رينيه ديكارت وزعامة الفلسفة الحديثة

2021-06-04

رينيه ديكارت

إبراهيم أبو عواد*

 

وُلد الفيلسوف وعالم الرياضيات الفرنسي رينيه ديكارت ( 1596ـ 1650) في مدينة لاهايإن تورين. يرجع أصل أسرته إلى هولندا.

ينتمي ديكارت إلى أسرة مِن صِغار النبلاء، حيث عمل أبوه مُستشاراً في برلمان إقليم بريتانيا الفرنسي. وكان جده لأبيه طبيباً، وجده لأمه حاكما لإقليم بواتيه.

في عام 1604 التحقَ ديكارت بمدرسة لافلشي، وهي تنتمي إلى طائفة دينية تُسمَّى اليسوعية. وقد تلقى ديكارت فيها تعليماً فلسفيّاً راقياً يُعَد من أرقى الأنواع في أوروبا، وبدأ ديكارت فيها تعلما لأدب والمنطق والأخلاق ثم الفلسفة،وأخيرا الرياضيات والفيزياء.

ونالَ إجازة الحقوق من جامعة بواتيه، حيث تخرَّج في الكلية عام 1612، وحصل على شهادة الليسانس في القانون الديني والمدني عام 1616.

وعلى عادة النبلاء في ذلك العصر، نصحه أبوه بالالتحاق بالجيش الهولندي، إذ كان هذا الجيش أفضل جيوش أوروبا نظاماً وخبرة، وكان يُشكِّل مدرسة حربية لكل من أراد أن يتعلم فن الحرب.

وبالفعل رحل ديكارت إلى هولندا عام 1618 وتعرَّف هناك على طبيب هولندي يُدعَى إسحق بيكمان، وكان مُتَبَحِّراً في العلوم، وشجَّعه على دراسة الفيزياء والرياضيات وعلى الربط بينهما، وكانا يمارسان معاً طريقة جديدة في البحث تُطبِّق الرياضيات على الميتافيزيقا، وتَرُد الميتافيزيقا إلى الرياضيات، وقد كان لهذه الطريقة أبلغ الأثر في تطوُّر ديكارت الفكري، وفي تشكيل فلسفته، إذْ إنَّ منهجه ومذهبه الفلسفي لن يختلف كثيراً عن طريقة البحث هذه.

تطوَّع للخدمة في الجيش الهولندي عام 1618، وخاض معه عِدَّة معارك. وفي عام 1622، عاد ديكارت إلى فرنسا، وصفَّى جميع أملاكه ليستثمر الأموال في تجارة السندات المالية،وقد أمنت له دخلاً مُريحاً لبقية حياته. وفي الفترة (1628 ـ 1649 ) عاش حياة علمية هادئة في هولندا، وألَّف فيها معظم مؤلفاته، التي أحدثت ثورة في مجالَي الرياضيات والفلسفة.

غادر ديكارت هولندا عام 1619، وذهب إلى ألمانيا، وهناك اكتشف الهندسة التحليلية،التي اشْتُهِر بها، ووضع يده على قواعد منهجه الفلسفي. وفي عام 1620 بدأ السفر متنقلًا بين العديد من المدن الأوروبية لمدة تسع سنين، وفيها باع أملاكه التي ورثها عن أُمِّه، وعرض عليه أبوه أن يشتريَ له وظيفة حاكم عسكري، فرفض، وآثر أن يعيش حياة العزلة.

وفي عام 1628، غادرَ فرنسا إلى هولندا حيث قضى فيها فترة كبيرة من حياته، والذي جعله يُفضِّل هولندا أنها كانت آنذاك من أقوى وأغنى الدول الأوروبية وأكثرها ازدهاراً في العلوم والفنون.

وفي عام 1629، بدأ ديكارت في كتابة رسالته «العالَم» وفيها يبحث في الطبيعة على أساس النتائج التي توصل إليها كوبرنيكوس وكبلر وغاليليو في النظام الشمسي، ودوران الأرض حول الشمس.

لكن حدث أن أدانت محكمة التفتيش والكنيسة الكاثوليكية فيروماالعالِم الإيطالي غاليليو عام 1633 خوفاً من أن تؤديَ آراء غاليليو الجديدة إلى سقوط الاعتقاد القديم بأن الأرض ثابتة في الكون والنجوم والكواكبتدور حَوْلها، وعندئذ خَشِيَ ديكارت أن يكون مصيره مصير غاليليو، فلم يُكمِل الرسالة، وكاد أن يَحرق أوراقها، وعزم على ألا يكتب أي شيء على الإطلاق. ما أدى إلى توقف ديكارت عن نشر بعض أفكاره.

وفي عام 1643، أدانت جامعة أوتريخت الهولندية الفلسفة الديكارتية. وقد أدركَ ديكارت أنه لا يمكن أن يتوقف عن الكتابة نهائيا، وهو الفيلسوف الذي بدأ صِيته ينتشر، وعندما أحس أن الناس يتشوَّقون لمعرفة فلسفته عكف على الكتابة مرة أخرى، وأخرج ثلاث رسائل تدور كلها حول الموضوعات الرياضية والطبيعية، وهي عن انكسار الأشعة والأنواء الجوية والهندسة، وقدَّم لها بمقال صغير وهو «مقال عن المنهج» عام 1636. وبلغ حد خوف ديكارت أن طبع الكتاب دون أن يكتب اسمه على الغلاف.

قرَّر ديكارت أن يضع مذهباً للفلسفة ويُطبِّقه على الميتافيزيقا، فأخرجَ عام 1641 كتاب «التأملات في الفلسفة الأولى» الذي أهداه إلى الأميرة إليزابيث البلاتينية التي راسلها كثيراً، وأخذ يشرح لها فلسفته ويُناقشها في أمور الأخلاق والسياسة. وعندما ذاعت شُهرته وضع له مَلِك فرنسا راتباً سنوياً يُقدَّر بثلاثة آلاف جنيه عام 1647، لكنه لَم يتلقَ منه شيئا إذ آثرَ حياة العُزلة.

وفي عام 1648، تعرَّفَ على ملكةالسويد كريستينا، التي ناقشته طويلًا في فلسفته عبر سلسلة من الرسائل، وأصَرَّت على دعوته للسويد ليكون عَوْنًا لها في إدارة الحُكم وشؤون البلاد كمستشار، وعندما قبل الدعوة سافر إلى استوكهولم عاصمة السويد في أواخر عام 1649.

وكانت الملكة تتردد عليه طويلًا لمناقشته في فلسفته، لكن الطقس البارد للسويد لَم يكن مناسباً لصحته، فأُصِيب بالتهاب رئوي، ورفض نصائح الأطباء، وآثر أن يُعالج نَفْسَه بنَفْسِه، وعندما اشتد عليه المرض تُوُفِّيَ في 11 فبراير/شباط عام 1650.

لُقِّبَ ديكارت بـِ»أبو الفلسفة الحديثة» وكثير من الأطروحات الفلسفية الغربية التي جاءت بعده هي انعكاسات لأطروحاته، التي ما زالت تُدرَّس حتى اليوم. كما أن لديكارت تأثيراً واضحاً في الرياضيات، فقد اخترع نظاماً رياضيا سُمِّيَ باسمه وهو» نظام الإحداثيات الديكارتية» الذي شكَّل النواة الأولى للهندسة التحليلية. وهو صاحب المقولة الشهيرة: « أنا أُفكِّر، إذن أنا موجود».

 

  • كاتب أردني






كاريكاتير

إستطلاعات الرأي