الثأر وتقاليد الزواج والمطاريد وتجارة الآثار.. كيف قدم محمد صفاء عامر صعيد مصر؟

2021-08-14

الكاتب الراحل محمد صفاء عامر (مواقع التواصل)

القاهرة - علاء عبد الرازق

في عام 1993 عرض التليفزيون المصري مسلسل "ذئاب الجبل"، مقدما قصة من وحي صعيد مصر، عن الشاب الصعيدي بدري بدار (الفنان أحمد عبد العزيز) الذي يبحث عن أخته وردة (الفنانة سماح أنور)، التي هربت من بلدتهما قرب مدينة قنا، كي يثبت براءته وأنه لم يقتلها، حتى تجمعهما الأقدار بالمصادفة البحتة في الإسكندرية في ظروف درامية مثيرة في الحلقة الأخيرة.

قدم المسلسل العادات الصعيدية الراسخة، حيث تُلزم التقاليد عائلة "هوارة" -حسب المسلسل- أن تتزوج بناتها من رجال العائلة، لكن ابنة كبير هوارة الشيخ بدار (الفنان حمدي غيث) تقع في حب فتى من الإسكندرية، ويرى والدها الحكيم أن شرع الله يلزمه أن يخرق التقاليد وأن يزوج ابنته بمن اختارته ومن يناسب مستواها التعليمي -وهي الشخصية التي استلهمها عامر من والده- ثم يساعدها الأب الضرير على الفرار مع زوجها، ويتحمل وحده مواجهة ابنه الثائر وأبناء عائلته الغاضبين في هذه الملحمة الصعيدية.

نجاح كبير

حقق المسلسل نجاحا ساحقا، وكتب انطلاقة كاتبه محمد صفاء عامر ومخرجه مجدي أبو عميرة في الدراما التليفزيونية في التسعينيات، كما كان المسلسل آخر أعمال الممثل القدير عبد الله غيث، الذي جسد دور الشرير القاتل (علوان البكري) ببراعة مطلقة.

شكل هذا المسلسل صورة نمطية ستتداولها الدراما المصرية طويلا عن الصعيد، سواء على مستوى لهجة متحدثيه، أو حكايات كبير القرية والثأر وجرائم الشرف ومطاريد الجبل الهاربين من القانون، وهي ثيمات سيتم تداولها مرارا وتكرارا في السينما، مثل فيلم "الجزيرة" للمخرج شريف عرفة، وآخرها مسلسل "موسى" للفنان محمد رمضان.

ومن رحم "ذئاب الجبل" ولد عالم الكاتب محمد صفاء عامر-الذي توفي في 13 أغسطس/آب 2013- وينسب إليه استحداث وظيفة مصحح اللهجة الصعيدية في المسلسلات التليفزيونية، تجنبا لمشاكل اللهجة.

ويرى عامر أن نجاح "ذئاب الجبل" يرجع لصدق العرض، وأنه استطاع نقل روح الصعيد كما يعرفها أهله، كما كان الاهتمام كبيرا بتقديم اللهجة الصعيدية، وأنه توقع نجاح المسلسل كما مخرجه، لكن ليس إلى هذا الحد، رغم سوء الحظ الذي شهده الممثل بوفاة أحد أبطاله الفنان صلاح قابيل الذي حل محله عبد الله غيث الذي توفي أيضا قبل انتهاء التصوير.

من القانون إلى الكتابة

ينتمي محمد صفاء عامر إلى محافظة قنا، حيث ولد في 22 يناير/كانون الثاني عام 1941، وتخرج في كلية الحقوق بجامعة القاهرة، وبدأ مسيرته في السلك القضائي، ووصل لمنصب مستشار في محكمة الإسكندرية، ثم استقال وتفرغ للكتابة.

يحكي عامر -في لقاء تليفزيوني- عن عشقه لمدينة الإسكندرية، حيث عمل بها، وتأثر بهدوئها وأقام بها لفترة طويلة، كما أشار لكثرة الصعايدة في المدينة الساحلية، وقد كانت الإسكندرية والصعيد مكانين رئيسيين للأحداث في بعض أعماله.

أثرت نشأته الصعيدية على أجواء مسلسلاته، واستثمر نجاحه الكبير في "ذئاب الجبل" في مسلسلات مختلفة تركزت على دراما الصعيد، حتى صارت ثيمة شهيرة ورائجة في الدراما المصرية.

حلم الجنوبي

في مسلسل "حلم الجنوبي" (1997) من إخراج جمال عبد الحميد، يقدم لنا عامر القصة الأقرب لقلبه -على حد وصف نجله في حوار صحفي- حيث رحلة مدرس التاريخ نصر وهدان القط (صلاح السعدني) من مسقط رأسه في مدينة الأقصر إلى الإسكندرية للبحث عن مقبرة الإسكندر الأكبر، بعد قراءته لبردية فرعونية تشير لمكان دفن الإسكندر، مواجها شرور أبناء مدينته من تجار الآثار عمران الجارحي (حسن حسني) وزميله ضاحي النمر (محمود الجندي)، وعصابة دولية تسعى وراء الكنز الثمين.

صورت كثير من مشاهده في أهم معابد الأقصر الفرعونية، حيث يعشق بطله زيارتها والتأمل في تاريخها العريق.

الضوء الشارد

في عام 1998، قدم عامر مسلسله فائق النجاح "الضوء الشارد" مع المخرج مجدي أبو عميرة، وتناول الصراع الطبقي بين طبقة الإقطاعيين القدامى متمثلة في عائلة "العزايزة" وطبقة الأغنياء متمثلة في عائلة "السوالم"، وارتبط المشاهدون بالأداء المتميز لأبطاله ممدوح عبد العليم في دور (رفيع العزايزي) ويوسف شعبان في دور (وهبي السوالمي).

وفي مسلسل "حدائق الشيطان" (2006)، يحكي عامر قصة الصعيدي مندور أبو الدهب (الفنان جمال سليمان) تاجر المخدرات المهيب الذي يقع في غرام "قمر" ابنة كبرى عائلات الصعيد، وأخرجه المخرج الكبير إسماعيل عبد الحافظ.

لم تقتصر أعمال صفاء عامر على التليفزيون فحسب، إذ قدم لنا أيضا مجموعة من الأفلام مثل "الهروب إلى القمة" و"الطيب والشرس والجميلة" و"الشيطان يقدم حلا" و"صعيدي رايح جاي".

رحيله

وفي 13 أغسطس/آب 2013، رحل محمد صفاء عامر عن عمر ناهز 72 عاما، تاركا نحو 50 عملا بين السينما والدراما التليفزيونية، وترك سيناريو مسلسل كان يتفاوض عليه مع إحدى شركات الإنتاج بعنوان "شفيقة ومتولي".

نعاه الكاتب يسري الجندي قائلا "لم أكن أتخيل أن يهزم المرض (صفاء) بهذه السرعة، لأنه كان يحمل بداخله شخصية محارب ومحب للحياة، ورغم أن مشواره الفني لم يكن طويلا، فإنه أثبت أنه قامة فنية كبيرة تستحق أن تكون في مقدمة جيلها، لما يتمتع به من خصوصية شديدة في أعماله، فقد كان أهم وأكثر المؤلفين الذين تناولوا قضايا الصعيد الشائكة والحساسة بإبداع ورقي وعمق، مما يجعله يستحق لقب (رائد الدراما) التي تحدثت عن واقع الصعيد".

كما قال عنه الفنان صلاح السعدني "لا أجد كلامًا أصف به صاحب أهم كلاسيكيات في دراما الصعيد في مصر، وأخي الذي لم تلده أمي، فهو واحد من هؤلاء الذين قامت على أكتافهم الدراما، وهو من وضع قالبًا للدراما مع صديقه الراحل أسامة أنور عكاشة".​

 







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي