رغم موقفه “المسيحي” المعارض للشيوعية.. هل اعتبر مكتب التحقيقات الفدرالي مارتن لوثر كينغ تهديدا شيوعيا؟

2021-07-12

واحدة من آخر صور الفيلسوف الفرنسي المولود في الجزائر جاك دريدا، التقطت في عام

يعد الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا رائدا من رواد مدرسة ما بعد الحداثة والتفكيك الفلسفي، ويلقب بالأب المؤسس للتفكيكية التي تتحدى الفكر الغربي التقليدي، إذ يسائل دريدا (توفي 2004) الافتراضات السائدة في اللغة الفلسفية والأدبية.

وتتلخص تفكيكية دريدا في نقد المركزية الأوروبية في تشكلاتها الأكثر حداثية من خلال مساءلة جذرية لكل المقولات الميتافيزيقية التي انبنت عليها الفلسفة الغربية منذ المرحلة اليونانية إلى العصر الحديث، لكن دريدا لم يحصر اهتماماته في المستوى النظري الصرف وإنما كان دائما منخرطا في كل القضايا الراهنة. ولفت الانتباه مبكرا بانتقاده للسياسة الاستعمارية لفرنسا في الجزائر وعاش تجربة السجن وجاهر بمنافحته للقمع وللأنظمة الشمولية.

دريدا بين النظرية التفكيكية وهواجس الأسئلة الراهنة

ولد دريدا يوم 15 يوليو/تموز 1930 في الجزائر المحتلة آنذاك، والتحق عام 1950 بدار المعلمين العليا في باريس قبل أن يصبح مساعدا في جامعة هارفارد بالولايات المتحدة ثم في جامعة السوربون بباريس. وتولى عام 1965 منصب أستاذ فلسفة في دار المعلمين العليا حيث شغل منصب مدير دراسات.

وزاول دريدا نشاطه التعليمي لفترة طويلة بين باريس وعدد من أبرز الجامعات الأميركية منها جامعتا يال وجون هوبكنز، وأجرى الفيلسوف دراسة نقدية معمقة للمؤسسة الفلسفية ولتعليم مادة الفلسفة، فأنشأ عام 1983 معهد الفلسفة الدولي الذي تولى إدارته حتى عام 1985. وقام فيما بعد بالتدريس في معهد الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية.

ما فهمه دريدا عن الصداقة

تعبر فلسفة ما بعد الحداثة عن الإحباط الفلسفي الغربي من الحداثة، ويرى فلاسفة أوروبيون أنها جاءت كرد فعل عكسي على الدمار الذي لحق بأوروبا بسبب الحرب العالمية الثانية والفاشية والمذابح، إذ تزعزعت ثقة الفلاسفة والفنانين بالحداثة السياسية والاقتصادية، وأنكروا المشروع التنويري برمته واستبدلوا باليقين التشكيك والتفكيك وحتى العدمية.

ويعتبر الكاتب بمجلة "ذا نيويوركر" الأميركية هوا هسو أن الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا في كتابه "سياسات الصداقة" يصف طريقة قديمة للوجود تشعر المرء بقلق أقل بشأن الروابط التي تربطنا ببعضنا.

وفي أواخر الثمانينيات، ألقى الفيلسوف جاك دريدا سلسلة من المحاضرات في موضوع الصداقة. كان، في تلك المرحلة، أحد أشهر الفلاسفة في العالم، بعد أن أصبح مرادفا إلى حد ما لأفكار التفكيك.

أراد دريدا تعطيل دافعنا لتوليد المعنى من خلال المتقابلات: الكلام مقابل الكتابة، والعقل مقابل العاطفة، والذكورة مقابل الأنوثة، وأشار إلى أن هذه الأضداد الظاهرية كانت مكملة لبعضها بعضا تكوينيا، لافتا الانتباه إلى أنه ولمجرد أن أحد المفاهيم ساد على الآخر لا يعني أنه إما كان مستقرا أو محددا ذاتيا، فاستقامة المعنى لا تحدث إلا من خلال التهميش المستمر للغرابة أو الشذوذ في المعنى، بحسب تعبيره.

ويقول نقاد لدريدا إنه قرأ كل الحياة الاجتماعية بشكل مسيس، وهكذا لم ير الصداقة إلا نوعا من التحالفات الإستراتيجية بمنطق سياسي بحت.

التناقضات والقلق

وتتطلب أساليب دريدا تمحيصا دقيقا فهو يعتبر أننا سندرك أن المفاهيم التي تبدو طبيعية بالنسبة لنا، مليئة بالتناقضات والقلق والحيرة، وربما يقودنا قبول هذه الفوضى إلى طريقة عيش أكثر وعيا وذكاء.

بحلول الوقت الذي ألقى فيه محاضراته عن الصداقة، أصبح دريدا مفتونا بعبارة منسوبة لأرسطو "أيها الأصدقاء، لا يوجد أصدقاء".

وبينما يتكهن البعض أن أرسطو كان يعبر عن شيء أبسط، أقرب إلى مقولة "من لديه العديد من الأصدقاء، ليس له صديق"، انجذب دريدا إلى التناقض الظاهري في النسخة التي يفضلها من المقولة، إذ كان يعتقد أن اكتشاف ما يعنيه أرسطو يمكن أن يوجهنا نحو مستقبل من الاحتمالات والتفسيرات الجديدة.

في عام 1994، نشر دريدا المحاضرات في كتاب "سياسة الصداقة". يبدأ كل فصل من فصوله بعبارات لأرسطو أو فكرة عن تأثيره على الفلاسفة الآخرين، بما في ذلك الفيلسوفان الألمانيان نيتشه وكانط والمنظر السياسي كارل شميت.

وكالعادة مع دريدا، ما هو على المحك هو الاستقرار المشكوك فيه لاقتران المتقابلات التي نأخذها كأمر مسلم به، الصديق والعدو، والحياة الخاصة والحياة العامة، والأحياء والأشباح، ويركز أحد الفصول على التمييز بين الصداقة الفردية و"الأخوة" الجماعية. ويفحص فصل آخر الدور الذي تلعبه الأسرار في الصداقة وفي المجتمع.

حياة حديثة بلا مركز

يقول المنظرون إن الحياة الحديثة مليئة بالأفراد الفردانيين (المجزئين)، الذين يبحثون عن مركز لحياتهم ويتساءلون عن المحرك والدافع.

ومن الناحية العملية، فإن الصداقة طوعية وغامضة، وهي علاقة تنزلق بسهولة وسلاسة لخلفية الحياة، لكن بالنسبة للبعض الصداقة راسخة ومتناغمة، وبالنسبة لآخرين، تعد علاقة تسعى لإعادة تواصل واستئناف المحادثات التي توقفت قبل سنوات، فهناك أشخاص نتحدث معهم فقط عن الأشياء الجادة، وآخرون لا يعنون لنا شيئا إلا أنس الليالي الغارقة في اللهو، ويبدو أن بعض الأصدقاء يكملوننا، وآخرون يخلقون لنا المصاعب، بحسب الكاتب.

يكتب دريدا أن حميمية الصداقة تكمن في الإحساس بالتعرف على الذات في عيون الآخر. وما زلنا نعرف صديقنا، حتى عندما لم يعد موجودا للنظر إلينا. ويجادل أنه منذ اللحظة التي نصادق فيها شخصا ما، فإننا نستعد بالفعل لاحتمال أننا قد نعيش أكثر منه، أو قد يعيش أكثر منا، ومن بين الرغبات العديدة التي نعلقها على الصداقة، "لا شيء يمكن مقارنته بهذا الأمل الذي لا مثيل له، بهذه النشوة نحو مستقبل يتجاوز الموت".

كتابة معقدة

اشتهرت كتابات دريدا بأنها معقدة وكثيفة ومليئة بالاقتباسات والمصطلحات الغامضة، لكن التفكير في علاقاته الخاصة يميل بنا إلى القول إن تفكيره وكتابته يحملان طبيعة بائسة.

غالبا ما يشعرك "سياسة الصداقة" بأنه مسكون بالهموم، يصر دريدا على أن قصة الصداقة تتطلب منا أن نتخيل باستمرار كيف يمكننا في يوم من الأيام أن نقوم بتأبين أصدقائنا.

بحلول الوقت الذي نُشر فيه كتاب "سياسات الصداقة"، كان دريدا في منتصف العمر، وكان قد عاش بعد العديد من نظرائه المثقفين (توفي عام 2004، عن عمر يناهز الـ74).

في حين أن الكتابة يمكن أن تكون معقدة، كما هي الحال عندما يناقش دريدا "كلية الوقت، والخلود" على سبيل المثال، فهي تحتوي على لحظات من الجمال والرهبة والبساطة، يقول دريدا في كتابه "أعيش في الحاضر أتحدث عن نفسي بألسنة أصدقائي" ويتابع "أسمعهم بالفعل يتحدثون على حافة قبري… بالفعل، على الرغم من كوني ميتا في تلك اللحظة، لكن كما لو أني أتظاهر بإخبار نفسي، بصوتي الخاص: قم مرة أخرى للحياة".

ويقول الكاتب في مقاله بالصحيفة الأميركية "لقد استغرقت قراءة "سياسة الصداقة" مني سنوات. وبينما كنت أقوم بشق طريقي من خلاله، أرسلتني الأسطر هنا وهناك إلى كتابات دريدا الأخرى، أو حفزت عقلي لمطاردة الذكريات العشوائية".

ويتابع "تتمثل الجاذبية الرئيسية للكتاب في الفرصة التي يوفرها للمتابعة بينما يتصارع شخص ما مع جزء سريع الزوال من التجربة الإنسانية" ويكمل "يبدو كما لو أن دريدا يصف طريقة قديمة للوجود، تشعر المرء بقلق أقل بشأن الروابط التي تربطنا ببعضنا. في عصر وسائل التواصل الاجتماعي وقنوات التواصل والتبادل السائلة والمتكاثرة، تبدو فيه فكرة الصداقة غريبة تقريبا، وربما معرضة للخطر".

وفي مواجهة الصلات الوفيرة والضعيفة، تبدو غريزة تصنيف الناس وفقا لمنطق أكثر صرامة من مجرد الصداقة أعظم من أي وقت مضى.

أطياف ماركس

في عام 1993، بعد أن ألقى المحاضرات التي أصبحت "سياسة الصداقة"، ولكن قبل أن يجمعها، أصدر دريدا كتابا آخر، "أطياف ماركس"، الذي وصفه الباحثون في دريدا بأنه نقطة تحوّل في حياته المهنية. في الكتاب، يتعامل دريدا بشكل مباشر مع النظام السياسي في فترة ما بعد الحرب الباردة، ويحاول تبديد جو الانتصار الذي اجتاح الغرب.

ويكتب أنه "يمكن للمجتمعات الرأسمالية أن تتنفس الصعداء وتقول لأنفسها: لقد انتهت الشيوعية منذ انهيار الأنظمة الشمولية في القرن العشرين، كما أنها لم تنته فقط، بل لم تحدث أبدا، لقد كانت مجرد شبح"، لكنه يضيف، "الشبح لا يموت أبدا، ويبقى دائما ليأتي ويعود".

"سياسة الصداقة"، كما يوحي العنوان، يتماشى مع ما يسمى بالتحول السياسي في أعمال دريدا. إنه في النهاية كتاب عن الروابط الاجتماعية، وقدرتنا على تصور مستقبل جماعي يتجاوز الاحتمالات الرهيبة للحاضر. يكتب دريدا: "لكي تحب الصداقة، لا يكفي أن تعرف كيف تتحمل موت الآخر، (بل) يجب على المرء أن يحب المستقبل".

ربما يمكن أن تقدم الصداقة نموذجا للسياسة، أو رؤية لما يمكن أن تصبح عليه، فكأصدقاء، نتطوع لبعضنا، ونختار الاحتفاظ بأسرار بعضنا. ربما تكون الصداقة هي التي تجعل السياسة ممكنة في المقام الأول، فكيف نفهم ما الذي يعنيه أن نطلق على شخص ما عدوا؟ بحسب مفهوم دريدا.

كتب دريدا "لا يوجد صديق دون احتمال الجرح"، كما هي الحال مع جميع الثنائيات التي تبدو طبيعية، يحتوي نصفها على بذرة الآخر، والقدرة على التدمير الذاتي.

يجادل دريدا في نهاية الكتاب بأنه في عالم بلا أعداء، ستفقد السياسة حدودها وهدفها، وبينما يتشكك في مستقبل الديمقراطية، يشير، بأمل أكبر، إلى أن شكلا جذريا وعادلا من الصداقة يمكن أن يساعدنا في تخيل "تجربة جديدة للحرية والمساواة".

 

 

 







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي