رفعت عطفة: وجدت صعوبة في ترجمة «دون كيخوتة» و«المخطوط القرمزي»

2021-04-11

محمود أبوحامد*


تلعب الدراسات الأكاديمية دوراً أساسياً في تكوين المرجعيات اللغوية عند من اختصوا بها، وتعزز القراءات المستمرة والمتنوعة تلك المرجعيات، والمخزون اللغوي لصاحبها، لكن بالتأكيد المعايشة اليومية للغة المحكية، لتفاصيل حياة من ينطقون بها، تضيف للمترجم تذوقاً خاصاً، وحساسية مرهفة لروح تلك اللغة ولهجاتها.. وهذا ما نجده تماماً عند رفعت عطفة، فالمترجم السوري الذي درس الأدب الإسباني في جامعة مدريد المستقلّة وتخرّج عام 1974، حاصلاً على الماجستير في الأدب واللغة الإسبانيين، وتابع دراسة الدكتوراه في جامعة كومبلوتنِس، وقضى جزءاً من حياته في إسبانيا، حيث عمل مديراً للمركز الثقافي العربي السوري في مدريد، وكان عضواً لهيئة تحكيم جائزة دِسييدِريو ماثيّاس سيلبا المكسيكية الدولية للشعر، كما قدم عطفة الكثير من المحاضرات في الأدب والتاريخ الإسباني، في فرنسا والمكسيك وإسبانيا ولبنان والأردن والجزائر ومصر وسوريا.

البداية من الجامعة

□ لكم الكثير من الترجمات الروائية والشعرية والمسرحية، لأعمال إسبانية وأمريكية لاتينية، بالإضافة إلى المقالات الموجود الكثير منها في المجلات العربية والإسبانية الاختصاصية.. فكيف كانت بدايته، وكيف يختار كتبه، وهل ثمة صعوبات يواجهها في الترجمة؟
■ إجمالاً وفي بداية دخولي مجال الترجمة، اخترت الكتب التي درسناها في الجامعة، وكانت مسرحيات للكاتب الإسباني رامون دِل بالييه إنكلان، «كوميديات بربرية»، وكنوع من التحدي للنص، إذ قال أستاذ المادة يومها، وهو فرانسيسكو اندوراين، رحمه الله، أنّ ترجمتها إلى اللغة الإنكليزية والفرنسية فشلت تقريباً، نظراً لفرادة اللغة التي يستخدمها الكاتب. ويومها لم تكن توجد قواميس عربية إسبانية ولا إسبانية عربية، وترجمتها مستخدماً قواميس إسبانية إنكليزية، وإنكليزية عربية، وإسبانية فرنسية وفرنسية عربية، وعندما انتهيت منها قدّمتها إلى مديرية التأليف والترجمة في وزارة الثقافة السورية، وبي خوف شديد ألا يَقبلوها. وفوجئت بقبولها.. وبعد ذلك ترجمت له خمسة أعمال هي «الكوميديا البربرية»، «وجه الفضّة»، «نشيد الذئاب»، «النسر»، «أضواء بوهيمية وكلمات مقدّسة». وكانت تجربة صعبة، لأنّ اللغة التي يستخدمها هذا الكاتب لغة عميقة والصور الفنية التي يستخدمها تحتاج إلى جهد كبير لمقاربتها في اللغة العربية. الحركة الثقافية كانت في سبعينيات القرن الماضي ناشطة، وظهرت مجلات وملحقات أدبية، تعاملتُ مع ما أعتقد أنّه كان أهمها: ملحق الثورة الثقافي، حيث كانت تُشارك وجوه الثقافة العربية، خصوصاً السورية والفلسطينية. فترجمت مختارات ودواوين لبابلو نيرودا، ومختارات شعرية لشعراء جيل السابع والعشرين الإسباني، الذي كان يُشكّل منعطفاً في حركة الشعر الإسباني. وفي تلك المرحلة كنتُ قد بدأت أهتمّ بأدب أمريكا اللاتينية فترجمت قصصاً قصيرة، ونشرتها في الملحق، إضافة إلى الشعر. وبما أنّ الحركة المسرحية كانت نشيطة، لفتت انتباهي مسرحياتٌ لكتاب مثل رينِهْ ماركيس، الذي ترجمتُ له مسرحية «لن يدخل الموتُ القصر»، وإغون وولف، الذي ترجمت له مسرحية «الغزاة». ومن خلال قراءتي لأدب أمريكا اللاتينية، لفت انتباهي كاتب لم يكن مشهوراً جدّاً بحسب معرفتي، هو مانوِل روخاس سِبولبيدا، فترجمت له رواية «ابن لص»، ثمّ ترجمتُ «البيت الأخضر»، وتحدٍّ لماريو فارغاس يوسا، وكنتُ سأستمر بالترجمة له، لكنّ تصريحاته المؤيدة لإسرائيل وقتها جعلتني أحجم عن ذلك على الرغم من أهمّيته.

القواميس التاريخية

يؤكد رفعت عطفة أن على المترجم أن يكون متمكناً من لغته الأم، ومن اللغة التي يريد الترجمة عنها، فاللغة هي الأساس في الترجمة، وهي كائن حي يتطور باستمرار، وبالتالي فإن المترجم يعي أنّه أمام متحول، من هنا تأتي أهمية ما يسمى بالقواميس التاريخية، أي التي تقدم الكلمة وتطورها ومعانيها في كلّ المراحل، وهو ما ليس موجوداً في لغتنا العربية. لكن مشروعها ومشروع القواميس السياقية، بدأ منذ سنوات قليلة في قطر، ولا يدري كم سيكون ناجحاً. ويرى عطفة أن الصعوبات في الترجمة كثيرة، خاصة في الرواية، حيث أنّ الرواية تستخدم لغة الناس اليومية، التي لم تكن تحتويها القواميس، بل ولا حتى الموسوعات. أما اليوم فقد اختلف الأمر بوجود الشبكة العنكبوتية، التي تحتوي كلّ شيء، لكن يبقى أحياناً على المترجم أن يوجد المعادل، فثمة فوارق بين الكتاب شعراً ونثراً، ومن الدواوين التي وجد صعوبة في ترجمتها ديوان «الكور» للمستعرب الإسباني خِسوس ريّوساليدو، الذي اضطرر لتعديل عنوانه فصار «وكان شكوكاً» . فالكاتب يُحاول فيه أن يُقلِّد لغة القرآن الكريم. ويضيف عطفة أنّ المخطوط القرمزي لأنطونيو غالا كان من الروايات التي وجد صعوبة في ترجمتها، نظراً لأن الكاتب يستخدم في الرواية أشعاراً مترجمة عن العربية ولا توجد إشارة للمصادر، وكذلك دون كيخوتة لأنّ لغته هي اللغة الإسبانية في مرحلة التشكّل على كلّ المستويات.

لغة ثالثة

عطفة يجيد الإسبانية والفرنسية والإنكليزية، إضافة للعربية، ويحبذ الترجمة من اللغة الأم، لكنه يرجع كل الحالات إلى تمكن المترجم من اللغة الأولى وتمكّنه من اللغتين الثانية والثالثة، ويشير إلى أن لدينا مثالا مهما على مدى روعة ودقة أعمال تُرجمت عبر لغة ثانية، وهي ترجمة المرحوم سامي الدروبي لأعمال دوستوفسكي من الفرنسية إلى العربية. وعن أي لغة كانت، يقول عطفة عن آلية وطقوس الترجمة: إن لكلّ مترجم آليته الخاصّة به، إلى هذا الحدّ او ذاك. وأنا أقرأ النص، سواء أكان شعراً أو قصة أو رواية ثم أشرع بترجمته ترجمة أوّلية، ثم أراجع الترجمة بالمقارنة مع النص الأصلي لتحسين الصياغة، ثمّ أقرأه مترجماً بصيغته الأخيرة. وأطلب من دار النشر أن تعطيه لقارئ متخصّص، إذ هو من سيكتشف الهنات التي يمكن أن أكون قد وقعت فيها. وأشدّد على هذا الأمر، لكنّني أكتشف بعد صدور النص أنّ الهنات بقيت، فأحزن.
لا شكّ في أن كلّ الأعمال التي ترجمتها بالنسبة إليّ مهمّة، ولا أستطيع أن أخص كتاباً دون غيره بالأهمية، فهي جميعاً تحتوي على قيمة ما جعلتني أختارها.

*كاتب فلسطيني/ سوري







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي