انتفاضة القدس: فلسطين في حاجة لقيادة جديدة

2021-05-14

إبراهيم نصر الله*


قبل أي كلام: فلسطين للفلسطينين، من نهرها إلى بحرها. بعد ذلك، كل فكرة أو عمل يرمي إلى تحقيق هذه الغاية قابل للنقاش: وجهات نظرنا؛ أفراداً وجماعات ومثقفين ومفكرين، ووجهات نظر التنظيمات أيضاً.
وبعد:
فلسطين الواقعة تحت احتلال أعتى قوة فاشية على الأرض ليست في حاجة لطغاة من بيننا، فلسطين لها جهات أربع، ومن يريد أن يحشرها في جهة واحدة عليه أن يعرف أنه يحوّلها إلى نقطة، إلى صفر، وهي لم تقبل بهذا يوماً، ولن تقبل. فلسطين هي كل جهاتها، أسراها في السجون، وشهداؤها في الضمير والروح، وأولئك الذين هبوا قادمين من فلسطيننا البحرية: 1948، وأولئك المقدسيون، وأبناء الضفة وغزة، وكل من رمتهم المنافي بيُتْم الوطن.
كل من يقول لا في وجه الصهيونية وملحقاتها، هو ابنها اليوم، وكل من يتهاون مع أعدائها، مطبّعاً أو مهرولاً لأحضان المطبعين، لأي سبب، لا يمتّ لفلسطين ولا لمعنى جوهرها.
على بساط حريتها وحدودها، التي تفيض عن حدودها، من النهر إلى البحر نتناقش، ولا يحق لأحد أن يدّعي للحظة أنها مُلكه الشخصي، أو مُلك تنظيمه، أو مُلك فكرته.
كل فعل أو قول يرمي لتحريرها أو يحلم بتحريرها نحن معه، ونناقشه أيضاً ليكون أفضل. لقد قتلتْنا القرارات الطائشة التي اتّخِذتْ من قبل ولم يُتح لهذا الشعب مناقشتها. لم يحدث أن راجع تنظيم نفسه، راجع قراراته، فكل خطأ يَكتشف أنه ارتكبه يجرّه بمكنسة الوقت تحت السجادة. الفلسطيني يدفع ثمن الوقت ولا يريد وقتاً ضائعاً آخر، وقتاً ضائعاً لا ينزل للملعب فيه غير أعدائه، ليحققوا ما شاء لهم الخرابُ من أهداف.
فلسطين من مائها إلى بحرها، في ذكرى نكبتها الثالثة والسبعين، لا تريد أن تمنح عدوّها فرصاً جديدة بإهدائه وقتاً ضائعاً آخر.
ليس لأي تنظيم قدسية فوق قدسية فلسطين.
إذا كان من في رام الله يعتقد أن له الضفة وغزة، سنقول له: لا: هذه ليست لك، وإذا كان مَن في غزة يعتقد أن غزة له والضفة، سنقول له: هذه ليست لك، وإذا كان أي تنظيم آخر يقول هذا، سنقول له فلسطين ليست لك، أنتم وجِدْتم لتحقيق حلم هذا الشعب بحريّته، لكن لا يحق لأحد أن يحتكر فلسطين، أو يقول إنه الوصي عليها أو إنه وليّ أمرها، شعب فلسطين هو الوصيّ عليها وعليكم، وهو ولي أمرها وأمركم، وكل تنظيم هو في النهاية أداة لتحقيق هذه الحقيقة، يبقى ببقائها في مشروعه، ويزول بزوالها منه.
من المحزن أن نرى انتفاضة بحجم انتفاضة القدس، بلا قيادة سياسية حقيقية متّفق عليها، كما اتفق الشعب الفلسطيني كله على قيادته الواحدة في انتفاضته الأولى. فلسطين التاريخية تعرف ما تريد، وتريد تنظيمات وقيادات سياسية تعرف ما تريد، وتدرك أن فلسطين، كما تحققت في هذه الانتفاضة؛ مكونة من أربع جهات، واتسعت لتبدع جهات أخرى لها، من المناصرين لقضيتها، شرقاً وغرباً، وتجبر من ابتلعوا ألسنتهم زمناً أن يفتشوا عنها.
نريد قيادة لهذه الانتفاضة، نريد كل ما يُصعِّد استمراريتها؛ لا من يقمع شبابها ويطالب بتنكيس أعلامها حداداً على الشهداء، فالانتفاضة وجدت لترفع الأعلام أعلى وأعلى.
في ظل عدم وجود قيادة فلسطينية موحِّدة وموحَّدة لكل الشعب الفلسطيني، تحتاج فلسطين لقيادة تحدد المسارات المقبلة، استراتيجياً؛ وفلسطين ممتلئة بالطاقات التي أثبتت حضورها في الداخل الفلسطيني وفي كل مكان وصلت إليه.
هنالك قمع واحتلال وقتْل وتهجير وهدم بيوت واستيلاء على أخرى. من يحتقر البشر ويحتكر الوطن هم الطغاة. فلسطين لا تريد طغاة من أي نوع، فلسطين بحاجة إلى من يستمع لنبض شعبها وأفكاره، وأفكار مثقفيه ومفكريه.
لا أظن أن هناك تنظيماً واحداً، اليوم يعتمد على أي رأي من خارجه، أو مستعداً لأن يسأل أي فلسطيني، مهما كان علمه ومهما علت خبرته، عن رأيه في أي قضية تتعلق بتحرير وطنه، بعد زمن كنا نرى فيه مفكرين حقيقيين داخل التنظيمات وآخرين تتم استشارتهم. كلها اليوم تكتفي بمن تحت سقفها مرجعاً. وفي النهاية، كلها مجتمعة ومتفرِّقة، جزء من الشعب الفلسطيني، ولا تستطيع أن تلعب أدوراه كلها، لا في فلسطيننا البحرية، ولا في الضفة ولا في غزة، ولا في الشتات.
لا نريد أن يجلس أبناؤنا بعد عشرين عاماً أخرى لكي يناقشوا فداحة القرارات السياسية التي تُتَّخذ في هذا الوقت، كما يجلس الآن أبناء الجيل الذي ولِد بعد أوسلو ليناقشوا فجائع أوسلو وهزائمنا بسببه.
فلسطين بحاجة لأن تكون لديها قيادة فعليه فوق كل القيادات الحالية، سواء فوق تلك التي نحترمها، أو تلك التي نشتمها ثم نغسل ألسِنتنا بعد ذلك. فالتجربة الماضية، على نصاعة بعض توجهاتها، أفرغت المؤسسات الفلسطينية من جوهرها، وعدم السماح للشعب باختيار قيادة ضاعف ويضاعف الكارثة.
الكيان الصهيوني يكتشف أنه لم يستطع احتلال فلسطين حقّاً، حتى الآن، فلسطين الحرة، في حيفا ويافا والجليل واللد، كما هي في الضفة وغزة، وقلبها-القدس، في وقت احتل فيه عواصم كثيرة وامتطاها، دون أن يكون مضطرّاً لإطلاق رصاصة واحدة، فلسطين هذه من نهرها إلى بحرها، مخطئ من يظن أنها هُزمت رغم كل الحروب التي شنّها عليها عدوّها ووكلاء هذا العدو، وهؤلاء الذين يبثون مباشرة من تل أبيب، عبر فضائياتهم الإماراتية والسعودية، مؤتمر المجرم نتنياهو ووزير دفاعه لإعلان شنّ الحرب على غزة.
فلسطين هذه بحاجة لأن تضع نقطة في آخر السطر لكي تحقق انتصارها بعد كل المعارك التي لم تُهزم فيها.
فلسطين التي أُلقيَ بها إلى الصحراء وظلت متمسكة بالبحر، فلسطين التي هُجِّرتْ، وظلت مقيمة في كل قرية ومدينة وذرة تراب، فلسطين التي صمدت في كل مكان ألقيتْ بعيداً إليه، وفي كل جُبٍّ ألقيت في غياهبه. فلسطين، من نهرها إلى بحرها، بحاجة اليوم إلى قيادة فوق كل قيادة موجودة، تشبه شعبها كله، من يريد أن يكون ضمنها فله مكانه، ومن يريد أن يكون خارجها فله مكانه أيضاً. فالحجر الذي يمكن أن يكون في صُلب البناء هو من يرفعه، أما الحجر الذي يظن أنه البناء كله، فلا يمكن أن يكون ذلك البناء: فلسطين كلها.
آن للشعب الفلسطيني أن يخوض المعركة إلى نهايتها، ومن يريد خوضها إلى نهايتها، ستكون فلسطين معه.
فلسطين لا تريد، الآن، أن تصمد إلى الأبد، فلسطين تريد أن تنتصر.
وكل عام وأنتِ بخير، فلسطين الأجمل، فلسطين الحرية، فلسطين التي يذكِّر شعبُكِ الجميع بانتفاضته، أن حدودكِ الدائمة من نهركِ إلى بحركِ.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي