الإنسان ليس ضعيفاً أمام «كورونا»
2020-04-10
ممدوح المهيني
ممدوح المهيني

يبحث الأطباء عن لقاح لفيروس «كورونا»، وتقوم الحكومات بإجراء تدابير احترازية، ولكن من جهة أخرى هناك من يسعى لاستغلال الأزمة من ناحية فكرية، للترويج لطريقة قديمة ومظلمة في التفكير حول الإيمان بالإنسان والحياة والعلم والمستقبل.

تُتَداول الآن أحاديث ومقولات مختلفة، ولكنها تردِد فكرة واحدة وهي أن الإنسان ضعيف وهشّ وعاجز أمام هذا الفيروس المجهري. هذا الحديث لا يردده فقط الناس العاديون ولكن بعض المعلقين المثقفين كنوع من التأملات الوجودية، ولكنها برأيي تأملات مبالغ فيها وغير منطقية تُستَغل من المتطرفين للتشكيك في قدرة الإنسان وتُقلّل من إنجازاته الحضارية طيلة قرون غيَر فيها عالمنا من مظلم وموحش ومليء بالأمراض إلى عالم حديث مزدهر ومشرق.

مواجهة فيروس «كورونا» والإجراءات الاحترازية لا تعني ضعف الإنسان، بل عقلانيته وواقعيته في مواجهة ظروف غير طبيعية ومن المؤكد أنه سيتجاوزها، ليس بالاعتماد على غيره ولكن بالاعتماد فقط على عقله والعلم الذي راكمه خلال عقود من الكدح الفكري والبحث العلمي المضني (.. ......)، وهذا دليل آخر على عظمته وثقته بنفسه وليس على ضعفه وغروره، كما يرددون.

الإنسان عرف منذ قرون كيف يصنع مصيره بنفسه، معتمداً على إرث طويل من التفكير العقلاني المؤمن بالحياة والمستقبل. إن ما يميز رؤية الشخص المتفائل ويتحكم في شخصيته وتفكيره هو أن المستقبل مثل المنحنى الصاعد في تقدم ونجاح، ولكن التصورات العدمية للحياة هي أن المستقبل في انحطاط وهبوط، لهذا تكثر في أدبيات أصحاب هذه التصورات أحاديث الكآبة والنهايات المأساوية لحياة لم يؤمنوا فيها من الأساس، ولإنسان يشككون في قدراته العقلية وإمكاناته بشكل مستمر.

ولهذا يترافق الحديث عن ضعف الإنسان مع الهجوم المتكرر على الحضارة الغربية والإنسانية عموماً في محاولة للتشكيك في إنجازاتها. يقولون: «إذا كان الإنسان ضعيفاً والحضارة عاجزة، فلماذا علي أن أؤمن بها وهي لم تساعدني وأنا في أمسّ الحاجة إليها». هذه الادعاءات المغلفة بالحكمة مجرد حزمة من الاتهامات المجحفة تستغل أوقات الذعر. لا تبحث عن إجابات بقدر ما تهدف للتقليل من قيمة التطور الحضاري واستبدال تصور آخر عن الحياة به. الهدف ليس الآن، ولكن بعد انتهاء الأزمة من أجل زرع الشكوك بشكل مستمر في قيمة الإنسان والعقل وتطوره.

أنا معجب بالحضارة الإنسانية. خلصتنا من الأمراض ورفعت مستوى الأعمار، وأنقذتنا من مئات الأوبئة. جعلتنا نسكن في البنايات الشاهقة ونقطع العالم في ساعات ونرتدي الملابس الأنيقة ونعيش حياة سعيدة مرتاحة. ومعجب بالإنسان غير الضعيف الذي ابتكر هذا كله. ومن غير الصائب والمنطقي أن أتخلى عن كل هذا وأشكك في كل هذه المنجزات المذهلة بسبب فيروس بدأت عملياً خطوات القضاء عليه، ومن الإنسان نفسه الذي يصفونه بالهشاشة وقلة الحيلة.


*صحفي سعودي

*نقلا عن "الشرق الأوسط"



مقالات أخرى للكاتب

  • أميركا هُزمت أم انتصرت في أفغانستان؟
  • نهاية عربية سعيدة للتاريخ؟
  • بايدن...بين أوباما 2015 أم أيزنهاور 1956؟





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي