نقص الرقائق الإلكترونية.. حرب ضروس تدور في الخفاء

2021-05-17

يرى الخبراء أن تبقى مشكلة نقص الرقائق قائمة في الأشهر المقبلة، حيث يظل الطلب أعلى من المعروض

وكالات- تسبب وباء كورونا في أزمات عديدة بشتى المجالات، ومنذ تفشي الوباء وإلى الآن تخوض كبرى شركات التكنولوجيا بالعالم حرباً ضروساً في سبيل تحصيل ما يكفيها من الرقائق الإلكترونية.

إذ نتج عن الوباء توقف كثير من المصانع المنتجة للرقائق، وحدوث فوضى في سلاسل التوريد، مما أدى إلى حصول نقص حاد بتلك الرقائق، مما أدى إلى ارتفاع كبير في أسعار الحواسيب والهواتف وعموم الأجهزة الذكية.

ما الرقائق الإلكترونية؟

تعتبر الرقائق الإلكترونية، وهي شريحة إلكترونية مصنوعة من السيليكون، تسمى "أشباه الموصلات" أو "الدوائر المتكاملة"، العمود الفقري للأجهزة الإلكترونية، ومن دونها لم نكن لنشاهد في يوم من الأيام، أي حاسوب أو هاتف محمول.

وتطوّرت صناعة الرقائق على مرّ السنين، وفي الوقت الحالي يمثل التنافس بين الشركات على من يستطيع إنتاج رقائق أصغر وبعدد أكبر.

عندما بدأ الوباء في إغلاق أجزاء مهمة من الاقتصاد العالمي في العام الماضي، اعتقد معظم الاقتصاديين أن الإنفاق الاستهلاكي سينخفض إلى أدنى مستوياته، حيث يفقد الناس وظائفهم أو يتوقفون عن شراء السلع غير الأساسية.

وبالفعل فقد انخفضت نسبة شراء السيارات إلى 50%، وبالتالي خفضت شركات إنتاج السيارات الطلب على الرقائق.

في الوقت نفسه، قام ملايين الأشخاص الذين أُجبروا على العمل أو التعلم من المنزل، بضخ الأموال للحصول على عناصر المكاتب المنزلية مثل أجهزة الكمبيوتر المحمولة والهواتف الذكية، وكان هناك اندفاع مماثل لوحدات التحكم في الألعاب؛ كي ينشغلوا ويبتعدوا عن أخبار الوباء.

وبحسب تقرير صدر عن موقع "بيزنس إنسايدر"، سبب الطلب على الأجهزة الإلكترونية استهلاك عدد كبير من الرقائق؛ مما أدى إلى ارتفاع أسعارها وشحّتِها.

ويرى التقرير أن السبب الآخر هو تكديس الشركات للرقائق، إذ أعلنت شركة "TSMC"، وهي أكبر شركة لإنتاج الرقائق في العالم ومقرها تايوان، أن الأرباح الأخيرة تشير إلى أن العملاء يُكدِّسون مخزوناً أكثر من المعتاد، على سبيل الاحتياط.

بدورها قالت رابطة صناعة أشباه الموصلات (SIA) ومقرها بالولايات المتحدة، في بيان لها على موقعها الإلكتروني: "إن مبيعات الرقائق في يناير 2021 بلغت 40 مليار دولار، بزيادة 13.2% عن الشهر نفسه من العام الماضي، وهذا يوضح حجم الطلب الكبير على الرقائق".

على سبيل المثال، قامت شركة "هواوي" بتخزين الرقائق، لضمان استمرارها؛ خوفاً من العقوبات الأمريكية التي تهدد بفصلها عن مورديها الأساسيين، ثم حذت الشركات الصينية الأخرى حذوها، وارتفعت واردات تايوان من الرقائق إلى حوالي 380 مليار دولار في عام 2020.

عامل آخر تسبب بتفاقم الأزمة، وهو "الطقس"، حيث أدت موجة البرد في فبراير من هذا العام، إلى انقطاع التيار الكهربائي لأيام متواصلة؛ مما تسبب في إغلاق المصانع حول مدينة أوستن الأمريكية وقطع الكهرباء عن شركة "سامسونغ" التي تعتبر ثاني مصنع للرقائق في العالم.

واجهت أيضاً شركة TSMC التايوانية مشكلة "الجفاف"، فصناعة الرقائق تحتاج كمية كبيرة من المياه، وحالياً تواجه تايوان أسوأ موجة جفاف، ما أدى إلى انخفاض الماء في خزانات الشركة، وتقوم الأخيرة الآن بجلب المياه إلى المصنع عبر شاحنات، مما يؤدي إلى تأخر إنتاج الرقائق.

الآثار المترتبة

كانت شركات صناعة السيارات المتلقيةَ للضربة الأولى لنقص الرقائق، والسبب بحسب ما نقلته صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية عن خبراء الاقتصاد، استهانة الشركات بكمية الرقائق التي يحتاجونها عندما ضرب الوباء، ومن ثم أدى ذلك إلى خسائر كبيرة.

وفقاً لذلك فقد أعلنت شركات السيارات "رينو" (renault) الفرنسية و"فورد" (Ford) الألمانية و"تويوتا" (Toyota) اليابانية عن إيقاف إنتاج السيارات في عدد من المصانع مؤقتاً.

من المتوقع الآن أن تخسر شركات صناعة السيارات 61 مليار دولار من المبيعات هذا العام وحده.

وتأثرت أيضاً شركة "آبل" بنقص الرقائق، حيث أعلنت أنها لا تملك العدد الكافي من الرقائق لتلبية الطلب، رغم أنها أكبر مشترٍ في العالم لأشباه الموصلات، إذ تنفق 58 مليار دولار سنوياً لتأمين حاجتها من الرقائق.

كما اضطرت "آبل" إلى تأخير إطلاق "iPhone 12" الذي تم الترويج له كثيراً لمدة شهرين في العام الماضي، فيما صرح الرئيس التنفيذي لشركة آبل، تيم كوك، لـ"رويترز": بأن "أشباه الموصلات قليلة للغاية".

أهم الشركات

تتصدر الرقائق الرقمية المتقدمة عناوين الأخبار باعتبارها أغلى قطع السيليكون وأكثرها تعقيداً والتي تمنح أجهزة الكمبيوتر والهواتف الذكية ذكاءها.

وفقاً لموقع "بلومبيرغ"؛ تهيمن على صناعة المسابك (الرقائق) شركتا "TSMC" التايوانية و"سامسونغ" الكورية في العالم بنسبة إنتاج تقدر بـ91% من إجمالي إنتاج الرقائق في العالم.

وتأتي بعدها شركة "Globalfoundries" التي يقع مقرها بكاليفورنيا، وشركة "United Microelectronics Corp" ومقرها في تايوان.

في حين لا تزال شركة "Intel Corp" آخر بطل أمريكي في هذا المجال، وتحقق إيرادات أكبر من أي شركة أخرى لتصنيع الرقائق، لكن سوقها يتركز بشكل كبير في معالجات الكمبيوتر.

من جانبها تقوم شركات "آبل" و"كوالكوم" و"نيفادا" باستيراد الرقائق من شركة "TSMC"، وتعد شركة آبل العميل الأكثر شهرة لدى الأخيرة، إذ تستورد ما نسبته 25% من إنتاج الشركة التايوانية.

ما الحل؟

يقول موقع "بلومبيرغ": "ستنفق الحكومات والشركات مئات المليارات في السنوات القادمة، على سباق الرقائق ذي الآثار الجيوسياسية والاقتصادية".

ومن أهم خطوات الدعم لصناعة الرقائق ما قامت به الحكومة الأمريكية، إذ سنّت قانون "CHIPS for America Act" (قانون الرقائق لأمريكا) والذي يعطي الصلاحية للحكومة بتقديم حوافز لتصنيع أشباه الموصلات والاستثمارات في الأبحاث ذات الصلة.

المجموعة الصناعية في أمريكا وصفت قانون "CHIPS" بأنه "خطوة أولية مهمة"، وحثت الرئيس جو بايدن على تخصيص التمويل المناسب لهذه الصناعة المهمة، مطالبةً إياه بتقديم حوافز مثل الإعفاءات الضريبية أو تسهيل المنح والقروض، واعتبار هذا الأمر جزءاً من سياسة الحكومة.

وقالت المجموعة موجهةً حديثها لبايدن: "بالعمل مع الكونغرس، لدى إدارتكم الآن فرصة تاريخية لتمويل هذه المبادرات لجعلها حقيقة واقعة".

وفي السعي المتواصل لدعم صناعة الرقائق كشفت الولايات المتحدة عن تقديم دعم لشركة "إنتل" بقيمة 20 مليار دولار لتأسيس شركة خاصة بها في مجال السباكة وإنتاج رقائق لشركات أخرى.

وفي فبراير من هذا العام، وقّع الرئيس الأمريكي بايدن أمراً تنفيذياً ينص على إنفاق 37 مليار دولار لجلب القدرة التصنيعية للرقائق إلى الولايات المتحدة.

وبحسب تقرير "إنسايدر"، يعتقد الخبراء أن مشكلة نقص الرقائق تبقى قائمة في الأشهر المقبلة، حيث يظل الطلب أعلى من المعروض.

وقال اتحاد صناعة أشباه الموصلات، في ديسمبر الماضي: "إن مبيعات الرقائق العالمية ستنمو بنسبة 8.4% في عام 2021 من إجمالي عام 2020، البالغ 433 مليار دولار".

وأضاف: "وفي النهاية المستهلكون هم الوحيدون الذين يدفعون ثمن النقص في الرقائق عند شراء أي منتج".







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي