نيويورك تايمز: إضعاف الديمقراطية الأميركية يجري على قدم وساق

2021-05-31

جاء في عمود بصحيفة نيويورك تايمز (The New York Times) أن إفشال الجمهوريين مساعي تشكيل لجنة مستقلة للتحقيق في أحداث مبنى "الكابيتول" الدامية كان إشارة واضحة أخرى إلى أن "الولايات المتحدة ما بعد الرئيس السابق دونالد ترامب" لم تتوقف فقط عن فقدانها سمات الدولة بل سمات الديمقراطية أيضا.

وأوضح الكاتب تشارلز بلو أن موقف الجمهوريين الأخير كان استثنائيا من جميع النواحي، حيث رفضوا الدفاع عن الديمقراطية من غوغاء قدموا لمبنى الكونغرس من أجل الإضرار بها في ذات اليوم (6 يناير/كانون الثاني الماضي) الذي عقدت فيه جلسة المصادقة على نتائج انتخابات الرئاسة، مضعفين بذلك أسسها وقيمها.

لكن إضعاف الديمقراطية الأميركية -يضيف الكاتب- لم يقتصر فقط على جمهوريي الكونغرس بل امتد أيضا لكافة ربوع الولايات المتحدة، وكان آخر تجلياته مجموعة مشاريع قوانين قمع الناخبين التي سنت مؤخرا.

فالجمهوريون -برأي الكاتب- لم يعودوا يرغبون في العودة لاستشارة الكتلة الناخبة الحالية المتغيرة، بل يريدون تقليصها ما أمكن حتى الوصول للشكل الذي يرغبون به والذي يناسبهم أكثر. فهم يسعون في الظاهر للحد من أعداد وأنواع الأشخاص الذين يمكنهم التصويت، لكنهم يحاولون في واقع الأمر منح أنفسهم خيار إبطال الأصوات الانتخابية من الأساس.

إلغاء الانتخابات

وبحسب الكاتب ربما يعد أحد الإجراءات الأكثر خبثا في هذا الإطار ذلك الذي سيسهل على الولايات -مثل مشروع القانون الذي تسعى حاليا تكساس للمصادقة عليه- مهمة إلغاء نتائج الانتخابات.

وسيتيح مشروع القانون هذا على سبيل المثال -كما أشارت إلى ذلك -بدقة- هوستن كرونيكل (The Houston Chronicle) الصحيفة اليومية الأكبر في تكساس- ليس فقط تغيير دليل إثبات وقوع حالات احتيال وتزوير من "دليل واضح ومقنع" إلى "رجحان عدد الأدلة" بل سيسمح أيضا للقاضي "بإلغاء الانتخابات إذا كان العدد الإجمالي لأوراق الاقتراع التي تبين أنها مزورة يتجاوز هامش الفوز". وفي مثل هذه الحالات يمكن لهذا الأخير "إعلان بطلان الانتخابات دون محاولة تحديد كيف صوت الناخبون بصورة فردية".

جانب آخر من محاولات الجمهوريين، التضييق على المشاركة الانتخابية ما أمكن، هو من خلال منع المزيد من الأشخاص -خاصة أولئك الذين لا يأتون من أوروبا- من دخول البلاد والتحول لمواطنين كاملي الحقوق.

وكثيرا ما كان أحد أكبر الأسباب التي أعاقت القيام بإصلاح شامل لنظام الهجرة بالولايات المتحدة هو مخاوف الجمهوريين من جعل المزيد من الوافدين من بلدان أميركا اللاتينية مواطنين، لأنه عادة ما يصوت اثنان من كل ثلاثة منهم لصالح خصومهم الديمقراطيين.

دون أن ننسى -يضيف الكاتب- التأثير الذي يراد أن يمارسه كبار أغنياء البلد، وأغلبيتهم الساحقة من البيض، على مسار ونتائج الانتخابات لاسيما بعد حكم "مواطنون متحدون" (Citizens United) الفظيع الذي أصدرته المحكمة العليا في يناير/كانون الثاني 2010 والذي اعتبر الإنفاق السياسي شكلا من أشكال حرية التعبير المحمي بموجب التعديل الأول من الدستور، مما فتح الباب فعليا للشركات والنقابات لإنفاق مبالغ غير محدودة لدعم مرشحين بعينهم.

نانسي بوليسي، رئيسة مجلس النواب الامريكي

المال والسياسة

وبحسب المقال فقد كشف تقرير صدر مؤخرا عن مؤسسة "الإصدار الأول" (Issue One)، وهي منظمة أميركية غير ربحية تسعى لتقليل دور المال في السياسة، أن "12 فقط من كبار المانحين -ثمانية منهم على الأقل من كبار أغنياء البلد- ساهموا بمبلغ إجمالي قدره 3.4 مليارات دولار لمرشحين فدراليين ومجموعات سياسية بين يناير/كانون الثاني 2009 وديسمبر/كانون الأول 2020" وأن تبرعاتهم تعني "أن 12 مانحا كبيرا وزوجاتهم -19 فردا في المجموع- كانوا يسهمون سياسيا بدولار واحد من كل 13 دولارا على المستوى الفدرالي" خلال ذات الفترة.

ويعتقد الكاتب أن أميركا لم تؤسس أصلا كدولة ديمقراطية حقيقية، حيث لم يُسمح في البداية إلا للبيض الأثرياء باختيار قادة البلد، كما أن واضعي الدستور لم يفكروا على الأرجح أن الأمور ستكون يوما ما على غير تلك الصورة.

بعد ذلك، وسعت البلاد نطاق التصويت، واقترب الأميركيون من المثل الأعلى للديمقراطية، لكن تحركات مثل هذه دائما ما كانت تقابل بمقاومة شديدة وأحيانا ردة إلى الوراء.

أميركا الآن -يختم الكاتب- دخلت حقبة جديدة من القيود المتطرفة وفكر تفوق العرق الأبيض وحكم الأقلية البيضاء، يحاول فيها الجمهوريون الحفاظ على السلطة من خلال إعادة تعريف رجعي للديمقراطية وإحياء "دولتهم" من جديد حيث كان البيض أصحاب السيطرة الكاملة على أروقة السلطة ودواليب الاقتصاد.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي