تراجيديا متخيّلة عن إمكانية استمرار الحياة تحت الأرض بعد فناء العالم.

كائنات الدم البارد تهزم البشر في "حب ووحوش"

2021-04-29

يوميات نجاة تمزج بين المغامرة والكوميدياطاهر علوان*

يقدّم المخرج مايكل ماثيوز في فيلمه الجديد “حب ووحوش” العالم الديستوبي من خلال لقطات سريعة ومركّزة يفتتح بها الأحداث ببلاغة تامة تختصر ما آلت إليه البشرية في زمن الفناء الكامل.

والحاصل أن عدوانا من كوكب آخر يمثل هجوما يتم شنّه على الأرض يستدعي سكانها للردّ بشراسة من خلال هجمات صاروخية مضادة، لكنها ستؤدّي ليس فقط إلى تدمير كوكب الخصوم ورد اعتداءهم بل بالتسبّب في تغيير هائل في بنية الكائنات التي تعيش على الأرض.

يقع ذلك التغيير على خلفية تراجيدية هي فناء حوالي 90 في المئة من سكّان الأرض، أما الناجون فكما هي الحال في ذلك النوع المعتاد من أفلام الديستوبيا سوف ينازعون من أجل البقاء.

وإذا كان الخيال في هذا الفيلم قد ذهب بنا بعيدا في صراع الكواكب، فإنه سوف يذهب بنا أبعد في استسلام الأرض لكائنات عملاقة وهي فكرة طريفة وممتعة شكلت علامة فارقة في هذا الفيلم.

يستعرض المخرج يوميات الشاب جويل (الممثل ديلان أوبراين) وهي خليط من المغامرة والكوميديا حيث تمثل المتعة الحقيقية في هذا الفيلم. فها نحن نشاهده يعيش في مستعمرة صغيرة تحت الأرض حاله حال باقي الناجين من البشر المتناثرين في مستعمرات عديدة.

لم تكن رحلة المغامرة إلاّ من خلال خط درامي مواز تم بناؤه بمهارة من خلال قصّة حب شفافة تربطه بصديقته آمي (الممثلة جيسيكا هينويك) تولد ساعة اشتعال حرب الصواريخ وتساقطها على المدينة التي يعيشان فيها، وهنا سوف يقع التحوّل الدرامي والانفصال الممتد لسنوات.

يوثّق جويل ما يجري في الخارج، تراجيديا متخيّلة يتناقلها سكان الأرض، كائنات من ذوات الدم البارد من الحشرات والعظايات وقد تضخمت وصارت غيلانا عملاقة تفتك بكل كائن بشري يقترب منها، وخلال ذلك يقوم جويل برسمها فيما هو يقتفي أثر حبيبته ويتصل بها عبر اللاسلكي.

يوميات نجاة تمزج بين المغامرة والكوميديا

جويل هو الشخصية التي تم بناؤها في وسط تلك المستعمرة على أساس نظرة العجز أو الضعف، فهو غير جدير بالانضمام للمدافعين عن المستعمرة، ولهذا يُترَك مع النساء في ساعة المواجهة مع الأعداء، لكنّه يرى في نفسه ما لا يراه الآخرون، أنّه شجاع بما فيه الكفاية حتى لحظة قراره الذي عدّه سكان المستعمرة متهورا وخطيرا بالذهاب للبحث عن آمي.

من هنا سوف تستغرق أغلب المساحة الزمنية للفيلم في مغامرات جويل على الأرض التي هجرها الناجون من سكانها واستحوذ عليها الوحوش المختبئون تحت الأرض وفي المياه.

زمنيا يفترض أن يقطع جويل العشرات من الكيلومترات خلال سبعة أيام، وهكذا يبدأ الرحلة الطريفة ولسوف يتم استخدام تقنيات متنوعة من الخدع السينمائية والغرافيكس والمؤثرات البصرية الخاصة لتقديم تلك الكائنات المبتكرة من قبيل الضفدع العملاق أو حفّار الأرض وانتهاءً بالسرطان العملاق.

في ما يشبه صندوق باندورا حافل بالمفاجآت والمغامرات تمضي يوميات جويل صحبة كلب ينضم إليه في الغابات ويساعده وأحيانا ينقذه، وهو يواجه تلك الكائنات في مغامرات قطع أنفاس لا تكاد تنتهي تم تنفيذها ببراعة حتى يصل في النهاية إلى حيث تعيش آمي.

دافع الحب هو المحرّك الأساسي لأفعال جويل، فضلا عن إخلاصه لحبيبته التي بقي على عهده معها طيلة سبع سنوات ليفاجأ بعدما جازف بحياته بأن مشاعرها نحوه قد تغيّرت بمرور الزمن، وبذلك تصبح مجازفته بلا فائدة.

المغامرة والعودة إلى الخطر ومشاعر الإحباط تتكاثف في عدد من المشاهد المصنوعة بعناية فيما يتعلق بجويل وما سوف يقدم عليه، وهو يتذبذب بين عالمين، العالم الخارجي الذي تحتله الوحوش والمستعمرات التي يعيش سكانها الرعب، وعالمه الخاص الذي يؤمن به ويرى فيه النجاة.

الحوار مع آمي سيقود إلى تكريس نفسها لمساعدة مستعمرة من المسنين الذين سوف يتعرضون إلى خديعة من مجموعة من المرتزقة ولن يخلصهم منها سوى جويل في فصل جديد من المغامرات، ولكن في هذه المرة من خلال تسليط سرطان ضخم يحرّكه المرتزقة وينجح جويل في التخلّص منه.

ربما تكون ميزة تلك المغامرة هي في الحبكة الجديدة التي بثّها جويل من تجربته المتحدّية، مجرّد دعوة شجاعة لأن يخرج الناس من مخابئهم تحت الأرض خوفا من الكائنات العملاقة، وها هو يروي لسكان تلك المستعمرات خبرته وما واجهه في صراعه مع الوحوش وأنه ليس من المستحيل قهرهم أو على الأقل استعمار المناطق المرتفعة لتفادي الوحوش، وذلك ما يكون.

تتكامل في هذا الفيلم عناصر الصورة وحركات الكاميرا والمؤثرات الخاصة لتقدّم لنا سلسلة مغامرات طريفة وجديرة بالمشاهدة والمتعة، فيما كان جويل صاحب ردود الأفعال السريعة والذي يفقد وعيه مرارا في أثناء المواجهات، هو الذي ارتكزت عليه تلك الدراما المشوّقة.

*كاتب عراقي مقيم في لندن








كاريكاتير

إستطلاعات الرأي