الشاعر المغربي مراد القادري: لا أحبذ التصنيفات التي تخفي مواقف ثقافية ماكرة

حاوره: محمد الديهاجي
2021-05-04

مراد القادري كاتب يزاوج بين الكتابة في مجال الشعر، إبداعا ونقدا، خاصة في ما يخص شعر الزجل الحديث في المغرب؛ من مواليد سنة 1965 في مدينة سلا المغربية. ورئيس بيت الشعر في المغرب منذ 2017 إلى الآن. من إصداراته الشعرية: «حروف الكف» 1995، «غزيل البنات» 2005، «طير الله « 2007، و«طرامواي»، وآخر أعماله ديوان «ومخبّي تحت لساني ريحة الموت»2021. تُرجمت قصائده إلى الفرنسية والإنكليزية والإيطالية. عن شعر الزجل ورؤية صاحبه كان هذا الحوار ..

■تعيش القصيدة الزجلية اليوم في المغرب، منذ مطلع تسعينيات القرن العشرين، رواجا كبيرا من حيث الكم والنوع، الشيء الذي جعل الزجل المغربي يكسب رهان الانتماء إلى وطن الشعر في المغرب بشكل رسمي، بل تبوأ مكانة مرموقة جعلته يضاهي الفصيح. فما تقييمكم لهذا المشهد؟

□ إن أهم معطى يستدعي منّا الانتباه ونحن ننجزُ تقييما لمشهد القصيدة الزجلية الحديثة في المغرب، هو ملاحظة ما مسّ روح هذه القصيدة. وأعني به انتماءها إلى عالم الكتابة وانفصالها عن الحمولة الشفوية؛ وانخراطها في مشروع التحديث الذي انتمت إلى أفقه القصيدة المغربية المكتوبة بالفصحى. تلك هي الملاحظة الأساس، والتي لا يمنعنا الإقرار بها من رصد جملة الظواهر التي تفيد، مجتمعة، الطفرة التي تعيشها قصيدة الزجل المغربي منذ أواخر الثمانينيات من القرن المنصرم. فعلا، تمتّعت القصيدة الزّجلية الحديثة في المغرب بحضورٍ ظاهر، عزّز صورتها داخل النسيج الثقافي والشعري المغربي. حضورٌ يمكن مُلاحظته ورصدُه في عدة مجالات ذات صلة بالنشر والقراءة والتلقي والترويج والتنشيط. فعلى مُستوى النشر، لاحظنا كيف ارتفعت وتيرةُ نشر الديوان الزّجلي، حيث انتقلت من ثلاثة دواوين، خلال عقد السّبعينيات من القرن المنصرم، إلى ما يربو على 40 ديوانا خلال التسعينيات، ليتضاعف هذا العدد خلال العقد المُوالي ويقاربُ المئة ديوان. غير أنّ هذا الجنس الشعري المتجذّر في التربة الثقافية والشعرية المغربية، لن يكون حاضراً على صعيد الساحة الأدبية وحسب، بل حتى في الساحة الجامعية والأكاديمية، من خلال البحوث التي يتقدّم بها كل سنة طلبة الإجازة العلمية.

أما على مستوى التنشيط، فيمكن ملاحظة العديد من المبادرات الثقافية والشعرية التي تحضرُ فيها قصيدة الزجل، التي لم تعدْ محصورةً في محافل الغناء، بل صارت جزءاً من البرنامج الشعري للمهرجانات والأمسيات الشعرية، بل ستعمدُ بعضُ الجهات إلى إحداث لقاءات خاصة بقصيدة الزجل، كما رصدنا ذلك في المبادرة التي قامت بها بلدية مكناس، أواخر الثمانينيات من القرن المنصرم، بتعاون مع اتحاد كتاب المغرب، وبلديات تيفلت وميسور وأزمور، وصولا إلى مبادرة وزارة الثقافة، القاضية بإحداث مهرجانٍ وطني سنوي للزّجل في مدينة ابن سليمان. من جهة أخرى، حظِيت قصيدة الزّجل بعناية الأنطولوجيات الشعرية، التي أنجزت عن الشّعر المغربي في العديد من مناطق العالم، بدون الإشارة إلى عبور العديد من الدواوين الزّجلية إلى اللغات العالمية وحضور شعراء قصيدة الزّجل في الكثير من المهرجانات الشعرية الدولية.

■ نسجل في الفترة الأخيرة حضورا قويا ووازنا للمرأة/الزجالة في المغرب، فهل استطاعت الزجالة المغربية أن تشكل إضافة نوعية للزجل المغربي؟

□ على الرغم من أنّ الكتابة لا جنسَ لها. أعتقد أنّ التحاق بعض النساء بعالم القصيدة الزجلية وإقدامهن على إصدار تجاربهن الشعرية الخاصة بهن، أضاف نكهة جديدة لمتننا الزجلي. ثمة تنوّع في التجارب والمنطلقات الثقافية والشعرية التي تقود هذه الأصوات. وهو ما منح الرافد النّسوي في القصيدة الزجلية المغربية الحديثة مذاقًا خاصًا، يعكسُ الأسئلة الخاصة للذات المبدعة في علاقاتها بالعالم وبالرجل.

أنتصر للشعر كيفما كان ومتى كان، وأومن به في اللحظات التي ينجح فيها في منحنا الدهشة والحلم ويرحل بنا خارج الزمان والمكان.

■ ولماذا تغيب المواكبة النقدية .. فهل هذا يعود إلى تخوُّف النقاد من اقتحام هذا الصنف من الشعر؟ أم لأن المؤسسة الرسمية ما زالت في حيرة من أمرها بخصوص مسألة الاعتراف؟ أم هو إقصاء مقصود وممنهج؟

□ عدم مواكبة النقد ظاهرة يشكو منها منتجُو الإبداع المغربي بمختلف صنوفه وأطيافه. هي ظاهرة تمس الشعر الفصيح والعامّي على حد سواء، ما يجعل الظاهرة تنضوي تحت عنوان «الشر إذا عمّ… هان». على أن ذلك، لا ينفي وجود تحسن ملموس في التعاطي مع قصيدة الزجل، والانكباب عليها بالقراءة والنقد. سبق لي أن أشرت، في أطروحتي الموسومة «جمالية الكتابة في القصيدة الزجلية المغربية الحديثة» إلى بعض المعيقات التي تحول دون تلقي وقراءة قصيدة الزجل مثل، استعصاءُ مقاربتها نظراً للغة الخامّ التي تكتبُ بها؛ وهي لغة لم تتأصّل بعدُ قواعدها ومرتكزاتها النحوية والصرفية والصوتية والخطية؛ وجودُ مواقف أيديولوجية صرفة، رأت دوماً في هذه القصيدة ذلك الخطر الذي يهدّد صرحَ اللغة العربية، الذي وصفه جمال الدين بن الشيخ بكونه صرحاً رائعاً لكنه مرعب؛ غيابُ ذاكرة قرائية لقصيدة الزجل؛ تكونُ سنداً معرفيّاً، به يستضيءُ الدّارس في مقاربتها. فإذا كانت القصيدة الفصيحة قد راكمت آلياتٍ قرائيةً تسعفُ في اعتمادها مرتكزاً لمقاربة هذه القصيدة، فإنّ الممارسة النّصية الزجلية لم تحظ بقراءات يمكن الاعتماد عليها منطلقاً للمقاربة. المهم في رأيي هو أن تتم قراءة هذه القصيدة بعيداً عن التّراتُبيات اللغوية والتّصورات النّقدية، التي طالما أطّرت زاوية النظر إليها، ولم تعتبرها رافدا شعريا ينبغي إدماجُه في بنية المتن الشعري المغربي، القائم بطبيعته على التعدّد والتنوّع والاختلاف. ذلك أن التراكم الذي حقّقته قصيدة الزجل والقيمة الشعرية التي بلغتها يفرضان على الناقد إعادة النّظر في القضايا التي تمَسّ طبيعة وهويّة الشّعر المغربي المعاصر، الذي لم يعد مُجْديا، من الزاوية النظرية والمنهجية، مقاربته في وأحديته وأحاديته بل في تعدّده وتنوعه.

■ الملاحظ أن جمهور الزجل، خلال اللقاءات المباشرة، يتفاعل بشكل كبير مع القصيدة الزجلية، على عكس قصيدة الفصحى. فهل يمكن القول إن الزجل لون شعري جماهيري، أم إن الشعر الفصيح أصبح نخبويا أكثر من اللازم؟

□ لا أنتصر كثيرا لمثل هذا الكلام عن جماهيرية القصيدة الزجلية، مقابل نخبوية القصيدة الفصيحة، فالعامية التي نشتغل عليها في بناء قصيدتنا الزجلية تختلف عن تلك التي نستعملُها للتخاطُب والتواصُل اليومي في الشارع والحياة، لكوْن كلماتها وألفاظها تتشبّع بدلالاتٍ سياقية مُخالفة لدلالاتها المعجمية، ما يجعلُها من ثمّ عاميةً إيحائيةً منذورة لتقديم رؤية الشّاعر للذات وللعالم ولحالاتٍ جمالية معبّرة عن الزمان والمكان التاريخيين. وهو ما يجعل، بالتالي، تلقّي هذه القصيدة صعباً وغير متاح للجميع. علاوة على أن جمهور وقارئي الشعر الفصيح هو نفسه جمهور الشعر العامي. إن الشعر عموما جنس هش؛ والمنخرطون في أفقه اللغوي والجمالي والفني يظلون، على العموم، كتلة ضعيفة لا تصل لكثافة جماهير كرة القدم.

■ هناك من الشعراء الزجالين اليوم، من أصبح يرفض فكرة مقابلة الزجل بالشعر الفصيح، على اعتبار أن مصطلح الفصاحة، هو ضرب ضمني لقيمة القصيدة الزجلية. ما رأيك؟

□ لا أحبذ التصنيفات التي تخفي وراءها مواقف ثقافية مضمرة وماكرة. أنتصر للشعر كيفما كان ومتى كان، وأومن به في اللحظات التي ينجح فيها في منحنا الدهشة والحلم ويرحل بنا خارج الزمان والمكان.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي