المحادثات بين أمريكا وإيران.. بين انطباعات "الخارجية العمانية" وشياطين التفاصيل  
2025-04-21
كتابات عبرية
كتابات عبرية

 

جولة المحادثات الثانية حول الاتفاق النووي، التي جرت أمس في روما بين الوفدين الإيراني والأمريكي، زادت التوقعات ورفعت نسبة الإنجازات المطلوبة منهما. التفاؤل، “الأجواء الجيدة”، و”المحادثات الناجعة”، التي تم تسويقها بعد الجولة الأولى السبت الماضي، استمرت أمس أيضاً، على الأقل حسب التقارير من إيران. ولكن المرحلة المعقدة والأصعب تقترب، وهي المرحلة التي ستنقل المفاوضات إلى المستوى التالي: من النقاش حول الإطار إلى الفحص التقني المفصل، حيث الشيطان والتفاصيل. هذا الجزء من المخطط إجراؤه الأربعاء القادم في سلطنة عمان قبيل جولة المحادثات القادمة السبت، التي سيفحص فيها الطرفان نتائج المحادثات المهنية وتقرير مستقبل العملية الدبلوماسية.

هذه مفاوضات ثنائية، خاصة، بين الإدارة الأمريكية والنظام الإيراني. الشركاء الأوروبيون الذين وقعوا على الاتفاق النووي الأصلي لم يدعوا إليها. الصين وروسيا ليستا على طاولة المفاوضات، حتى إسرائيل ليست بصفة المراقب. فقد أحبرت على إرسال رئيس الموساد دادي برنياع والوزير رون ديرمر إلى روما؛ للالتقاء سراً مع رئيس الوفد الأمريكي ستيف ويتكوف، في محاولة لطرح طلباتها.

واشنطن وطهران اتخذتا قراراً استراتيجياً، وهو البدء بعملية دبلوماسية رغم عدم الثقة بينهما، على أساس قاسم مشترك واحد هو منع الحرب. للوهلة الأولى، هذه الحرب تعتبر تهديداً أحادي الجانب من ناحية أمريكا وإسرائيل لإيران، لكن حسب تصريحات الرئيس ترامب، يمكن الاستنتاج بأنه تهديد بوجهين؛ فترامب الذي يعمل على فصل بلاده عن مناطق الحروب في العالم، بدأ في سحب القوات الأمريكية من سوريا، وأوضح بأنه في الطريق إلى رفع يده عن جهود الوساطة في أوكرانيا. وحسب تقرير “نيويورك تايمز”، أوقف خطة هجوم إسرائيلي ضد إيران. وهو غير متحمس في هذه المرحلة على الأقل لحرب جديدة ضد إيران؛ لأنه خلافاً للحرب بين روسيا وأوكرانيا، فالحرب ضد إيران قد تكون فيها الولايات المتحدة طرفاً نشطاً ومشاركاً، وربما تتعرض لخسائر. هذه هي نقطة الانطلاق التي ستملي أيضاً هامش الاتفاق بين الطرفين وتحدد مستوى مرونة “الخطوط الحمراء” بعد طرح كل طرف لموقفه الافتتاحي.

إيران عرضت تسعة شروط رئيسية لإجراء المفاوضات. وقد تلخصت في منشور نشرته “اكس” لعلي شمخاني، المستشار المقرب من المرشح الأعلى علي خامنئي. وتضمنت هذه الشروط “الجدية، والضمانات، والتوازن، ورفع العقوبات، ليس حسب النموذج الليبي، وتجنب التهديد، والسرعة، ومنع الغزاة الأجانب (مثل إسرائيل) وإعطاء إمكانية للاستثمارات”.

شهادة تأهيل بند الجدية منحها وزير الخارجية العراقي الذي يترأس وفد التفاوض، عندما قال إن “الولايات المتحدة أظهرت الجدية في المحادثات السبت الماضي”. وأمس قبل بدء المحادثات، أعرب عراقجي عن تشككه في جدية نوايا واشنطن، ليؤكد في النهاية بأن المحادثات كانت مثمرة. في نهاية المطاف، لدى خامنئي أيضاً “قاعدة يجب إرضاؤها، وسيطلب من عراقجي، رغم الصلاحيات التي حصل عليها، التعامل بحذر بين الفرص. من جهة أخرى، عليه الدفاع عن قرار خامنئي السماح بإجراء المفاوضات، رغم أنه كان يستبعد قبل شهرين فكرة إجرائها، والإظهار بوجود شخص في الطرف الأمريكي يمكن التحدث معه. من جهة، لا يجب عليه الانحراف عن الخط الحازم الذي يفرض عدم الثقة المطلقة بالولايات المتحدة.

أما مفهوم “التوازن”، فيتعلق أيضاً بالساحة الداخلية في إيران، ما يعني أن إيران تعتبر نفسها متساوية في المكانة والقوة مع الولايات المتحدة. وقد أوضحت بأنها لن تجري المفاوضات تحت الضغط والتهديد. من هنا تأتي أهمية المظاهر والوضوح بطريقة إجراء المفاوضات. طلبت إيران أن تكون سلطنة عمان، وليست الإمارات، الوسيطة والمستضيفة، وألا تكون المحادثات مباشرة. ويتكوف، الذي يعرف قليلاً عن إجراء المفاوضات، لم يتمسك بموقفه. فبدلاً من المفاوضات المباشرة، اكتفى بتبادل بعض الجمل مع عراقجي. ستتطور المواجهة الصعبة حول البنود الأخرى في شروط إيران.

ما الذي يريده الأمريكيون؟

إن أساس الخلاف هو حول قضية تخصيب اليورانيوم ومستقبل المشروع النووي. إيران، التي قررت في السنتين الأخيرتين أن الاتفاق النووي لم يعد ذا صلة، عادت مؤخراً إلى الصيغة القديمة التي وضعتها في 2019، التي تفيد بأنه مقابل رفع العقوبات، ستوافق على العودة إلى إطار القيود التي فرضت عليها في الاتفاق النووي الأصلي الذي سمح لها بالتخصيب تحت رقابة متشددة أكثر من السابق، وكمية محدودة من اليورانيوم بمستوى 3.67 في المئة.

في المقابل، نشرت الولايات المتحدة عدة تصريحات متناقضة، وليس واضحاً حتى الآن أين سيمر “الخط الأحمر”. فقد أعلن ترامب أن الولايات المتحدة تريد شيئاً واحداً، وهو ألا يكون لدى إيران سلاح نووي. مستشار الأمن القومي، مايك وولتز، تحدث عن تفكيك كامل للمشروع النووي والصواريخ البالستية، في حين نشر ويتكوف في غضون يومين تصريحين مختلفين: حسب التصريح الأول، ستكتفي الولايات المتحدة بتقييد تخصيب اليورانيوم بمستوى 3.67 في المئة وعدم طلب تفكيك المشروع النووي. أما التصريح الثاني فقد اتفق مع خط وولتز، وقال إن على إيران تفكيك المشروع النووي، بعد أن أوضح في آذار بأن ترامب يريد “فقط” تأسيس آلية رقابة ناجعة على المشروع النووي.

يمكن الحصول على تلميح بالاتجاه الذي تسير نحوه المفاوضات ربما من بيان وزارة الخارجية العمانية أمس، الذي يفيد بأن “المحادثات تستهدف التوقيع على اتفاق معقول، قابل للحياة وملزم… ويضمن إبقاء إيران نقية تماماً من السلاح النووي وليس عليها أي عقوبات، وأن تحافظ على قدرتها على تطوير طاقة نووية لأهداف سلمية”. إذا كانت الولايات المتحدة مستعدة لهذه النتيجة، فالصياغة المعدة لذلك تستبعد إمكانية تطبيق نموذج تفكيك المشروع النووي في ليبيا على إيران، كما اقترح نتنياهو، وهي تذكر بصيغة الاتفاق النووي الأصلي الذي انسحب ترامب منه في 2018 تحت ضغط نتنياهو. ولكن حتى لو تمت الموافقة على صيغة الإطار هذه، فستبقى تفاصيل تقنية كثيرة، قد تفجر استمرار المفاوضات في أي وقت. مثلاً، من غير الواضح ما ستكون كمية اليورانيوم التي تم تخصيبها بمستوى 60 في المئة، وما الذي سيتم فعله باليورانيوم المخصب بمستوى أقل، الموجود بكمية كبيرة في إيران، وكم من الـ 17 ألف جهاز طرد مركزي التي تعمل الآن، يمكن لإيران مواصلة تشغيلها في إطار السماح الذي ستحصل عليه، هذا إذا حصلت عليه، من أجل تخصيب اليورانيوم. في التصريحات الأخيرة التي نشرت في إيران، هي عارضت بشدة نقل أي مادة مخصبة زائدة إلى دولة ثالثة (حسب الاتفاق الأصلي، نقلت المادة إلى روسيا)، وهي تصر على عدم تدمير أجهزة الطرد المركزي الزائدة، بل تخزنها في أراضيها كضمانة إذا قررت الولايات خرق الاتفاق الجديد أيضاً.

وثمة قضية أخرى معقدة تتعلق باستمرار دور الوكالة الدولية للطاقة النووية، المسؤولة -حسب الاتفاق الأصلي- عن الرقابة على تنفيذ بنوده. منذ 2021 وإيران تمنع مراقبي الوكالة من زيارة المنشآت العسكرية غير المسجلة كمواقع نووية. بعد ذلك، جمدت نقل أفلام الكاميرات للوكالة الدولية للطاقة النووية. في النهاية، أمرت الوكالة بسحب عدد كبير من المراقبين الخبراء، وبالفعل قلصت قدرة الوكالة على القيام بعملها. الأربعاء، زار إيران الأمين العام للوكالة رفائيل غروسي، والسبت وصل إلى روما لمواصلة المناقشات مع عراقجي حول قضية الرقابة، لكن ليس واضحاً إذا توصل الاثنان إلى أي تفاهمات.

الأهم أن شيئاً ليس معروفاً عن تنسيق بين ويتكوف وغروسي، وهل الولايات المتحدة ستقبل بنتائج التفاهمات بين الوكالة الدولية للطاقة النووية وبين إيران. وثمة مسألة أخرى لا تقل أهمية، وهي: إلى أي درجة ستكون التفاهمات مختلفة عن التي تقررت في الاتفاق الأصلي، الذي هو نفسه فيه بروتوكول مفصل وحازم بشكل غير مسبوق، يخضع إيران لآلية رقابة اختراقية أكثر مما هو مطلوب حسب ميثاق منع انتشار السلاح النووي الذي وقعت عليه إيران؟

لكن النقاشات فيما اعتبر “قضايا تقنية” لن تكون تقنية فقط؛ فلهذا المجال دور سياسي أهم، حيث يمكن به أن يبنى استعراض القوة لترامب عندما يأتي لعرض الفروقات المهمة بين الاتفاق الأصلي الذي وقعه عدوه اللدود أوباما وبين اتفاقه، الذي سيمهد طريقه إلى جائزة نوبل. ولكن حتى إيران لها حاجة إلى هذا الجزء الاستعراضي. فهي تطمح إلى عرض أي اتفاق بأنه لا يختلف في جوهره وتفاصيله عن الاتفاق الأصلي، وكشيء إضافي، ستحصل على ضمانات لتطبيقه وبقائه – هذه المرة من نفس ترامب الذي انسحب من الاتفاق الأصلي. هنا قد تتطور منافسة بين القناة السياسية والقناة التقنية – الجوهرية، التي في نهاية العملية ستؤطر خطورة تهديد إيران وستحدد هل يمكن التقدم في المفاوضات وماذا ستكون طبيعة الاتفاق.

 

تسفي برئيل

هآرتس 20/4/2025

 



مقالات أخرى للكاتب

  • إسرائيل بـ"عرباتها" تخفق في تحقيق أهداف الحرب: غزة.. إلى متى؟
  • باحثاً عن مخرج.. هل تنكسر عصي نتنياهو في دواليب ترامب وخطته؟
  • ما أبعاد مرسوم ترامب لحماية الدوحة أمريكياً وإقليمياً ودولياً؟







  • شخصية العام

    كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي