مسجد حسن بيك التاريخي بمدينة يافا يتعرض لاعتداءات إسرائيلية جديدة

2021-07-08

وديع عواودة

تعرض مسجد حسن بك، في مدينة يافا الساحلية الفلسطينية لـ اعتداء جديد حيث قام متطرفون يهود بتحطيم نوافذه الزجاجية النادرة قبيل ساعات فجر الخميس 8 يوليو 2021. ونشر إمام المسجد الشيخ أحمد أبو عجوة مقطع فيديو للاعتداء عبر صفحته على فيسبوك، وقال إن الأيدي الآثمة تعتدي على مسجد حسن بيك في يافا ما أدى لتحطيم إحدى النوافذ، مؤكدًا أنه “بفضل الله لم تكن هناك إصابات” واسمًا منشوره بشعار “هنا باقون”. موضحا أن ” مجهولين” قاموا برمي المسجد التاريخي في شمال يافا بحجارة حكمت بعض نوافذه فتناثر الزجاج الملونّ في أرضيته. مشددا على أن استمرار الاعتداءات على هذا المسجد يدلل على تواطؤ الشرطة الإسرائيلية مع المعتدين داعيا فلسطينيي الداخل لتأمين حراسة خاصة له. يشار إلى أن مسجد حسن بك التاريخي يقع في قلب تل أبيب بعدما كان جزء من حي المنشية في يافا الفلسطينية وأبرز معالمها. ويتميز مسجد”حسن بيك”، والذي نجا من 20 عملية اعتداء ومحاولة إحراق بطرازه المعماري التركي الجميل،وقبل احتلال يافا كان عامرا بالمصلين وفيه أقيمت حلقات العلم فيما كان الشيخ علي غانم شراب آخر أئمته.

من يحميه من اعتداءات “المجانين”؟

وطالما ازدانت يافا بإطلالة المسجد الجميلة وبمئذنته الشامخة قبالة شطآن البحر المتوسط منذ أن بناه جابي دمشق حسن بصري الجابي الدمشقي حاكمدار يافا عام 1906. ومن حوله في حي المنشية الذي بنته العائلات الثرية في “عروس البحر”،يافا قبل النكبة أمثال عائلة بامية وبيدس لم تبق منها سوى بعض البيوت المستولى عليها من قبل اليهود ومصنع للصابون كانت تديره عائلة من نابلس، حول اليوم لمتحف لحركة “الايتسيل” الإرهابية. في العام 1948 نزح أهالي المنشية فبقي المسجد مهجورا يتيما وعبثت به أيدي متطرفين يهود وعاثت به فسادا ودمارا فاقتلعت أبوابه ونوافذه ونهب آثاثه وهدم سقفه وتصدعت جدرانه وهدمت مئذنته بل صار وكرا لمدمي المخدرات.

اعتداءات بدون معتدي

وكان المسجد قد تعرض لاعتداءات كثيرة منذ نكبة أهله، فظل مغلقا إلى أن رممته الهيئة الإسلامية المنتخبة في يافا وفتحته للصلاة عام ،1988 لكن السلطات الإسرائيلية ما زالت تحظر رفع الآذان فيه.لكن قدسية المكان ،عراقته وجماليته لم تشفع له لدى متطرفين صهاينة يواظبون على الاعتداء عليه بالحجارة والزجاجات الحارقة في محاولة للتخلص منه ومن دلالاته التاريخية والسياسية سيما وأنه بات محاصرا ببيوت ومنشآت أقامها الإسرائيليون في الأحياء اليهودية الجديدة على أطراف تل أبيب التي أقيمت على حساب يافا. وبعد النكبة تعرض مسجد حسن بيك إلى اعتداءات ومحاولات رسمية أيضا لهدمه بحجة التطوير كان أخطرها في العام 1981 بيد أن هبة فلسطينيي يافا أنقذته من يد التخريب والتدمير وقد تم ترميم ما تصدع من أجزائه بفضل أهالي المدينة وعموم فلسطينيي الداخل.

ومن الاعتداءات الاستفزازية قيام رجل وزوجته بطرح رأس خنزير مع كتابات عنصرية في باحته في أغسطس/اّب2005 علاوة على قذفه بالحجارة وتحطيم نوافذه الزجاجية عام2000 وهي عملية تتكرر بين الفترة والأخرى ما دفع بعض المسلمين من المدينة للإقامة به على مدار الساعة.

اعتداءات ومحاولات إحراق

الاعتداءات غير المنقطعة على المسجد، ازدادت وتيرتها بشكل جنوني منذ أن نفذت عملية استشهادية في نادي ” الدولفيناريوم” في يافا في يونيو/ حزيران 2001 حيث يعتدى عليه بالحجارة والعبوات الحارقة عدة مرات خلال السنة الواحدة في ظل صمت مطبق من قبل السلطات ” الإسرائيلية” ودون أن يقدم معتد واحد للمحاكمة. وتعرض مسجد حسن بيك عام 2007 لاعتداء جديد باقتحامه من قبل متطرف يهودي ومحاولة إحراقه،وتبين أن أحد حراس المسجد الذين ينامون فيه تمكنوا في اللحظة الأخيرة بإلقاء القبض على المعتدي وهو يسكب البنزين في جنباته تمهيدا لإشعال النار فيه بعدما أقدم على تحطيم كاميرات الحراسة. ووقتها أفاد أحد الحراس، الشيخ محمود أبو عبيد من جمعية يافا الخيرية أن الحراس استدعوا الشرطة الإسرائيلية التي أبلغتهم بأنه ” مجنون” ويعاني من اضطرابات نفسية. واستنكر الشيخ نوار دكة من المدينة الاعتداء على مسجد حسن بيك مرة أخرى وأعرب عن استهجانه من مزاعم الشرطة حول “جنون” المعتدي لافتا إلى أنها اعتادت على تردادها في حالات مشابهة كما حصل في جريمة إحراق المسجد الأقصى عام 1968. وقال خطيب المسجد الشيخ دكة وقتها لكاتب هذه السطور إنه جراء تكرار الاعتداءات لم نعد نعول على أحد فنقوم بكل ما يلزم لحفظ المسجد في ظل سكوت وتهاون الشرطة الإسرائيلية على الاعتداءات. وتساءل ما المعنى أن تسارع الشرطة للقول عقب الاعتداء على المساجد بأن المعتدين هم من المجانين؟

من سرق حذاء الرئيس؟

وكانت الاعتداءات والمؤامرات الرسمية على المسجد قد استفزت المؤرخ الإسرائيلي اليساري دكتور تسفي ألبيلغ، فانبرى يدافع عنه في وجه محاولات السطو عليه من قبل بلدية تل أبيب و”أمناء الوقف” المعينين والمتعاونين معها في مطلع الثمانينات. وقتها اعتصم ألبيلغ داخل المسجد وقام بالإضراب عن الطعام فيه احتجاجا على نية بلدية تل أبيب برئاسة شلومو لاهط تأجيره لشركة خاصة تمهيدا لتحويله إلى مطاعم ومتاجر بإدارة شركة يملكها شقيق رئيس إسرائيل الراحل شيمون بيريز. وفي حينه قام رئيس البلدية شلومو لاهط بزيارة المسجد بـ إلحاح من المؤرخ ألبيلغ لإقناعه بحيوية الحفاظ على الصرح الأثري الفريد وفيما كان مع وجهاء المدينة يتجول داخله برفقة وفد من مسلمي يافا، قام عوفر، نجل ألبيلغ نفسه بسرقة حذاء رئيس البلدية بعد أن خلعه عند مدخله كبقية المرافقين والمضيفين. وبعد انتهاء الزيارة خرج الوفد ورئيس بلدية تل أبيب من المسجد وسرعان ما وقعوا بالحرج حينما اكتشف لاهط اختفاء حذائه، فهرول بعض المرافقين العرب إلى السوق لاقتناء حذاء جديد للرئيس. وبعد ساعة انتهى اللغز وعرف لاهط سر اختفاء حذائه حينما بلغته برقية من عوفر ألبيلغ بخط يده قال فيها” أنا الذي سرقت الحذاء.. اتخّيل كم كان الأمر محرجا ومؤذيا لك جراء ضياع أو سرقة حذاء.. ولك أنت أن تتخيل الوجع الذي أصاب عرب يافا عندما سرقت مدينتهم وبلديتك تستعد لسرقة مسجدها أيضا..” وكانت زيارة لاهط قد دفعته للعدول عن المساس بالمسجد.

صوت الآذان مخنوق

ووضح خطيب المسجد الشيخ أحمد أبو عجوة إن حسن بيك ليس مسجدا عاديا كونه تاريخيا نجا من مسلسل محاولات لهدمه منذ النكبة وبات في قلب تل أبيب حاملا إرثا عربيا إسلاميا عريقا وهو ينادي بصوت مخنوق بأن الأرض عربية إسلامية رغم القتل والتهجير. وشدد أبو عجوة على أن “حسن بيك” رمز للماضي وأمل المستقبل للعرب والمسلمين في هذه الديار مهما طال الزمان. واستذكر أن ملكية حسن بيك أصلها سورية خالصة نسبة لبانيه وهو سوري من دمشق وتابع” كان الصهاينة قد أقاموا مُستعمرةً صغيرةً شرق مدينة يافا هي مدينة تل أبيب اليوم، وكان يفصلُها عن مدينة يافا أرضاً شبه خالية من السكّان والزراعة تسمى (المنشيَّة) وخشي أن يستولي عليها المستوطنون اليهود فباع بعض عقاراته في سوريا وشيد المسجد الذي عرف باسمه وشيَّدَ بجانبه 20 مخزناً وقفها جميعها لصالح ترميم المسجد إلى جانب تشييده مدرسةً لتعليم الدين وسلّم إدارتها لأوقاف يافا على أنّها وقفٌ ذرّيٌّ ومن أمواله الخاصّة. ونوه أن حكمُ حسن بيك ليافا دام 4 أعوام نقل بعدها إلى العراق وأصبح حاكماً عسكرياً لمدينة بغداد في نهاية الحرب العالمية الأولى وخلال حُكمه لبغداد دخل الجيشُ البريطاني العراق بعد أن هُزمَ الأتراك في الحرب وانتهى الأمر بالقائد المذكور بعد ذلك إلى التقاعُدِ فعاد إلى مدينة دمشق.

كما هو مسجد حسن بيك المحاصر باعتداءات “المجانين” تحاصر يافا وتبدو حزينة محزنة ويتيمة بعدما كانت مشرقة تبث أنوارها إلى باقي المدن والقرى الفلسطينية وتضاهي برقيها بيروت والاسكندرية. يافا اليوم التي يقطنها نحو 35 ألف عربي باتت جزءا مهمشا من تل أبيب لكن أهلها يسعون بمنهجية في العقود الأخيرة لإحيائها والحفاظ ما أمكن على روحها وهويتها بصفتها عاصمة الثقافة والاقتصاد في فلسطين التاريخية.

لا تنحصر محاولات الحرق على مسجد حسن بيك فهي نصيب مساجد تاريخية أخرى داخل أراضي48 منها مسجد بيسان الذي تعرض هو الأخر لعملية إحراق كامل في مارس/آذار2004 فيما لا تزال تعاني اّثار عمرانية فلسطينية مختلفة من الهجران والاندثار والتدنيس،بعضها حول إلى خمارات وملاهي ليلية وحظائر أبقار ومخازن بل إلى كنس أيضا كما في العباسية شرقي يافا وقيسارية التاريخية وعين حوض والمسجد الأحمر في صفد وجامع البحر في طبريا والقائمة طويلة.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي