ألبوم النور: فاطمة سعيد والغناء الأوبرالي بوجدان مصري

متابعات الأمة برس
2021-04-02

باللغة العربية والفرنسية والإسبانية تغني السوبرانو المصرية فاطمة سعيد في ألبومها الأول «النور» الصادر حديثا، وتقدم من خلاله 17 أغنية، لم تقم باختيارها من بين أشهر آريات الأوبرا، كما يفعل بعض نجوم الغناء الأوبرالي في ألبوماتهم الخاصة، لكنها انتقت مجموعة من الأغنيات الكلاسيكية القديمة، التي كتبت لصوت السوبرانو تحديدا أو لغيره من الأصوات، ما جعلها تذهب إلى أماكن متعددة في نطاق صوتها المتسع، وتؤدي أنماطا أخرى من الغناء تختلف في تقنياتها عن الأدوار التي تلعبها على المسرح، في أوبرا مثل «حلاق إشبيلية» لروسيني، و»فالستاف» لفيردي، و»الناي السحري» لموتسارت وغيرها، ولا يشير عنوان الألبوم إلى إحدى أغنياته، لكنه يدل على محتواه بشكل عام، فالنور هو الموسيقى والشعر والصوت الجميل والكلمات المصرية البسيطة الصادقة، والنور أيضا هو الشرق الذي تتبع فاطمة أثره في الخيال الغربي القديم، الهائم بسحره وفنونه وحكاياته، وكيف تأثر به الشعراء والموسيقيون، ومن الأندلس إلى مصر والشام تذهب وراء كل ما يلامس وجدانها العربي، فتغني «ثلاثية شهرزاد» لرافيل، وقصيدة «وداع المضيفة العربية» لفيكتور هوغو، ومجموعة من قصائد وألحان لوركا عن إشبيلية.

وباللغة الفرنسية تغني «الراحة في مصر» عن رحلة العائلة المقدسة، ومن أعمال هيكتور برليوز تغني «سعيدة» وتصف لنا مشاعر فتاة أندلسية اسمها سعيدة، تشتاق إلى مدينتها الجميلة غرناطة، وباللغة العربية تغني فاطمة للسيدة فيروز قصيدة «أعطني الناي وغني»، و»سهر الليالي» باللهجة اللبنانية، أما الحضور المصري في الألبوم فيتحقق من خلال ثلاثة ألحان لكل من سيد درويش وداوود حسني وجمال عبد الرحيم.

بعد الاستماع إلى ألبوم النور، نشعر بأن فاطمة سعيد ترغب في خلق الألفة والتقارب، تريدنا أن نذهب إليها وتريد أن تأتي إلينا أيضا، وتبذل الجهد من أجل ذلك، وتعمل على تقديم الموسيقى العربية إلى المستمع الغربي والعالم بأكمله، وتوصيل الموسيقى الغربية الكلاسيكية إلى فئة أكبر من المستمعين العرب، من خلال اختيار أغنيات تجذبهم وتلفت انتباههم، بألحان وإيقاعات إسبانية لا تخلو من الأثر العربي، وأشعار فرنسية نسمع فيها اسم دمشق وصحراء أهرامات الجيزة وأبو الهول، وتفاصيل مشاعر فتاة عربية تحن إلى موطنها، وأخرى تودع حبيبها الأجنبي.

كما تقدم للمستمع الغربي لغتنا العربية الفصيحة وبعض لهجاتنا مثل اللهجة اللبنانية واللهجة المصرية، ومشاعرنا وأفكارنا والمواضيع المختلفة التي نتغنى بها، وحاولت قدر المستطاع الحفاظ على الروح العربية في هذه الموسيقى، رغم تقديمها في قالب كلاسيكي يبدو غربيا إلى حد ما، كما أبرزت بعض الآلات الموسيقية العربية مثل، الناي والقانون، لكن الحضور الأكبر كان للناي بشكل لافت، حتى يمكن اعتباره بطلا في هذا الألبوم، يأتي في المرتبة الثانية بعد الصوت، الذي يكون دائما البطل الأساسي في هذا النوع من الألبومات الكلاسيكية التي يصدرها نجوم الأوبرا، وما لها من أهمية كبرى في وصول هذا الجمال الرفيع الراقي إلى الجمهور الواسع، من خارج دائرة محبي الغناء الكلاسيكي والأوبرا ورواد مسارحها حول العالم، بأعدادهم المحدودة مهما كثرت، ويكون على عنصرها الأساسي الذي هو الصوت أن يقدم الجديد وإن كانت الأغنيات قديمة من قرون سابقة، وأدتها أصوات أخرى كثيرة من قبل.

تقدم للمستمع الغربي لغتنا العربية الفصيحة وبعض لهجاتنا مثل اللهجة اللبنانية واللهجة المصرية، ومشاعرنا وأفكارنا والمواضيع المختلفة التي نتغنى بها، وحاولت قدر المستطاع الحفاظ على الروح العربية في هذه الموسيقى، رغم تقديمها في قالب كلاسيكي يبدو غربيا إلى حد ما.

عندما نستمع إلى صوت فاطمة سعيد للمرة الأولى، نلاحظ ذلك الحنو الذي لا يفارقه حتى في أكثر ارتفاعاته حدة، والدفء الذي يغلفه طوال الوقت، وقوة العاطفة الشعرية والموسيقية لديها التي تظهر في تأثرها بالكلمة والنغمة، لكنها لا تسمح لكل ذلك بأن يضعف صوتها المصقول بالجهد الصارم والتدريب الشاق المستمر، أو يجعلها تبتعد عن القواعد المفروضة على صوت السوبرانو وأساليبه في الغناء، وشروط الالتزام بها، ويظهر ما في هذا الأداء من مشقة وصعوبة في الأغنيات العربية على وجه الخصوص، حيث الموسيقى أرق والغناء ألطف والحس أكثر رهافة، لكن التكنيك دقيق وصارم في جميع الأحوال، وفي الغناء الكلاسيكي الغربي تتألق كسوبرانو محترفة بقدراتها الدرامية الثقيلة، والغنائية الشاعرية، والتلوينية الخفيفة، بالإضافة إلى قوة الرنين ونعومته في الوقت نفسه، والمهارة في ضبط الطبقة الصوتية والانتقالات الانسيابية اللينة والتصرف المنمق، والقدرة على التعبير عن المشاعر والانفعالات، والإيحاء بالصورة في مقاطع التصعيد النفسي والدرامي، وصناعة الخيال من خلال تفسيرها الخاص للأغنية.

يبدأ الألبوم بموسيقى الفرنسي موريس رافيل وأشعار تريستان كلينغسور، ونستمع إلى فاطمة تغني باللغة الفرنسية متتابعة «شهرزاد» الغنائية، أو المجموعة الغنائية المكونة من ثلاث أغنيات هي آسيا والناي المسحور واللامبالي، التي تم تقديمها للمرة الأولى على مسارح باريس عام 1903، وفي أغنية آسيا تظهر فاطمة قوة الشغف والحماس وهي تغني على لسان الشاعر الذي يشتاق إلى الحكايات المتنوعة والحب حتى الموت في الشرق، ويريد أن يرى دمشق التي تمثل الشرق العربي في هذه الأغنية، كما يريد أن يرى الهند وعجائبها وبلاد فارس والصين، وأن يشاهد حكايات شهرزاد أمام عينيه وكل ما روته لشهريار من قصص تدور أحداثها في الآفاق السحيقة، وفي أغنية الناي المسحور تنتقل فاطمة إلى أداء عذب شجي متأثر بشجن الناي الذي يسبق صوتها، وهي تعبر عن حال فتاة تستمع في الليل إلى عزف حبيبها على الناي أمام بيتها، بينما هي خلف النافذة، وتشعر بأن كل نغمة من نغماته هي قبلة غامضة على وجنتها، كما نستمع في أغنية اللامبالي إلى غزل حسي على الطريقة العربية، بأداء يعبر عن اللهفة والرغبة في الاقتراب، وعدم القدرة على تحقيق ذلك بسبب التمنع واللامبالاة، أما الأداء في أغنية «الراحة في مصر» فتطغى عليه وتفعمه مجموعة من العواطف الدينية والخوالج الروحية والأجواء المهيبة لرحلة العائلة المقدسة إلى مصر، والشعور بالراحة والأمان على أرضها، والليل الهادئ الغامض في صحراء الجيزة حيث توجد الأهرامات وأبو الهول الأبدي، ومن ديوان الشرقيات لفيكتور هوغو نستمع إلى قصيدة «وداع المضيفة العربية» بمصاحبة موسيقى جورج بيزيه، وتعبر فاطمة بصوتها عن مشاعر فتاة عربية تودع حبيبها الأجنبي بينما تتمنى ألا يغادر وأن يبقى ويستقر معها في بلدها، وباللغة الفرنسية أيضا نستمع إلى أغنية «سعيدة» لهيكتور برليوز التي تغنيها فاطمة بإيقاعية سريعة ومرحة إلى حد ما رغم مشاعر الحنين المسيطرة على الفتاة الأندلسية سعيدة التي تشتاق إلى غرناطة.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي