استخدام الهاتف لهذه المدة يوميًّا قد يُهدر فرصك في حياة أطول!

Putting Down Your Phone May Help You Live Longer
2021-08-14

نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية تقريرًا لكاثرين برايس، صحافية ومعلِّمة ومؤلفة لعديد من الكتب من بينها كتاب «كيف تبتعد عن هاتفك»، تحدثت فيه عن المشكلات التي يسببها استخدام الهاتف، والتحديق المستمر في شاشات الهواتف المحمولة على المستوى النفسي والجسدي، إضافةً إلى بعض الفوائد المرجوَّة من الابتعاد عن هذه الشاشات.

وفي مستهل تقريرها قالت كاثرين: إذا كنت واحدًا من الناس المنغمسين في التحديق في شاشات هواتفهم، فربما تكون قد قررت أن تقضي وقتًا أقل في فعل ذلك. وهذه فكرة جيدة؛ إذ تُشير مجموعة من الأدلة المتزايدة أن الوقت الذي نقضيه برفقة هواتفنا الذكية يؤثر على نومنا واحترامنا لذواتنا وعلاقاتنا الاجتماعية وذاكرتنا وأوقات انتباهنا وإبداعنا وإنتاجيتنا ومهاراتنا في حل المشكلات واتخاذ القرار.

ولكن هناك سببًا آخر يدفعنا إلى إعادة التفكير في علاقتنا بأجهزتنا الإلكترونية، يرتبط بهرمون التوتر الرئيس في أجسامنا وهو الكورتيزول. يهدد الارتفاع المزمن لهذا الهرمون، الذي يسببه التحديق المستمر في شاشات الأجهزة الذكية، صحتنا ويقصِّر المدة التي نقضيها على قيد الحياة. وحتى اليوم، ركزت جميع النقاشات التي تناولت التأثيرات الكيميائية الحيوية للهواتف على مادة الدوبامين، وهي المادة الكيميائية التي تساعدنا على تكوين العادات، وركزت أيضًا على الإدمان.

فعلى غرار ماكينات القمار، صُممت الهواتف الذكية والتطبيقات بوضوح لتحفيز إفراز الدوبامين؛ الأمر الذي يجعلنا لا نستطيع وضع هذه الأجهزة من أيدينا.

وهذا التلاعب في نظام إفراز مادة الدوبامين في أجسامنا هو ما دفع عديدًا من الخبراء للاعتقاد بأننا نطوِّر إدمانًا سلوكيًّا تجاه هواتفنا. ولكن من المحتمل أن تأثير هذه الهواتف على إفراز الكورتيزول أكثر إثارة للقلق. والكورتيزول هو الهرمون المسؤول عن استجابة الكر والفر الأولية لدينا، ويتسبب إفرازه في حدوث تغيرات فسيولوجية مثل: ارتفاع ضغط الدم وزيادة ضربات القلب وارتفاع معدل سكر الدم، الأمر الذي يمكننا من الاستجابة للتهديدات الجسدية الحادة والتغلب عليها.

وهذه التأثيرات يمكن أن تُنقذ حياتك في حال كنت معرضًا لخطر جسدي حقيقي كأن تتعرض لهجوم من ثور هائج. ولكن أجسامنا تُطلق هرمون الكورتيزول أيضًا استجابةً للضغوط العاطفية؛ إذ لا يكون لزيادة ضربات القلب فائدة كبيرة، كأن تتفقد هاتفك للعثور على بريد إلكتروني شديد اللهجة من رئيسك في العمل.

عدد الساعات اليومية

تقول الكاتبة: لو كان الأمر يحدث بين الحين والآخر، فربما لا يكون الارتفاع في إفراز الكورتيزول الذي تسببه هواتفنا أمرًا مهمًا. ولكن المواطن الأمريكي العادي يقضي حوالي أربع ساعات يوميًّا محدقًا في شاشة هاتفه الذكي، ويبقيه في متناول يده طوال الوقت تقريبًا، وفقًا لتطبيق تتبع يسمى «مومنت».

والنتيجة كما أشارت شركة «جوجل» في أحد تقاريرها أن «الأجهزة المحمولة الممتلئة بتطبيقات التواصل الاجتماعي والبريد الإلكتروني وتطبيقات الأخبار» تخلق «إحساسًا دائمًا بالإلزام، وتولد ضغوطًا شخصية غير مقصودة».

يقول ديفيد جرينفيلد، أستاذ الطب النفسي السريري في كلية الطب بجامعة «كونيتيكت» ومؤسس مركز إدمان الإنترنت والتكنولوجيا: «يرتفع مستوى الكورتيزول لديك عندما يكون هاتفك على مرمى بصرك أو قريبًا منك أو عندما تسمعه يرن أو عندما تظن أنك سمعته يرن. إنها استجابة للتوتر تُشعرك بعدم الراحة، والاستجابة الطبيعية لجسمك في هذه الحالة هي أن تشعر برغبة في تفقد هاتفك من أجل التخلص من هذا التوتر».

وفي حين أن قيامك بذلك قد يريحك لحظيًّا، فإنه من المرجح أن يجعل الأمور أكثر سوءًا على المدى الطويل. ففي أي وقت تتفقد فيه هاتفك، من المحتمل أن تجد أمرًا آخر مثيرًا للتوتر في انتظارك، ما يجعل مستويات الكورتيزول ترتفع من جديد وتتولد رغبة أخرى في تفقد الهاتف مرة أخرى للتخلص من قلقك. وعندما تُعزَّز هذه الحلقة باستمرار، تؤدي إلى ارتفاع مزمن في مستويات الكورتيزول.

رُبط الارتفاع المزمن في مستويات الكورتيزول بزيادة خطر الإصابة بالمشكلات الصحية الخطيرة بما فيها الاكتئاب والسمنة ومتلازمة التمثيل الغذائي ومرض السكري من النوع الثاني ومشاكل الخصوبة وارتفاع ضغط الدم والنوبات القلبية والخَرَف والسكتات الدماغية.

يقول د.روبرت لوستج، الأستاذ الفخري في طب الغدد الصماء لدى الأطفال في جامعة «كاليفورنيا»، سان فرانسيسكو: «كل مرض مزمن نعرفه يتفاقم بسبب التوتر، وهواتفنا بالتأكيد تسهم في ذلك».

استخدام الهاتف.. ما علاقته بالإجهاد؟

يلفت التقرير إلى أنه بالإضافة إلى عواقبه الصحية المحتملة على المدى البعيد، فإن التوتر الناجم عن الهواتف الذكية يؤثر علينا بطرق تهدد حياتنا مباشرةً.

ومن التأثيرات التي تحدثها المستويات المرتفعة من الكورتيزول هي أنها تُضعف قشرة الفص الجبهي، وهي منطقة في الدماغ مهمة لاتخاذ القرارات والتفكير العقلاني. يقول د.لوستج إن: «قشرة الفص الجبهي هي التي تمنعنا من القيام بتصرفات خرقاء». ويؤدي ضعف قشرة الفص الجبهي إلى تقليل القدرة على ضبط النفس، وعندما يقترن هذا الأمر برغبتنا في تهدئة قلقنا، يمكن أن يقودنا ذلك إلى القيام بأشياء قد تُخفف التوتر لحظيًّا ولكنها ربما تكون قاتلة، مثل إرسال الرسائل النصية أثناء القيادة.

ويمكن أن تتضخم آثار التوتر على نحو أكبر إذا كنا قلقين باستمرار من الاعتقاد بأن شيئًا سيئًا على وشك أن يحدث، سواءً كان هجومًا جسديًّا أم تعليقًا مثيرًا للغضب على وسائل التواصل الاجتماعي. (في حالة الهواتف، تظهر حالة اليقظة المفرطة أحيانًا على هيئة «اهتزازات وهمية» إذ يشعر الناس أن هواتفهم تهتز في جيوبهم بينما هي ليست في جيوبهم أصلًا).

يقول بروس ماكوين، رئيس مختبر هارولد ومارجريت لطب الأعصاب والغدد الصماء في جامعة «روكفلر»: «كل ما نقوم به وكل ما نختبره يمكن أن يؤثر في وظائف الأعضاء ويُغير الدوائر العصبية في أدمغتنا بطرق تجعلنا أكثر أو أقل تفاعلًا مع التوتر».

ويشير د.ماكوين أيضًا إلى أن مستويات الكورتيزول الأساسية تتدفق وتنحسر في دورة منتظمة مدتها 24 ساعة، تتوقف هذه الدورة في حال حصلنا على أقل من سبع إلى ثماني ساعات من النوم في الليلة، وهو أمر سهل للغاية إذا كنت معتادًا على تفقُّد هاتفك قبل النوم. وهذا بدوره يجعل أجسامنا أقل مقاومة للتوتر ويزيد من خطر تعرضنا لجميع المشكلات الصحية المرتبطة بالتوتر المذكورة في الأعلى.

وعندما نأخذ كل هذا في الاعتبار نجد أن الساعات التي نقضيها على هواتفنا تسبب مشكلات أكبر من مجرد ضياع الوقت.

حياة أطول: كسر الحلقة

يشير التقرير إلى أن الخبر السار هنا هو أنه إذا تمكنا من كسر هذه الحلقة التي يقودها القلق، يمكننا تقليل مستويات الكورتيزول لدينا، وهذا بدوره قد يُحسن من إدراكنا على المدى القصير ويقلل من المشاكل الصحية المرتبطة بالتوتر على المدى البعيد. ويقول د.ماكوين إنه مع مرور الوقت، من الممكن إعادة تدريب أدمغتنا على أن لا تكون استجابتها للتوتر على هذا النحو من البداية.

ولجعل هاتفك أقل إثارة للتوتر، ابدأ بإيقاف جميع الإشعارات باستثناء تلك التي تريد بالفعل تلقيها. بعد ذلك، انتبه إلى ما تشعر به عند استخدام كل تطبيق على حدة. أيُّ تطبيق تتفقَّده نتيجةً لشعورك بالقلق؟ وما هو التطبيق الذي يجعلك متوترًا؟ ثم اخفِ هذه التطبيقات في ملف بعيدًا عن الشاشة الرئيسة الخاصة بجهازك، أو من الأفضل أن تحذفها تمامًا من هاتفك وراقب شعورك.

وأمر آخر يمكنك القيام به بينما أنت تستخدم تطبيقات هاتفك، هو أن تلاحظ التأثير الجسدي الذي يتركه عليك استخدام كل تطبيق على حدة. يقول د.جودسون بروير، مدير الأبحاث والابتكار في مركز اليقظة في جامعة «براون»: «إذا لم نكن على دراية بأحاسيسنا الجسدية، فلن نُغير سلوكياتنا». ووفقًا لـ د.بروير، غالبًا ما يظهر التوتر والقلق على شكل شعور بانقباض في الصدر.

وينصح التقرير بتحديد أوقات استراحة منتظمة ومحددة والتي قد تكون وسيلة فعالة لإعادة توازن كيمياء جسمك واستعادة شعورك بالسيطرة. ويمكن أن يكون «السبت الرقمي» أو «التخلص من السموم الرقمية»، الذي يتعهد فيه الناس على تعزيز انضباطهم الذاتي والتخلي عن الإلكترونيات لمدة 24 ساعة، مهدئًا لك على نحو مدهش. ولكن مجرد تخليك عن هاتفك أثناء تناولك طعام الغداء يُعد خطوة في الاتجاه الصحيح.

حاول أيضًا أن تلاحظ ما الذي يحدثه القلق الناتج عن رغبتك الشديدة في تفقد هاتفك على دماغك وجسمك، قبل الاستسلام لهذه الرغبة على الفور. يقول جاك كورنفيلد، المدرس البوذي في مركز «سبيريت روك» للتأمل في كاليفورنيا: «إذا تدربت على ملاحظة ما يحدث داخل جسمك، فستدرك أن باستطاعتك اختيار طريقة استجابتك. لا ينبغي أن نترك أنفسنا أسرى لمجموعة من الخوارزميات التي تروِّج للخوف من تضييع الفرصة».

وتختم الكاتبة تقريرها بالقول: لسوء الحظ، ليس من السهل إقامة حدود صحية مع الأجهزة المصممة عمدًا لتثبيطها. ولكن من خلال تقليل مستويات التوتر لدينا، فلن يجعلنا ذلك نشعر بالتحسن يومًا بعد يوم فقط، بل قد يطيل أعمارنا أيضًا.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي