الذاكرة مخدة الروح

2021-04-09

براء الجمعة*

الذاكرة وما أدراكم ما الذاكرة، الذاكرة صندوقك الأسود بحوضيه الإيجابي والسلبي، فإذا كنت أنت تمثلُ النسخة المزورة المشكلَة والملونة حسب مقتضيات السوق الاجتماعي، وعلى ما فيه من رياءٍ ونفاقٍ ومحاباةٍ، ومداراة وتدليس ، فإن ذاكرتك هي نسختك الأصلية والعصية على التزوير، وهذا من معجزات الخالق العظيم.

وفي الذاكرة مخدة للروح تعتق في حريرها ندى الأيام الغابرة لتفزع إليها كلما اشتد عليك هجير الواقع وأحاط بأعصابك جمر الحاضر المر. وفي الذاكرة أيضاً (بُورةٌ) يتصلب فيها بعدما تطاول شوك الدردار، فكلما صادفتَ من يعيدك لهذه البورة، انغرزت أشواكها في أقدام قلبك، واستيقظت جراحك من نومها العميق لتروي لك الحكاية بنزفٍ جديد. وللذاكرة دفاتر صفحاتها الأمكنة، وهي التي تحفظ لنا روائح التاريخ وجاذبية الأحداث ونكهة الأشياء، ولطافة الأسماء ومذاق السخرية ولسعة الندم، وبريق الأمل وحلاوة الابتسامة، وغصة الدمعة ونسمة الحلم الطري، وخفقة الوجد وسهد الشرود وقيظ اليأس، وغمامة الرجاء وهسيس الأسرار وعذوبة الهواجس، وحرقة الشوق ولوعة الحنين و.. و..

وأثمن ما في الذاكرة صفحات الطفولة التي ترفض الانطواء وتظل هاطلة الفصول.. كذاكرة هذه الثورة – رغم كل البشاعات – تأبى الأفول، آذار من الذكريات العابقة حتى الحرية..

*كاتب سوري







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي