لقادة إسرائيل: لا تفرحوا باحتجاج الغزيين ضد حماس.. والعالم بشأن تهجيرهم: أحلام صيفية  
2025-03-29
كتابات عبرية
كتابات عبرية

 

“حكم حماس انتهى. المنظمة دمرتنا. نحن ضد حكم القمع، وبهذه الوتيرة بعد سنتين – ثلاث سنوات، الكل هنا سيموت. من ناحيتنا، من الأفضل أن يحكمنا سودانيون”، هكذا بوجه مكشوف، أعلن هشام البراوي، مختار إحدى العشائر الكبرى في بيت لاهيا شمال القطاع، في شريط انتشر هذا الأسبوع في الشبكات الفلسطينية. ولاحقاً منح مقابلة صاغ فيها حدة مطالب الغزيين: “نطلب من حماس تحرير كل المخطوفين، وبالمقابل تحرر إسرائيل سجناءنا. لسنا ضد حماس، فهي من لحمنا ودمنا، لكن لا يمكننا العيش تحت حكمهم ويجب رفع أعلام بيضاء”.

منذ 7 أكتوبر لم تشهد مظاهر احتجاج ضد حماس كما هذا الأسبوع في القطاع، ولكن شارك فيها المئات حتى الآلاف ممن يطلقون شعارات حادة ضد المنظمة، مثل “برا برا يا حماس”، أو “شيعة، شيعة”، وهي إهانة شديدة تجاه المنظمة السُنية، شتيمة توازي الاتهام بالكفر. الاحتجاج يتسع بالتدريج. المظاهرات انطلقت في بيت لاهيا، وفي غضون يوم واحد انتشرت إلى جباليا ومدينة غزة والمخيمات الوسطى وكذا إلى منطقة خان يونس.

“ما بدأ هذا الأسبوع لن يتوقف”، يشرح “ع” صحافي كبير من القطاع. ويواصل معه “س”، رجل كبير في فتح من غزة، الذي يقول “غزيون كثيرون، بيأسهم، حطموا حاجز الخوف ويعبرون عن مللهم من الكابوس الذي لا ينتهي”. البروفيسور مخيمر أبو سعده، باحث في العلوم السياسية، انتقل إلى مصر، يقول: “حماس ملزمة هذه المرة أن تفهم بأن هذا ليس مجرد احتجاج “بدنا نعيش” الذي كان في الماضي ولم يهددهم. إذا لم يكن استماع للشعب، فقريباً ستنشأ صدامات فلسطينية داخلية في غزة”.

ومن السابق لأوانه تأبين حماس أو الإعلان عن بدء “ربيع غزة”. فالاحتجاج يعبر عن معاناة سكان القطاع لكنه لا يصبح مواجهة مباشرة مع حماس التي يتعاطف معها جزء مهم من الجمهور. الاحتجاج يبدو كانفجار عفوي لم يجمع كتلة حرجة، بدون قيادة أو إطار تنظيمي أو أجندة مرتبة. والأهم أن حماس لم تقل كلمتها بعد. المنظمة تتابع عن كثب التطورات ولن تتردد في إغراقه بالدم إذا ما شعرت بأنه يشكل تهديداً وجودياً لها.

تنظر إسرائيل برضى إلى ما يجري في القطاع، بل وترى فيه تعبيراً عن نجاح السياسة المتبعة. في تصريح أطلقه وزير الدفاع كاتس للجمهور الغزي أول أمس، كان هناك تشجيع علني: “طالبوا بطرد حماس من غزة والتحرير الفوري لكل المخطوفين. هذا هو الطريق الوحيد لوقف الحرب”. حماس من جهتها، بدأت حملة ادعت فيها بأن الاحتجاج تحركه إسرائيل والسلطة، ومن يشارك في المظاهرات يساعد العدو. حتى الآن، لا مؤشرات على مرونة من جانب حماس في موضوع الحرب أو المفاوضات على المخطوفين، والمنظمة تتمسك برسالتها الثابتة: التحرير مقابل وقف الحرب والانسحاب من القطاع.

***

يتابع العالم العربي التطورات في غزة، لكنه قلق من خطوة أخرى عمل عليها وزير الدفاع هذا الأسبوع: إقرار إقامة “مديرية انتقال طوعي” تحقق رؤية ترامب لإفراغ القطاع وتحويله إلى “ريفييرا شرق أوسطية”. يترافق المشروع ومحاولة لخلق أجواء متفائلة مثلما يظهر من تقارير غير متوازنة حول “مجموعة غزيين كبيرة أولى سافرت إلى الخارج” (عملياً، سافر 70 شخصاً من ذوي الجنسية الأجنبية كعلاجات طبية في إيطاليا ورومانيا)، أو “ارتفاع حاد في عدد المغادرين للقطاع”، فيما الحديث يدور عملياً عن نحو 200 كل أسبوع من أصل عدد سكان بنحو مليوني نسمة.

إقامة المديرية تفاقم الضرر الذي سبق أن لحق بإسرائيل في ضوء الحماسة التي تبديها لخطة ترامب منذ شهرين. وزارة الخارجية السعودية – التي توضح بأنه لا تطبيع دون البحث في الموضوع الفلسطيني، شددت هذا الأسبوع: “نشجب بشدة بيان سلطات الاحتلال الإسرائيلي عن إقامة المديرية”. وسارت مصر والأردن وقطر في أعقاب الرياض في بيانات مشابهة.

في الخلفية، تنشر إسرائيل– تبدو أحياناً كأحجية تافهة، عن دول أو شبه دول يزعم موافقتها على استيعاب غزيين. المشترك في كل هذه التقارير أنها تنفى نفياً قاطعاً بعد وقت قصير من النشر. كما في حالة ألبانيا التي ادعى رئيس وزرائها أيدي راما، بأنها أنباء ملفقة. وكذلك الحال مع السودان وإندونيسيا ومصر، التي قيل إنها وافقت على استيعاب نصف مليون غزي في أراضيها مؤقتاً. “القاهرة ترفض كل محاولة لاقتلاع الغزيين، وترى في ذلك تهديداً على أمنها القومي، كما جاء في بيان وزارة الإعلام المصرية.

وكانت الذروة في تقارير عن كيانات مثل أرض الصومال وفونت لاند، الإقليمين اللذين انفصلا عن الصومال في التسعينيات. “للتركيز الإسرائيلي والأمريكي على أرض الصومال ثمة منطق استراتيجي عميق”. يشرح الباحث المصري د. راغب السرجاني. “هذه منطقة فقيرة لكنها ذات أهمية جغرافية استراتيجية تقع قرب مضائق البحر الأحمر وتسيطر على الحركة لقناة السويس. وأي وعد بالاعتراف والمساعدة قد يشكل إغراء لتنفيذ خطة ترامب في هذه المنطقة”. الباحث الصومالي د. علي كيلاني، يدعي: “هذا حلم صيف يجسد صفر فهم الصوماليين الذين يعارضون الفكرة معارضة تامة”.

***

الرضى في إسرائيل عظيم لدرجة أنهم لم ينتبهوا إلى أن واضعي الخطة بدأوا يفقدون الاهتمام بها. فقد أعلن ترامب قبل نحو أسبوعين بأنه لا يعتزم طرد فلسطينيين من القطاع، وقال مبعوثه إلى المنطقة ستيف ويتكوف قبل أسبوع في مقابلة أثارت أصداء، إن واشنطن معنية بإعمار غزة، لكنه لم يذكر إخلاءها من السكان على الإطلاق. ويقول: “مطلوب خطوة متداخلة تتضمن استثماراً في البنى التحتية، السكن، العمل، التعليم، الصناعات المتطورة. الغزيون يحتاجون إلى أمل، ومن الواجب خلق أفق لهم في القطاع”.

الفجوة بين إسرائيل والعالم في موضوع خطة ترامب تجسد مرة أخرى – مثلما في مرات عديدة بعد 7 أكتوبر – بأن خيالات وأماني وأفكاراً تسيطر على خطابنا وتصبح أقوى من خطط واعية. هكذا كان مع فكرة نظام العشائر في غزة بدلاً من حماس، ومع أملنا بحكم مصري أو إماراتي لغزة وتقوم بالعمل الأسود بدلاً منا. إن التمسك بالأحلام يؤدي إلى إضاعة الوقت والمقدرات، ويوقع أضراراً ويصرف الانتباه عن المواضيع الأساسية وعلى رأسهم المخطوفون.

بين هذا وذاك، بات الإسرائيليون ملزمين بأن يتساءلوا عن هدف المعركة التي تدور رحاها الآن في غزة، الأمر الذي تمتنع القيادة السياسية والأمنية عن شرحه للجمهور. على هذه الخلفية، يثور اشتباه بأن الغاية هي احتلال كامل للقطاع، الأمر الذي معناه التخلي عن المخطوفين، الذين تقترب فرصة تحريرهم في ظل حرب إبادة لحماس إلى الصفر. هذا أيضاً مدخل لتغيير استراتيجي دراماتيكي في ضوء الثمن الأمني، الاقتصادي، الاجتماعي والسياسي الجسيم وعديد السنين الذي سيفترضه احتلال غزة والبقاء في المنطقة بلا حدود زمنية. هذه مهمة يبدو أنه لا مفر من تنفيذها في المدى البعيد، لكن المشكوك فيه أن قيادة أنتجت 7 أكتوبر وتفتقر إلى الشرعية، تخوض خطوة تاريخية كهذه.

 

ميخائيل ميلشتاين

يديعوت أحرونوت 28/3/2025



مقالات أخرى للكاتب

  • إسرائيل بـ"عرباتها" تخفق في تحقيق أهداف الحرب: غزة.. إلى متى؟
  • باحثاً عن مخرج.. هل تنكسر عصي نتنياهو في دواليب ترامب وخطته؟
  • ما أبعاد مرسوم ترامب لحماية الدوحة أمريكياً وإقليمياً ودولياً؟







  • شخصية العام

    كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي