على عكس المتوقع.. كيف أضرت الألعاب الأولمبية بالاقتصاد الياباني؟

Tokyo Was Promised Glory and Riches. It Got an Olympics in a Bubble
2021-08-12

كتب بن دولي مراسل «نيويورك تايمز» في اليابان لشؤون الأعمال التجارية والاقتصاد، وهيكاري هيدا وهيساكو أوينو من مكتب الصحيفة في طوكيو، تقريرًا حول العائد الاقتصادي للأولمبياد. ويرى الكُتَّاب أن تأخير الأولمبياد عامًا كاملًا بسبب جائحة كورونا تسبب في تجاوز التكاليف المقررة، كما لم يحقق كثيرًا من الفوائد الاقتصادية ولا المعنوية التي علق المسؤولون الأمل عليها، رغم حصول اليابان على عدد من الميداليات يتجاوز ما حصلت عليه من قبل.

يستهل الكُتَّاب تقريرهم بالإشارة إلى ما كانت عليه التوقعات من الأولمبياد: وعد القادة في طوكيو بالمجد والثروات عندما فازت العاصمة اليابانية بحق استضافة دورة الألعاب الأولمبية الصيفية لعام 2020. وكان التوقع يشير إلى زيادة الوظائف ونمو الاقتصاد، إلى جانب الدعم الذي سيظهره الجمهور، وارتفاع مكانة اليابان الدولية.

لكن الستار أُسدل على الألعاب الأولمبية يوم الأحد الماضي، بعد عام من الموعد المخطط لها وبعيدًا عن السيناريو الذي توقعه المنظمون عندما فازوا بحق تنظيم الألعاب في عام 2013. إذ أجبر فيروس كورونا المنظمين على تنظيم الألعاب داخل فقاعة مضادة لفيروس كورونا، مما قضى تقريبًا على أي جوانب إيجابية اقتصادية أو حتى معنوية بالنسبة لطوكيو.

بدلًا من ذلك، جرى تحويل المدينة إلى مجرد وعاء لحدث ضخم، كانت متطلباته كبيرة  ولكنه لم يقدم في المقابل سوى القليل. حتى بعد إنفاق عديد من المليارات من الدولارات، عاشت طوكيو دورة الألعاب مثل أي مدينة أخرى: كحدث على شاشة التلفزيون. يضرب التقرير على ذلك مثلًا: ماكوتو إينوي، الذي اقترض مبلغًا كبيرًا لافتتاح مطعم مكسيكي في عام 2018، في ظل الاستاد الأولمبي الجديد في طوكيو، على أمل أن يجذب الموقع الزوار الأولمبيين، بالإضافة إلى حشود السياح لسنوات قادمة.

في فترة ما بعد الظهيرة قبل انطلاق الألعاب الأولمبية، تكدس العملاء في متجره الصغير في الطابق السفلي للمرة الأولى منذ بدء الجائحة. ولكن في الساعة 8 مساءً، أجبرته القيود المفروضة بسبب فيروس كورونا على إغلاق أبوابه، بينما كانت مراسم الافتتاح لا تزال مستمرة. قال إينوي، البالغ من العمر 43 عامًا، على ذلك متحسرًا: «كنت أستطيع رؤية الألعاب النارية».

بدلًا من تعزيز الوضع الاقتصادي، جلبت الألعاب الأولمبية شعورًا متزايدًا بالضيق. وبسبب الفضيحة وتجاوز التكلفة المقررة بمليارات الدولارات، مضت الألعاب قدمًا على عكس رغبات معظم الشعب الياباني، الذين اعتبروا أنها تشكل خطرًا غير مقبول على الصحة العامة. وعزز إصرار المنظمين على تنظيم الألعاب الشعور بأن قادة البلاد غير خاضعين للمساءلة أمام الجمهور. وبعد تحمل الكثير من المعاناة، تُرك الكثيرون في اليابان يتساءلون عن الهدف من كل هذا.

ينقل المقال عن نوبوكو كوباياشي، شريكة شركة الاستشارات «إرنست أند يونج» في طوكيو، وهي تكتب بانتظام عن القضايا الاجتماعية في البلاد، قولها: «الثقة الوطنية في حالة هشة». وأضافت نوبوكو: أن الفوضى التي أحاطت بالألعاب عززت «التحرق لنظام جديد وطريقة جديدة لإدارة الأمور». أدت القرارات السيئة والعثرات إلى سلسلة من الاستقالات بين كبار مسؤولي الألعاب. وتواجه اليابان الآن أسوأ انتشار لفيروس كورونا حتى تاريخه؛ إذ يبدو أن بعض الأشخاص في اليابان اتخذوا من الألعاب ذريعة لخفض حذرهم.

يتابع التقرير: قد يعاقب الناخبون قادة اليابان على إصرارهم على تنظيم الألعاب. ومن المرجح أن يحتفظ حزب يوشيهيدي سوجا، رئيس الوزراء الياباني الذي تتراجع شعبيته باطراد، بالسلطة في مواجهة معارضة ضعيفة في الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في موعد لا يتجاوز نهاية أكتوبر (تشرين أول). ومع ذلك، يمكن أن تضعف قبضة الحزب إلى حد كبير، وسيكون مصير سوجا بعد ذلك في مهب الريح.

أشار الكتاب إلى أن حدة الآراء حول الألعاب خفت إلى حد ما مع انتهاء جولتها التي استمرت أسبوعين، والتي تلاشت بفعل وهج حصول اليابان على أفضل ميداليات على الإطلاق. يراوغ قادة الحكومة فيما يتعلق بالأسئلة حول الفوائد التي قدمتها الألعاب الأولمبية، وقدموا الملاحظات المبتذلة حول كيف أن نجاح الرياضيين في مواجهة الشدائد سيشكل نموذجًا لعالم يكافح الجائحة.

تضخم التكاليف مع تأخير الحدث بسبب كورونا

تسببت الجائحة في أكبر انتكاسة للألعاب، لأنها أجبرت المنظمين على تأخير الحدث لمدة عام، مما أدى إلى تضخم التكاليف وتسببت في خسائر اقتصادية وفوضى سياسية. التكلفة الإجمالية غير واضحة: من المحتمل أن يؤدي غياب المتفرجين وحده إلى خفض المنفعة الاقتصادية بمقدار 1.3 مليار دولار، حسبما توقع معهد نومورا للأبحاث، وهو مركز أبحاث في طوكيو، قبل الألعاب.

ويوضح الكتاب أن عديدًا من أوجه القصور كانت من صنع اليابان. إذ أدت الفضائح حول أمور متنوعة مثل التلاعب في العطاءات وتجاوز التكاليف المقررة والانتحال والتعليقات المعادية للمرأة، التي أدلى بها رئيس اللجنة الأولمبية اليابانية، إلى تشويه سمعة الألعاب.

وبينما تعهد المروجون للألعاب بتقديم حدث صديق للبيئة وبأسعار معقولة يحتضن التنوع والاستدامة ويقدم فوائد اقتصادية من شأنها أن تستمر لسنوات، تبين مع تشغيل طوكيو للرافعات وخلاطات الإسمنت أن التكلفة الرسمية قفزت إلى 14.9 مليار دولار من 7.3 مليار دولار. وأفاد تقرير حكومي بأن التأخير لمدة عام بسبب الجائحة أدى إلى ارتفاع التكاليف بنسبة 20%. لكن ربما لا تزال هذه الأرقام لا تمثل التكلفة الحقيقية؛ إذ قدرت مراجعة حكومية أجريت قبل الجائحة التكلفة الحقيقية بـ27 مليار دولار.

كما أن التوقعات الاقتصادية أيضًا بدأت تبدو مهتزة، على النقيض من التقديرات الرسمية التي بَشَّرت بأن الحدث وآثاره الموروثة ستوفر ما يقرب من مليوني وظيفة، وتضيف أكثر من 128 مليار دولار للاقتصاد من الاستثمار والسياحة وزيادة الاستهلاك.

التوقعات الاقتصادية مبالغ فيها

«لكن هذه الأرقام كانت مبالغًا فيها جدًّا»؛ بحسب سايوري شيراي، أستاذ الاقتصاد في جامعة كيو في طوكيو، وعضو سابق في مجلس إدارة بنك اليابان. وسواء في ظل تفشي كوفيد-19 أو بدونه، «لم يكن ذلك ليحدث» (للألعاب تاريخ حافل بالوعود المفرطة بغض النظر عن مكان إقامتها).

عندما حطت الجائحة برحالها، تحول كثير من استثمارات الأولمبياد من الحبر الأسود إلى الأحمر. ضاعفت طوكيو 2020 الرقم القياسي لرعاية الشركات المحلية ثلاث مرات، فجمعت أكثر من 3.6 مليارات دولار للمنظمين. لكن كثيرًا من هؤلاء الشركاء قرروا بعد ذلك – على الأقل في اليابان – أن ينأوا بأنفسهم عن الفعالية.

قبل أيام من حفل الافتتاح، أعلنت شركة تويوتا، إحدى أقوى الشركات اليابانية، أنها لن تبث إعلاناتها الأولمبية في السوق المحلية، وأن رئيسها لن يحضر الحدث. وحذا رعاة آخرون حذوهم. (أفادت وسائل الإعلام المحلية بأن تويوتا أنفقت 1.6 مليار دولار على صفقة رعاية أولمبية لمدة 10 سنوات. رفضت تويوتا التعليق).

وبينما قد تمثل الخسائر خطأ في التقريب بالنسبة للاقتصاد الياباني الهائل، فإن الشركات الصغيرة قد لا تتعافى أبدًا. يستشهد التقرير بحالة توشيكو إيشي، البالغة من العمر 64 عامًا، وهي تدير فندقًا تقليديًّا في حي تايتو بالمدينة، التي أنفقت أكثر من 180 ألف دولار لتحويل الطابق الأول من المبنى إلى مطعم تحسبًا لتدفق السياح.

لقد كانت بالفعل مخاطرة بعض الشيء، وعندما ضربت الجائحة، أصبحت السيدة إيشي قلقة من أنها قد تضطر إلى الإغلاق. حتى مع الألعاب الأولمبية، لم تستقبل ضيوفًا منذ أسابيع. تقول عن ذلك: «لا يوجد شيء يمكنك فعله حقًّا بشأن الألعاب الأولمبية أو فيروس كورونا، لكنني قلقة. لا نعرف متى سينتهي هذا، ولدي الكثير من الشكوك حول المدة التي يمكننا خلالها مواصلة العمل».

يخلص التقرير إلى أنه سواء مع الجائحة أو بدونها، كان من المحتم ألا يرقى الواقع إلى مستوى التوقعات الكبرى التي وضعها القادة اليابانيون.

طوكيو 2020 فرصة لإبهار العالم

لقد قدموا طوكيو 2020 فرصة لكي يظهروا للعالم اليابان التي تخلصت من عقود من الركود الاقتصادي والدمار الذي خلفه زلزال وتسونامي عام 2011 الذي تسبب في كارثة فوكوشيما النووية.

وفي إثارة للحنين إلى الألعاب الأولمبية لعام 1964، عندما أبهرت اليابان العالم بتقنياتها المتقدمة وقوتها الاقتصادية، صاغ شينزو آبي، رئيس الوزراء السابق، أولمبياد 2020 على أنه حملة إعلانية لبلد هادئ وواثق يعد مناظرًا لدولة الصين الصاعدة.

قال شونيا يوشيمي، أستاذ علم الاجتماع في جامعة طوكيو، الذي كتب عدة كتب عن علاقة اليابان بالأحداث: إنه بعد عقود من التدهور الملحوظ، «أراد عدد متزايد من اليابانيين من الجيل الأكبر وكبار السن أن يتذكروا، تكرار تلك التجربة الناجحة مرة أخرى في اليابان في القرن الحادي والعشرين». ولكن بدلًا من ذلك، جلبت الجائحة شعورًا بالخوف وعدم اليقين تفاقما بسبب قرارات قادة اليابان.

وعد المسؤولون بألعاب آمنة، لكنهم تحركوا ببطء لتهيئة الظروف لذلك. وطال جدل المنظمين بشأن ما إذا كانوا سيسمحون للجمهور بالحضور، وقرروا حظرهم فحسب عندما كانت مستويات الإصابة بفيروس كورونا تتجه نحو الارتفاع بوتيرة واضحة.

حتى عندما ناقشوا السماح للزوار بدخول البلاد، بدا أن هناك القليل من الإلحاح مبدئيًّا لتطعيم السكان اليابانيين. وكانت معدلات التطعيم قد وصلت بالكاد إلى 20% عندما بدأت دورة الألعاب، وهي أقل بكثير من المستويات في الدول الغنية الأخرى. لكن المنظمين يصرون على أن الألعاب نفسها ليست مسؤولة عن معدلات الإصابة المتسارعة في طوكيو، مستشهدين بإجراء اختبارات مكثفة حول الملاعب.

التخطيط لم يكن جيدًا

قال تاكوجي أوكوبو، كبير الاقتصاديين في شركة الاستشارات الاقتصادية «جابان ماكرو أدفايزرس»: «يستمتع الناس بالألعاب الأولمبية، ولكنهم يشعرون بأن الحكومة لم تبلِ حسنًا في التخطيط لها». وأضاف: «عندما يتعلق الأمر بالسياسة الفعلية، فقد أبلى (رئيس الوزراء، سوجا) بلاء حسنًا. لكن تواصله كان سيئًا للغاية. هذا هو الدور الذي فشل فيه حقًّا بصفته قائدًا للحكومة اليابانية».

قال إينوي مالك المطعم المكسيكي إن حالة انعدام اليقين السياسي والاقتصادي التي خلفتها الألعاب لن تُعالَج بسهولة طالما ظلت الجائحة تتفاقم باطراد. وقال إنه سيبقى مطعمه مفتوحًا حتى الحفل الختامي. وأضاف أنه بعد ذلك، «لا يوجد شيء يمكن فعله سوى البقاء على قيد الحياة».







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي