهم من مراسلي صحيفة «نيويورك تايمز» في مكتب العاصمة الأفغانية كابول، تحليلًا بشأن الهزائم السريعة التي مُنيت بها قوات الأمن الأفغانية أمام مقاتلي حركة طالبان ومحاولة تفسير كيف أن قوات الأمن الأفغانية التي بُنيت على مدار 20 عامًا وأنفقت عليها الولايات المتحدة نحو 83 مليار دولار قد اختفت قبل انسحاب واشنطن من البلاد.

ويقول الكتَّاب في بداية تحليلهم: يبدو أن عمليات الاستسلام تحدث بالقدر نفسه من السرعة التي تتحرك بها طالبان وتنتقل من مكان لآخر. وفي الأيام القليلة الماضية، انهارت قوات الأمن الأفغانية في أكثر من 15 مدينة تحت ضغط زحف طالبان الذي بدأ في مايو (أيار). وأكد مسؤولون يوم الجمعة أن من بين هذه المدن اثنتين من أهم عواصم الأقاليم في البلاد: قندهار وهرات.

وأسفر الهجوم السريع عن استسلام جماعي من جانب قوات الأمن الأفغانية، واستيلاء طالبان على طائرات هليكوبتر ومعدات عسكرية تساوي ملايين الدولارات كانت الولايات المتحدة قد قدمتها للقوات الأفغانية وعرضتها حركة طالبان على مقاطع فيديو بهواتف خلوية طُمِست فيها الوجوه. وفي بعض المدن، اندلع قتال عنيف لأسابيع في ضواحيها، لكن طالبان باغتت الخطوط الدفاعية في نهاية المطاف، ثم دخلت هذه المدن تواجهها مقاومة قليلة أو دون مقاومة على الإطلاق.

83 مليار دولار من الأسلحة والمعدات والتدريب

يأتي هذا الانهيار إلى الداخل على الرغم من ضخ الولايات المتحدة أكثر من 83 مليار دولار لتوفير الأسلحة والمعدات والتدريب لقوات الأمن في البلاد على مدى عقدين من الزمن.

ويوضح الكتَّاب أن بناء جهاز الأمن الأفغاني كان أحد الأجزاء الرئيسة في إستراتيجية إدارة أوباما في ثنايا سعيها لإيجاد طريقة لتسليم الأمن ومغادرة البلاد الأفغانية منذ ما يقرب من عقد من الزمان. وأنتجت هذه الجهود جيشًا على غرار الجيش الأمريكي، مؤسسة أفغانية كان من المفترض أن تصمد في حقبة ما بعد الحرب الأمريكية.

لكن من المرجح أن هذه المؤسسة ستختفي من الوجود قبل أن انسحاب الولايات المتحدة.

وفي حين أن مستقبل أفغانستان يخيم عليه صور انعدام اليقين أكثر فأكثر، هناك شيء واحد أصبح واضحًا للغاية: لقد فشلت محاولة الولايات المتحدة التي استمرت 20 عامًا لإعادة بناء جيش أفغانستان وتحويله إلى قوة قتالية قوية ومستقلة، وهذا الفشل يحدث الآن في الوقت الحقيقي، فيما تنزلق أقدام البلاد لتقع في براثن طالبان.

وأصبحت كيفية تفكك الجيش الأفغاني واضحة لأول مرة، ليس الأسبوع الماضي فحسب، ولكن قبل أشهر تراكمت فيها الخسائر التي بدأت حتى قبل إعلان الرئيس بايدن أن الولايات المتحدة ستنسحب بحلول 11 سبتمبر (أيلول) من أفغانستان. وبدأ الأمر بمواقع أمامية فردية في المناطق الريفية؛ حيث أحاط مقاتلو طالبان بالجنود ووحدات الشرطة الجائعين الذين نفذت ذخائرهم، ووعدوهم بالمرور الآمن إذا استسلموا وتركوا معداتهم ورائهم، مما منح المتمردين ببطء المزيد والمزيد من السيطرة على الطرق، ثم على مناطق بأكملها.

ومع انهيار المواقف، كانت الشكوى هي نفسها دائمًا تقريبًا: لم يكن هناك دعم جوي أو نفدت الإمدادات والغذاء.

أعداد قوات الأمن في الواقع غيرها في السجلات

لكن حتى قبل ذلك، كانت نقاط الضعف المنهجية لقوات الأمن الأفغانية واضحة؛ إذ يبلغ عدد هذه القوات على الورق حوالي 300 ألف شخص، ولكن في الأيام الأخيرة بلغ مجموعها حوالي سدس هذا العدد فقط، وفقًا لمسؤولين أمريكيين. ويمكن إرجاع أوجه القصور هذه إلى عديد من القضايا التي نشأت من إصرار الغرب على بناء جيش حديث بالكامل مع كل التعقيدات اللوجستية والإمدادات التي يتطلبها مثل ذلك الجيش، والتي ثبت أنها غير مستدامة دون وجود الولايات المتحدة وحلفائها في الناتو.

ويمضي الكتَّاب إلى أن الجنود ورجال الشرطة أعربوا عن استيائهم المتزايد من القيادة الأفغانية. وغالبًا ما كان المسؤولون يغضون الطرف عما كان يحدث، مدركين تمامًا أن عدد القوى العاملة الحقيقية للقوات الأفغانية كان أقل بكثير مما كان مُثبتًا في السجلات، والذي جرى تحريفه بالفساد والسرية التي تقبلوها بهدوء.

وعندما بدأت طالبان في بناء الزخم بعد إعلان الولايات المتحدة الانسحاب، لم يؤدِ ذلك إلا إلى زيادة الاعتقاد بأن القتال في صفوف قوات الأمن – أي القتال من أجل حكومة الرئيس أشرف غني – لا يستحق الموت من أجله. وفي مقابلة بعد أخرى، وصف الجنود وضباط الشرطة لحظات من اليأس ومشاعر الهجر والتخلي.

البطاطس لا تكفي لصمود القوات في الخطوط الأمامية!

ولفت التحليل إلى أنه على أحد خطوط المواجهة في مدينة قندهار جنوب أفغانستان الأسبوع الماضي، يبدو أن عجز قوات الأمن الأفغانية الواضح عن صد هجوم طالبان المدمر يعود إلى البطاطس.

وبعد أسابيع من القتال، كان من المفترض أن يمر صندوق كرتوني مليء بالبطاطس اللزجة بوصفها حصصًا يومية من الغذاء المقدَّم إلى وحدة الشرطة. ولم يتلقوا أي شيء سوى البطاطس بأشكال مختلفة على مدار عدة أيام، وكان الجوع والتعب سببًا في إنهاكِهم.

وصرخ ضابط شرطة، مستاءً من نقص الدعم الذي يتلقونه في ثاني أكبر مدينة في البلاد، قائلًا: «هذه البطاطس المقلية لن تصمد في هذه الخطوط الأمامية».

وبحلول يوم الخميس، انهار هذا الخط الأمامي، وكانت قندهار تحت سيطرة طالبان بحلول صباح الجمعة.

وبعد ذلك توحَّدت القوات الأفغانية للدفاع عن 34 عاصمة إقليمية في أفغانستان في الأسابيع الأخيرة، حيث تحولت حركة طالبان من مهاجمة المناطق الريفية إلى استهداف المدن. ولكن ثبت عدم جدوى هذه الإستراتيجية، حيث اجتاح متمردو طالبان مدينة تلو الأخرى، واستولوا على حوالي نصف عواصم أفغانستان الإقليمية في غضون أسبوع، وطوَّقوا كابول بالكامل.

يقول عبد الحي، البالغ من العمر 45 عامًا، وهو قائد الشرطة الذي كان يسيطر على الخط الأمامي لشمال قندهار الأسبوع الماضي: «إنهم يحاولون القضاء علينا فحسب».

لقد شهدت صفوف قوات الأمن الأفغانية أكثر من 60 ألف حالة وفاة منذ عام 2001. لكن عبد الحي لم يكن يتحدث عن طالبان، بل يتحدث عن حكومته، التي كان يعتقد أنها تفتقر للكفاءة لدرجة أنها يجب أن تكون جزءًا من خطة أوسع للتنازل عن الأراضي لطالبان.

سقوط مقر الفيلق 217 في أيدي طالبان

يضيف التحليل: بدا أن أشهر الهزائم بلغت ذروتها يوم الأربعاء، عندما سقط المقر الكامل لفيلق 217 بالجيش الأفغاني في يد طالبان في مطار مدينة قندوز بشمال البلاد. واستولى المتمردون على طائرة هليكوبتر حربية لا تعمل. وانتشرت على الإنترنت صور طائرة مسيرة أمريكية استولت عليها حركة طالبان مع صور لصفوف من العربات المدرعة.

وردد البريجادير جنرال عباس توكولي، قائد الفيلق 217 في الجيش الأفغاني الذي كان في إقليم مجاور عندما سقطت قاعدته، مشاعر عبد الحي بوصفها أسبابًا لهزِيمة قواته في ساحة المعركة.

وقال الجنرال تواكولي، بعد ساعات فقط من نشر طالبان مقاطع فيديو لمقاتليها وهم ينهبون قاعدة الجنرال المترامية الأطراف: «لسوء الحظ، سواء عن قصد أو دون قصد، قام عدد من أعضاء البرلمان والسياسيين بتأجيج الشعلة التي أطلقها العدو».

الحرب النفسية

لقد برزت تلك الحرب النفسية على مستويات مختلفة. يقول الطيارون الأفغان إن قيادتهم تهتم اهتمامًا أكبر بحالة الطائرات أكثر من اهتمامها بالأشخاص الذين يقودونها: رجال وامرأة واحدة على الأقل أُنهِكوا من مهام لا حصر لها لإخلاء المواقع الأمامية – غالبًا تحت وابل النيران – كل ذلك بينما تشن طالبان حملة اغتيال وحشية ضدهم.

وما تبقى من قوات الكوماندوز النخبة، الذين اعتادوا السيطرة على الأرض التي لا تزال تحت سيطرة الحكومة، يجرى نقلهم من إقليم إلى آخر، دون هدف واضح ولم تذق أعينهم إلا قليلًا من النوم.

كما جرى تقريبًا اجتياح كل المليشيات المتحالفة عِرقيًّا والتي برزت في صورة قوات قادرة على تعزيز الخطوط الحكومية. والمدينة الثانية التي سقطت هذا الأسبوع كانت شبرغان في شمال أفغانستان، وهي عاصمة كان من المفترض أن تدافع عنها قوة هائلة تحت قيادة المارشال عبد الرشيد دوستم، وهو أمير حرب سيئ السمعة ونائب رئيس أفغاني سابق، والذي نجا خلال الأربعين عامًا الماضية من الحروب عن طريق إبرام الصفقات وتبديل الولاءات.

ويوم الجمعة، استسلم أمير حرب أفغاني بارز آخر وحاكم سابق، هو محمد إسماعيل خان للمتمردين، والذي قاوم هجمات طالبان في غرب أفغانستان لأسابيع وحشد كثيرين لقضيته لصد هجوم المتمردين.

وقال عبد الحليم، البالغ من العمر 38 عامًا، وهو ضابط شرطة على الخط الأمامي لقندهار في وقت سابق من هذا الشهر، إننا: «غارقون في الفساد». وكانت وحدة العمليات الخاصة التابعة له بنصف قوتها – 15 من أصل 30 شخصًا – وكان عديد من رفاقه الذين بقوا على الجبهة هناك لأن قراهم جرى الاستيلاء عليها.

نقص الذخيرة والأسلحة

وقال عبد الحليم: «كيف يفترض بنا أن نهزم طالبان بهذا القدر من الذخيرة»؟ لقد تعطل المدفع الرشاش الثقيل، الذي لم تكن وحدته تملك سوى القليل من ذخيرته، في وقت لاحق من تلك الليلة. وحتى يوم الخميس، لم يتضح هل السيد حليم لا يزال على قيد الحياة أم لا، وهل بقى من رفاقه أحد على قيد الحياة أيضًا أم لا.

ومع قيام طالبان بعملية اجتياح متواصلة تقريبًا للبلاد، أصبحت قوتهم موضع تساؤل. والتقديرات الرسمية ظلت لمدة طويلة تشير إلى أن عدد مقاتلي طالبان يتراوح من 50 إلى 100 ألف مقاتل. والآن يُعد هذا العدد أكثر غموضًا مع انسحاب القوات الدولية وقدراتها الاستخباراتية.

يقول بعض المسؤولين الأمريكيين إن أعداد طالبان تضخمت بسبب تدفق المقاتلين الأجانب، وحملة التجنيد الشرسة في الأراضي التي جرى الاستيلاء عليها. ويقول خبراء آخرون إن طالبان أخذت الجزء الأكبر من قوتها من باكستان.

ومع ذلك لا تزال هناك قوات تقاتل، حتى في ظل ما يمكن أن يُعد استسلامًا كاملًا من جانب الحكومة الأفغانية وقواتها. وفي كثير من الأحيان، وكما هو الحال في أي صراع منذ بداية الزمان، يقاتل الجنود والشرطة من أجل بعضهم البعض، ومن أجل القادة ذوي الرُّتب الدنيا الذين يحرضونهم على القتال على الرغم من الجحيم الذي ينتظرهم.

طالبان تشتري قوات الأمن

وفي مايو (أيار)، عندما كانت طالبان تخترق ضواحي مدينة لاشكرجاه الواقعة في الجنوب، كانت مجموعة من خليط غير متجانس من جنود قوات الحدود تقف على الخط الأمامي. واستسلم ضباط الشرطة الذين من المفترض أن يدافعوا عن المنطقة أو تراجعوا، أو تلقوا بعض رشاوي من طالبان، كما حدث في أجزاء كثيرة من البلاد خلال العام الماضي.

وأشرقت وجوه جنود الحدود الذين كانوا مسلَّحين بالبنادق والمدافع الرشاشة، وبعضهم يرتدي زيًّا عسكريًّا، والبعض الآخر لا يرتدي زيًّا عسكريًّا، عندما وصل قائدهم عزت الله طوفان ذو اللحية الخفيفة إلى موقعهم الذي خربته القذائف، وهو منزل جرى التخلي عنه أثناء القتال.

وقال أحد الجنود إنه يأتي دائمًا للإنقاذ.

وفي أواخر الشهر الماضي، عندما توغلت طالبان في لاشكرجاه، العاصمة الإقليمية لإقليم هلمند، اتصل موقع أمامي بمقر قيادته في مكان آخر بالمدينة لطلب تعزيزات. وفي تسجيل صوتي استمعت إليه صحيفة «نيويورك تايمز»، طلب منهم القائد الأعلى على الجانب الآخر البقاء في أماكنهم والقتال.

وقال إن الكابتن طوفان كان يجلب تعزيزات، وعليهم أن يصمدوا لمدة أطول قليلًا. وكان ذلك قبل حوالي أسبوعين.

واختتم الكتَّاب تحليلهم بالإشارة إلى أنه بحلول يوم الجمعة، وعلى الرغم من المقاومة المرهقة للجيش الأفغاني ورحلات التعزيزات المتكررة، وحتى وجود قاذفات القنابل الأمريكية من طراز بي-52 في سماء المنطقة، سقطت المدينة في أيدي طالبان.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي