ترامب على حق.. أصغوا إلى أقواله
2020-04-20
علي قاسم
علي قاسم

تعوّدنا أن لا نأخذ تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب على محمل الجد، رغم قناعة بعض منا بصحة ما يقوله ويدعو إليه، إلا أننا نفضل الاحتفاظ بآرائنا لأنفسنا.

لتمتلك جرأة ترامب، يجب أن تكون رئيسا لأقوى بلد في العالم، ومليارديرا أيضا، أو أن تكون عالما معترفا بك دوليا، والأفضل أن تكون حاصلا على جائزة نوبل، عندها فقط سيستمع الناس إلى أقوالك، ويأخذون ما تقوله على محمل الجد.

هذا بالضبط ما حصل مع الطبيب الكونغولي الحائز على جائزة نوبل للسلام، دينيس موكويغي، الذي طالب بفرض حجر على من تفوق أعمارهم ستين عاماً، وارتداء الأقنعة بهدف احتواء تفشي فايروس كورونا المستجد.

اعتبر موكويغي أن فرض عزل عام أمر صعب، في بلد “الغالبية العظمى من السكان فيه لا يملكون بيوتاً واسعة وصحية، كما أن عليهم خصوصاً الخروج كل يوم لتأمين لقمة العيش”.

في وضع مثل هذا يُفضل التركيز على حماية الأكثر ضعفاً، والمعرضين أكثر لتعقيدات مرضية تتسبب بالوفاة.

ويعيش حوالي 65 مليون كونغولي من أصل 77 مليونا في مناطق ريفية، وأكثر من 65 في المئة منهم من الشباب. ووفقا لدراسة أجراها البنك الأفريقي للتنمية، فإن 72 في المئة من الأسر الريفية في جمهورية الكونغو الديمقراطية فقيرة.

وأوصى موكويغي، الذي عينته السلطات لإدارة أزمة الوباء، بضرورة ارتداء القناع بهدف كسر سلسلة انتقال عدوى كورونا.

لا يمكن أن نتجاهل الحكمة التي تنطوي عليها نصائح موكويغي، التي حاول من خلالها إيجاد حل وسط يتيح السيطرة قدر الإمكان على انتشار الوباء، وفي الوقت نفسه يراعي الضرورات الاقتصادية والاجتماعية في البلد.

لا يعقل أن يكون ثمن إبطاء انتشار العدوى، وتأجيل إصابة الناس بها، تركهم يموتون جوعا. فرصتنا، يقول موكويغي الذي طالب باستمرار الحياة اليومية، “تكمن في صغر سن سكاننا”.

كم من الوقت ستعيش الشعوب تحت الحجر، بينما عجلة الاقتصاد شبه متوقفة، والحدود شبه مغلقة بين الدول، وبين مقاطعات البلد الواحد؟

مؤسس شركة مايكروسوفت والملياردير المعروف بفعل الخير، بيل غيتس، عبر عن تفاؤله بأنه سيكون هناك لقاح ضد فايروس كورونا المستجد بنهاية العام المقبل.

قال غيتس إن “هناك الكثير من اللقاحات المرشحة التي ندعمها الآن، وأنا متفائل أنه بحلول أواخر العام المقبل سيخرج أحدها، ونحن بحاجة للتأكد من أنه سيصل إلى كل شخص في العالم”.

هل يمكن أن ينتظر العالم 18 شهرا تحت الحصار؟ ومن يطعم الناس، ومن يسقيهم خلال هذا الوقت؟

الرئيس الأميركي ليس طبيبا، ومن كان مثله صعب أن يمنح جائزة نوبل لأي سبب كان، ولكنه رئيس لأقوى بلد في العالم، وهو محاط بالخبراء والمستشارين، حتى وإن بدت ردود أفعاله وقراراته فردية.

دعمُ ترامب لمتظاهرين خرجوا يحتجون على أوامر الحجر الصحي، أثار الاستغراب، في وقت باتت فيه الولايات المتحدة أكبر بؤرة في العالم لتفشي الوباء، وفيما لا يزال أكثر من نصف سكان العالم في منازلهم بهدف وقف انتشار فايروس كورونا المستجد، دعا ترامب صراحة إلى التصدي لإجراءات العزل.

Thumbnail
وكتب الملياردير الجمهوري رسائل بأحرف كبيرة على حسابه في تويتر “حرروا مينيسوتا!”، “حرروا ميشيغان!” و”حرروا فرجينيا!” بينما يستعد ناشطون، بعضهم مسلح، في هذه الولايات الثلاث التي يحكمها ديمقراطيون أمروا السكان بالبقاء في منازلهم، إلى تحدي قرار السلطات والتجمع في الشوارع.

هذه ليست دعوة لمطالبة الحكومات والدول بتجاهل وباء كورونا، بل على العكس، مطلوب منها أن تبذل كل جهودها لاحتواء الوباء ومنع انتشاره، والأهم الوصول إلى علاج ولقاح بأسرع وقت ممكن. ولكن، إلى أن يتحقق لنا ذلك، نكف عن نشر الذعر، ونركز على حماية المرضى الضعفاء وكبار السن، ونحرص على استمرار عجلة الاقتصاد.

تعمل الحكومات كل ما في وسعها على إبطاء انتشار الإصابات بين الناس لسببين، الأول أن يتم اكتشاف العلاج أو اللقاح، وثانيا حتى لا تزدحم المستشفيات بأعداد لا يمكن التعامل معها في ظل النقص الحاد بالتجهيزات الطبية. ويتم هذا مقابل ثمن مرتفع جدا، على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي.

فايروس كورونا قاتل، لا شك في ذلك، ولكن المعطيات كلها تؤكد أن خطره على الأصحاء والشباب، محدود جدا، وفي الغالب يتعافون بعد التعرض للإصابة، خاصة باتباع بعض النصائح للوقاية ورفع مستوى مناعة الجسم.

ماذا يجب أن نتوقع في حال تأخر العثور على العلاج أو اللقاح؟ يكاد يجمع الخبراء على أن 60 إلى سبعين في المئة من البشر سيصابون بالفايروس، ونسبة 20 في المئة منهم ستكون إصابتهم شديدة تستدعي التدخل الطبي، ومع وجود رعاية صحية جيدة فان نسبة أقل من 1 في المئة من المصابين بالفايروس سيتعرضون إلى فقدان حياتهم.

ما يدفع إلى طرح التساؤلات، هو حالة الذعر والخوف التي تسببت الحكومات في انتشارها بين الصغار والكبار، مع العلم أن تضخيم المخاوف لا ينسجم مع معطيات تفرزها مختبرات علمية، وتبينها بيانات تؤكد أن الفايروس إلى هذا الوقت ضحاياه أقل بكثير من ضحايا الأنفلونزا العادية، التي تبلغ، وفقاً للتقديرات الصادرة عن مراكز الولايات المتحدة لمكافحة الأمراض والوقاية منها وعن منظمة الصحة العالمية، 650 ألف وفاة سنوياً.

ما وراء كل ذلك إذا؟ هل هناك مؤامرة، أم مجرد سوء تقدير؟

لا دليل على وجود مؤامرة، ولكن، الاقتصاد دفع ثمنا غاليا بسبب الإستراتيجية المتبعة في معظم دول العالم؛ إن كانت الدول الغنية التي دعت إلى خطة مارشال قادرة على تحمل كلفتها، فإن الدول الفقيرة عاجزة عن تأمين الاحتياجات الدنيا لمواجهة الوباء، وهي تنتظر مساعدات محدودة للغاية لا تكاد تفي بكلفة العلاج، فما بالك بالتبعات الاجتماعية والاقتصادية الناجمة عن الحصار.

سأقول ما يخشى الكثير التصريح به: ترامب على حق؛ أصغوا إلى أقواله.

 

* كاتب سوري مقيم في تونس



مقالات أخرى للكاتب

  • غزة تفتقد ناجي العلي
  • موقف موسكو الصعب وموقف بكين الأصعب
  • العالم أصبح ذكيا.. ولكن، ماذا ربحنا وماذا خسرنا؟





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي