الأحلام تَنْقُطُ المستقبل

2021-06-17

 

سلمى عطفة*

إنّه الربيع، يخبرني دمي الذي يفرقع كقرص فيتامين ثاء. حان وقت الملابس الزاهية والهواء العليل حيث كلّ نفَسٍ عن عشرة أنفاس شتَويّة. يدغدغني شيء ما في جسدي وأسمع تثاؤبات استيقاظ. إنها شاماتي تصحو من سباتها الشتوي!

لقد نسيتها تماما. يا للفرحة! الياقات الدائرية الواسعة والمربعة، التي تأخذ شكل الرقم سبعة، كم ستزهو بها الشامة على عنقي وتومِئُ للحبّ عن بعد ميل،

أتحسسها كما بداية كل ربيع، أكبرت أم صغرت، وهل مازال لونها على حاله؟

لم تعثر أصابعي عليها هذه المرّة، ربّما فقدت نفورها. يا للحزن، سأتفحصها في المرآة.

وقفت أمام المرآة بشكل جانبيّ، نظرت إليها مُلويةً عنقي للخلف قليلا. لم أجدها، ربّما حقّا نسيت مكانها.. سأتحقق من الجهة الأخرى.

مرّت ثوان من الفزع و… لم أجدها أيضا، تسارعت دقّات قلبي بشدّة، جثوت على ركبتيّ وكِدت أيأس، لكنّ فكرةً أنقذتني، ربّما زحطت الشامة إلى بقعة مجاورة أو حتى أصابها الملل وانتقلَتْ.. ربّما إلى قدمي، أو ربّما كان موقعها فوق أحد الشرايين وفي أحد الأيام ارتفع ضغط دمي فسار قويّا وسيّرها معه، ربّما أصبحت في رأسي الآن.

بدأتُ البحث عن موقعها الجديد. لم تَسلمْ منّي مسامة، حتّى رأسي فتّشته جيّدا عبر اللّمس والمرآة والتقاط الصور.

 لم أجدها! أنا منهكة وحزينة. غفوت دون أن أشعر وحلمت: كنت في حفل لأحد الأصدقاء.. مناسبة ما، وحفل مليء بالصبايا والشباب، وكنت وحبيبي نضحك دون توقّف إلّا لأكل السلطة المليئة بالبقدونس.

دعاني للرّقص. همَمْنا بالنهوض فاستوقفني فجأة وقال: انظري.. انظري.. هل علق البقدونس بأسناني؟ وضحك مكشرا عن أسنانه العبثية.

ضحكت متفاجئةً وهمستُ له: لا بقدونس، لكنّ شامتي قد علِقَتْ بأحد أسنانك. بسرعة أزِحها بلسانك. لا ينبغي لأحد أن ينتبه ستكون فضيحة دسمة. أزاحها، فقلت له: ابصقها في يدِي لأعيدها، لكنّه ضحك ضحكةً خبيثةً وابتلعها.

صحوتُ مذعورة! كيف أسترجع شامتي؟ هناك فاصل زمنيّ شاسع. لا أعلم أين هو ذاك الشاب ـ حبيبي ـ يا لحزني. ولم يعرف أحد أن يفسّر منامي.

الآن و بعد كلّ تلك السنين تُثبت الحياة أنّنا لا يمكن أن نتوقّع شيئاً. رأيتُه في أحد الشوارع. ذاك الشاب يمشي مسرعاً متأبّطاً اسمه بإحكامٍ وحذرٍ شديدين.. اسمه المُنَقّط بشامتي! وتعيدني الصدمة إلى لحظةٍ قديمة حيث كنّا معا وسرقتُ نُقطة اسمه وخبّأتها لئلّا يغادر.

لكنّه غادر وكلانا نسي أمرها. حِرصُه الشديدُ على اسمه والمساحةُ الواسعةُ على عنقي تزهو بالفراغ.. لقد فُسِّر منامي.

 

  • كاتبة سورية






كاريكاتير

إستطلاعات الرأي