أعلى جائزة تقدير في إسرائيل مخصصة لليهود اليمينيين

2021-05-02

قرار وزير التربية والتعليم الإسرائيلي يوآف غالانت

وكالات- تعكس هوية الحائزين على «جائزة إسرائيل» ـ الجائزة الأعلى في دولة الاحتلال، انزياح الإسرائيليين نحو التوجهات اليمينية المتشددة والفاشية، بعدما باتت تعطى لليهود أتباع اليمين بالأغلبية الساحقة من الحالات.

ويجدر التنويه الى أن المستوطنين يستغلون الانزياح الواسع نحو اليمين المتشدد لدى عامة الإسرائيليين وحكوماتهم المتعاقبة خاصة في العقدين الأخيرين، ويتجلى ذلك بعدة وجوه منها منح «جائزة إسرائيل» لمن هم من أتباع اليمين في الأساس.

وأعاد قرار وزير التربية والتعليم الإسرائيلي يوآف غالانت بعدم السماح بمنح «جائزة إسرائيل للعام 2021 «للبروفيسور ذائع الصيت في علوم الكومبيوتر والرياضيات، والباحث في معهد وايزمان للعلوم، عوديد غولدرايخ، إثارة الجدل في الأوساط الأكاديمية والإعلامية الإسرائيلية حول المعايير الواجب توفّرها في من يحق له تلقي الجائزة، او بالأحرى ما المعيار الحاسم الذي يمنع شخصا ما من تلقي هذه الجائزة التي تعتبر الأهم والأكثر قيمة من بين كافة الجوائز في إسرائيل.

ويعكس هذا النقاش في جوهره الميل المتزايد نحو اليمين ذي النزعة الفاشية الذي تغلغل في مفاصل الدولة، ويرى نفسه وقيمه على أنها التعبير الحصري والأمثل عن حالة «الإجماع» والخط السياسي السليم والوفي لقيم الصهيونية.

جائزة اللون الواحد

وتعتبر جائزة إسرائيل» أرفع جائزة تقدمها حكومة الاحتلال في مجالات متنوعة علمية وأدبية وفنية وبحثية بالتزامن مع موعد إعلان ما يعرف بـ «يوم الاستقلال». وقد أطلقت لأول مرة في عام 1953 من قبل وزير التعليم بن تسيون دينور، الذي أصبح بعد خمسة أعوام أحد الحاصلين عليها، الذي لم يجتهد فقط في ابتداع الفكرة، بل شدد على توقيتها وأن يتزامن مع ذكرى نكبة 1948 وقيام الكيان الصهيوني، وأن تقدم من قبل قادة الدولة أنفسهم.

ولم يترك الوزير دينور، في تلك المرحلة المبكرة من عمر دولة الاحتلال، مسألة المعايير الواجب توفرها في الشخص الذي يفترض أن يستحق الجائزة معلقة أو مفتوحة، ولا اكتفى بالدلالات الرمزية المتمثلة في الذكرى وارتباطها (بقيام الدولة) بل شدّد على أنها جاءت «لتؤكد العلاقة بين (استقلال الدولة) والمعاني والقيم المستمدة من هذا الاستقلال» وأنها حكر على الإسرائيليين «المواطنين المجنسين المقيمين في إسرائيل».

وهي معايير لا تحتمل الاجتهاد والتأويل في حقيقة هوية النموذج أو الرمز المثال الذي يراد له أن يطبع في ذهن الجمهور، ويشكل له الحالة الملهمة الأجدر بالتماهي، لكنها تقبل بل وتستدعي التشدد والمغالاة في بقية صفات ومواقف هذه الشخصية، وذلك وفق الفترة التاريخية والتيار السائد.

ويعتبر هذا التشدد في انتقاء النماذج المُراد لها أن تعمم، إنما يعكس بشكل عميق طبيعة فكر وتوجهات النخب التي هيمنت في الحقب التاريخية المختلفة، بعيدا عن الادعاءات والشعارات بحيث يمكن الاستدلال على ذلك ببساطة عند معرفة أن من بين 620 فائزا بالجائزة منذ تأسيسها حتى عام2005 فازت 90 امرأة فقط، وحتى عام2008 فاز عشرة يهود من أصول شرقية في مجال الآداب من بين158 فائزا، وحتى 2011 حصلت ست شخصيات عربية من فلسطينيي الداخل على الجائزة بينما هم يمثلون في حينها ما يقرب من 18٪ من سكان الدولة، وهي أرقام دفعت الناقد والمحرر الصحافي بيني تسيبر إلى التساؤل في عام 2007 إن كان «من المعقول أن لا يتم إيجاد من بين 15 فئة مرشحة لنيل الجائزة مكان واحد لمرشح غير غربي(أشكنازي).

وتعززت هذه المعايير الصارمة والربط الأوتوماتيكي بين الدولة وقيمها وفق تعريف الفئة السائدة، وما بين المرشحين للحصول على الجائزة عبر السنين، وأصبحت أكثر وضوحا وصلة ليس بالانتماء العرقي والجنس فقط، بل طالت الأفكار والمواقف السياسية.

وعبّر عن ذلك الكاتب حاييم شاين في صحيفة «يسرائيل هيوم» على ضوء الجدل حول ترشيح لجنة الجائزة للبروفسور غولدرايخ، حين اعتبر أن الجائزة «تعبير عن تقدير رسمي لشخصيات نموذجية» بالمفهوم الأيديولوجي والسياسي، وليست تلك المتميزة في مجالها البحثي أو الأكاديمي بالضرورة، لأن «التميز العلمي ليس هو المعيار، ومهما كان العالم موهوبا فإن توقيعه على عريضة تطالب بمقاطعة إسرائيل أكاديميا» يعد سببا كافيا لحرمانه من الجائزة.

كما عبّر عن هذا الموقف الحدي والحاسم الذي يضع الأفكار والمواقف السياسية المتماهية مع أفكار المؤسسة الحاكمة وتوجهاتها كمعيار أساس في اختيار الوزير غالانت بوضوح، المرشحين للجائزة ليس في قراره بحرمان البروفيسور غولدرايخ من الجائزة فقط، بل بمنشور خاص نشره على صفحته على «فيسبوك» قال فيه إن «من لا يفتخر بإسرائيل ولا يعتبر قوانينها شيئا ثمينا لا يستحق الجائزة».

مضيفا أن البروفيسور غولدرايخ «بصق في وجه الدولة» عندما قرر أن يدعم بشكل غير مباشر الحركات الداعية لمقاطعتها، وهو الأمر الذي أثار حفيظة مؤسسات مهمة مثل رؤساء الجامعات الذين خاطبوا الوزير غالانت، معتبرين أن «عدم منح شخص ما جائزة إسرائيل بسبب آرائه السياسية يشكل مساً عميقاً وخطيراً بحرية التعبير وبحرية التفكير» وأن «مَن يسير في التلم» فقط هو الذي يستحق المكافأة والتقدير، بينما يكون العقاب من نصيب كل مَن يجرؤ على التعبير عن رأي سياسي يقع خارج نطاق الإجماع.

وكل من انتظر أن تقوم المحكمة العليا بإعادة الاعتبار للجائزة الأهم في إسرائيل وأن تنزهها عن السياسة ومحاكم الأفكار والتخوين بسبب المواقف النقدية، وأن تبقيها بعيدة عن حالة التحريض التي يمارسها اليمين ضد كل من يعارضه، خاب أمله سريعا.

فبعد اعتراض وزير التعليم على ترشيح غولدرايخ تقدمت لجنة الجائزة المكونة من قضاة مستقلين بالتماس إلى المحكمة العليا من أجل البت في صلاحية الوزير التدخل في قرارها، ومنع أسماء ترشحها من نيل الجائزة، ذلك أن التقاليد جرت أن تتم المصادقة بشكل أوتوماتيكي على الأسماء التي تقدمها.

وجاء قرار المحكمة فيه أنه «لا يحق للعالم نيل الجائزة «، وأن من صلاحية الوزير التدخل، وهو ما اعتبر شرعنة للتدخل في أفكار ومواقف الإسرائيليين وحصر الجائزة بالموالين لحكم اليمين.

خطوة مكارثية

وعقّب المحامي ميخائيل سفراد، الذي ترافع عن لجنة الجائزة ومثل البروفيسور غولدرايخ، على القرار لموقع «واينت» لحظة صدوره، فوصف خطوة وزير التعليم والمستشار القانوني للحكومة بأنها «مكارثية» تهدف إلى منع أصحاب الموقف المعارض للاحتلال وسرقة الأراضي والأبارتهايد من الحصول على الجائزة، وهو ما يعني «إقصاء معسكر سياسي كامل» عن الجائزة وتحويلها الى «جائزة لليمينيين فقط.

وعلى الرغم من عملية الإقصاء العلنية وغير المستترة لأصحاب الموقف النقدي الرافض للاحتلال من قبل الجهات الرسمية المشرفة على جائزة إسرائيل، لم يصدر رد فعل قوي وضجة في الأوساط الأكاديمية والنخب المثقفة إزاء هذا الاستخدام المفضوح للجائزة.

وعبّر الكاتب ديفيد شفربار عن تخوفه من هذا الصمت وغياب ردة الفعل القوية في مقال رأي نشره على موقع «عيرف راف» بتاريخ 19 أبريل / نيسان مستذكرا الفيلسوف اليهودي يشعياهو ليبوفيتش والضجة التي أثارها ترشيحه للجائزة، وكيف واجه المصير نفسه وهو ما دفعه للتنازل عنها وإطلاق مقولته الشهيرة بأنه «يتنازل عن الجائزة كي يوفر على نفسه قرف مصافحة وغدين رئيسيين هما رئيس الحكومة ووزير التعليم».







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي