في روما القديمة… الديكتاتور لم يكن دائما طاغية!

2021-08-10

تخلى سينسيناتوس عن محراثه ليتبع أعضاء مجلس الشيوخ الذين جاءوا ليقترحوا عليه الديكتاتورية. لوحة لخوان أنطونيو دي ريبيرا 1806ترجمة: عبدالله الحيمر

 

«ماكرون ديكتاتور» تم سماع هذا الشعار في جميع أنحاء فرنسا خلال الاحتجاجات الفرنسية ضد تصريح في 17 يوليو/تموز2021. وفقا لبعض معارضي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فإن فرنسا على وشك أن تصبح «ديكتاتورية». «ديكتاتورية صحية» بمعنى أن وباء كورونا 19 سيكون بمثابة ذريعة لتأسيس نظام استبدادي من قبل رئيس الجمهورية الحالي. لكن ما هو بالضبط الديكتاتور؛ بالمعنى القديم للمصطلح؟

الديكتاتورية الرومانية

ظهر مصطلح الديكتاتور في روما منذ حوالي 2500 عام.. يعني بالضبط، قاضيا مخولا بصلاحيات استثنائية لإدارة شؤون الدولة في أوقات الأزمات.. وتبنى مجلس الشيوخ، وهو في الوقت نفسه مجلس المدينة، مبدأ اللجوء إلى ديكتاتور وعهد لأحد القناصل (كبار القضاة الرئيسيين المنتخبين كل عام على رأس الجمهورية الرومانية) بتعيينه من بين القناصل السابقين.
ومن وجهة نظر اشتقاقية، فإن الديكتاتور هو «الشخص الذي يملي» على مواطنيه السياسة التي ينبغي اتباعها خلال فترة ولايته، دون أن يكون من الممكن الطعن في صحتها، لكن هذه السلطة العليا لا تُمنح له إلا لفترة محددة: ستة أشهر، ومن المفهوم مسبقا، أنه سيتعين عليه ان يتخلى عن سلطاته في نهاية ولايته، سواء أكمل مهمته أم لا.
يعود تاريخ تأسيس الديكتاتورية الرومانية إلى عام 501 قبل الميلاد، وفقا للتسلسل الزمني التقليدي الذي تم إنشاؤه من عمل المؤرخ اللاتيني ليفي تيتوس لارسيوس (أو لارجيوس) فلافوس (FLAVUS) هو أول ديكتاتور تم تعيينه في حالة طوارئ لقيادة الحرب ضد أعداء روما. ثم بين 501 و202 قبل الميلاد، لجأ الرومان حوالي 80 مرة إلى ديكتاتور ليحكمهم. كان من الممكن أن يكون الرجل نفسه، الذي تم تعيينه عدة مرات. وهكذا تم تعيين ماركوس فوريوس كاميلوس (أو كاميل) خمس مرات بين 396 و 367 قبل الميلاد.

مهمات الديكتاتور «الجيد»

إن الديكتاتور، الذي يتمتع بسلطة أعلى من غيره من القضاة، يلعب أولاً دور قائد الحرب، لأن تهديد العدو يتطلب قيادة واحدة، من المفترض أن تكون فعالة. في حالة الانتصار قبل الأشهر الستة المخطط لها، يمكن للديكتاتور أن يتنازل عن الحكم تلقائيا، كما فعل لوسيوس كوينكتيوس سينسيناتوس عام 458 قبل الميلاد. وفقًا للتقاليد القديمة، ذهب أعضاء مجلس الشيوخ ليجدوه في الريف ليقدموا له الديكتاتورية، بينما كان يحرث حقله، بعد أن نجح في سحق أعداء روما في وقت قياسي (بالكاد 16 يوما) عاد سينسيناتوس لزراعة أرضه، وبالتالي فهو يجسد شخصية الديكتاتور «الجيد» لأنه لا يسعى في أي حال من الأحوال إلى التمسك بالسلطة بعد الوقت اللازم لإنجاز مهمته. ويمكن أن تكون مهام الديكتاتور مدنية أيضا. وأسندت إلى العديد من الديكتاتوريين مهمة وضع حد لعراقة المؤسسات وتنظيم الانتخابات، حيث كانت التوترات الشديدة داخل الوسط المدني، تهدد بالتحول إلى حرب أهلية. كما تستحضر ليفي أيضا طقوسا، حيث كان الديكتاتور يزرع خلالها مسمارا (التاريخ الروماني، الثامن، 18). وهي ممارسة تم توثيقها عدة مرات في القرن الرابع قبل الميلاد. من خلال زرعه، كان من المفترض أن يعزز الديكتاتور بشكل طقوسي الانسجام المدني. كان غنايوس سيرفيليوس جيمينوس Caius Servilius Geminus في عام 202 قبل الميلاد، آخر ديكتاتور من هذا النوع ، أي المطابق للمؤسسات الجمهورية التقليدية.

الديكتاتورية وسيادة الإرهاب

بعد 120 عاما من الانقطاع، تم تحديث الديكتاتورية من قبل القائد العسكري والسياسي الروماني لوسيوس كورتيليوس سولا في 82 قبل الميلاد. بعد الاستيلاء على السلطة بالقوة ، تم تعيين «سولا» من قبل مجلس الشيوخ «الديكتاتور المسؤول بكتابة القوانين وتنظيم الجمهورية». مهمة تبرر السلطات والصلاحيات الكاملة التي ينتحلها لنفسه، ونظرا لأن ولايته لم تتجاوز مدتها ستة أشهر، فقد تخلى سيلا رسميا عن لقبه في عام 81 قبل الميلاد؛ لكن من أجل البقاء في السلطة على أي حال، تم انتخابه قنصلاً، ولم يتقاعد من الحياة السياسية حتى عام 79 قبل الميلاد، ربما بسبب تدهور صحته، قبل وفاته ببضعة أشهر فقط. والواقع أنه مارس السلطة المطلقة لمدة عامين ونصف العام. على الرغم من احترامه الرسمي للأداء الجمهوري، يتحرر الحاكم العسكري والسياسي سولا من القيود التي فرضتها عليه المؤسسات. لقب الديكتاتور يسمح له بالحكم كملك مطلق. إن المؤلف القديم بلوتار في كتابه: «حياة سولا؛ 33» يعطينا تعريفا لسلطاته: «الحق في الحياة والموت، وسلطة مصادرة الممتلكات، وتقاسم الأراضي، والبناء، وتدمير المدن». منذ ذلك الحين فصاعدا، تطور مصطلح الديكتاتور بمعناه السلبي، لأنه كان مرتبطا بقوة استبدادية. لقد حكم سولا بالقوة والرعب طيلة حكمه: فقد عرض قوائم بالخارجين على القانون، أي المعارضين الذين حكم عليهم بالإعدام. تمكن البعض من الفرار إلى المنفى، لكن تم إعدام أكثر من 2000 مدان منهم، كما أقام الديكتاتور شكلاً من أشكال حالة الطوارئ، حيث تم تعليق الضمانات القانونية التي تحمي عادة المواطنين الرومان في الأوقات العادية.

انتصار ماركوس فوريوس كاميلوس.. اللوحة للرسام فريسكو فرانشيسكو سالفياتي 1545

يوليوس قيصر الديكتاتور الشعبي

تولى الحاكم الروماني يوليوس قيصر بدوره لقب الديكتاتور عام 49 قبل الميلاد. مثله مثل سولا، فقد أزعج قلب الديكتاتورية التقليدية التي لم تعد محدودة بالزمن: في فبراير/شباط 44 قبل الميلاد، انتهى به الأمر إلى حمل لقب «الديكتاتور الدائم» أي مدى الحياة. منذ ذلك الحين، أصبحت الجمهورية بسلطة رجل واحد: سادت إرادة قيصر على اختيار مواطنيه، الذين تجمعوا في تجمعات، في حين أن مجلس الشيوخ لم يكن أكثر من مجلس في ظل الديكتاتور الذي يحكم وحده. لقد فهم بلوتارخ (حياة قيصر، 57) هذا جيدا: «لقد كان استبدادا حقيقيا، لأننا أضفنا ضمانا بعدم حرماننا أبدا من السلطة المطلقة للملكية». لكن على عكس سولا، تمتع يوليوس قيصر بشعبية حقيقية، خاصة في الوسط الروماني المتواضع، وبين الجنود. لقد نجح في خلق شعور حقيقي بالتعايش والتكافل مع أتباعه الذين اعتبروه مدافعا عن عظمتهم وكرامتهم. لهذا السبب، في مارس/آذار 44 قبل الميلاد، بعد الإعلان عن اغتيال الديكتاتور من قبل حفنة من المدافعين عن الجمهورية التقليدية، اجتمع عوام روما في المنتدى حدادا على قيصر، والمطالبة بتأليهه ضمن آلهة روما.

الديكتاتورية محكوم عليها بالفشل

غير أن الرومان، رغم تقديرهم للقيصر الراحل، ما زالوا يعتبرون أنه من الأفضل إلغاء مؤسسة الديكتاتورية، التي ينظر إليها على أنها مصدر محتمل للتجاوز وعدم التناسب. وفي استمرارية هذه الإدانة، لا يزال مصطلح «ديكتاتور» يستخدم اليوم بالمعنى السلبي أو الجدلي، ولا يوجد زعيم سياسي يعرّف نفسه على هذا النحو. تحدد الديكتاتورية نظاما تعسفيا قسريا، دون حرية سياسية أو ضوابط وتوازنات تتوافق، على الأقل، في الحالات القصوى (كما هو الحال مع هتلر أو ستالين) مع تعريف حنة أرندت للشمولية.
في الثقافة الشعبية، تأخذ شخصية الديكتاتور أيضا بُعدا ساخرا، لاسيما منذ فيلم تشارلي شابلن الشهير «الديكتاتور» عام 1940 أو في عام 2012 «كوميديا الديكتاتور» التي يلعب فيها ساشا بارون كوهين دور طاغية مصاب بجنون العظمة، المستوحى من كل من صدام حسين والقذافي.

إيمانويل ماكرون ديكتاتور؟

ومن الممكن مقارنة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالديكتاتور الروماني التقليدي، حيث يفرض تدابير تهدف لخدمة المصالح الجماعية للشعب الفرنسي، حيث تمر البلاد بفترة أزمة كبيرة. ومع ذلك، ليس من المؤكد ما إذا كان حريصا على الذهاب وحرث حقله، على عكس سنسيناتوس، لكنه ليس سولا جديدا، لأنه لم يحكم على خصومه بالإعدام. إنه ليس «قيصرا» أيضا، لأنه بالكاد يستطيع أن يدعي مكانة بطل العوام، كما يتضح من استمرار حركة «السترات الصفراء» التي اتحدت برفض الرئيس بالإجماع، الذي يُنظر إليه على أنه استبدادي، وفي خدمة النخبة. باختصار، بدلاً من التعامل باستخفاف مع الرئيس إيمانويل ماكرون كديكتاتور، دعونا نعيد لقيصر ما يخص قيصر.

 

– ترجمة بتصرف من موقع THE CONVERSATION
– كريستيان جورج شوينتزل/ أستاذ التاريخ القديم بجامعة لورين.
– نشر كريستيان جورج شوينتزل دليل الديكتاتور المثالي، يوليوس قيصر و«الرجال الأقوياء» في القرن الحادي والعشرين.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي