أمير الشعراء في أبوظبي
2024-12-07
فاروق يوسف
فاروق يوسف

هل يحتاج الشعراء إلى إمارة يقيمون فيها وهم يتخيلون العالم كله وقد صار رهن رغبتهم في تغييره؟

كان تغيير العالم والحياة معا تعبيرا مشتركا بين ماركس فيلسوفا ورامبو شاعرا. فشل الاثنان في حياتهما المباشرة غير أن العالم كان يتغير سواء بتأثير الفلسفة أو بتحريض من الشعر.

ذلك ما كان نوعا من البداهة لسيد الشعر العربي أبي الطيب المتنبي الذي أعاد صياغة العالم بما يتلاءم مع عبقرية خياله. كان كل شيء طوع يديه من أصغر الكائنات حتى أكبر الكواكب.

نجح المتنبي في أن يضفي على الشاعر هالة فخامة لم يجرؤ الشعراء من قبله ومن بعده على التصريح بإيمانهم بها، كونها حقيقة لا تقبل الجدل. أما أحمد شوقي فإنه يمثل حالة خاصة بين الشعراء العرب.

لم يكن شوقي وارث المتنبي الذي كان صعبا وهو يمتحن الحياة كما لو كانت عدوا فيما تلذذ شوقي كثيرا بما تنطوي عليه الحياة من متع حسية.

وأمير الشعراء لم يقتله شعره كما حدث مع المتنبي. تلك الفكرة التقطتها هيئة أبوظبي للتراث لتصنع منها برنامجا تحييه كل سنتين.

لمَ لا يكون هناك أمراء مؤقتون للشعر؟ أولا لأن هناك حاجة إنسانية دائمة إلى الشعر، وثانيا لأن تلك الحاجة لم تعد غامضة أو أنها يجب ألّا تكون كذلك. أما ثالثا وهو الأهم فإن التفاعل الشعبي مع البرنامج كان استفتاء على نجاحه.

سيُقال إنها فكرة لتصنيع الشعراء. وهي فكرة غير عملية؛ ذلك لأن الشعراء وهم خلاقو أساليب جديدة في التعامل مع اللغة لا يمكن تعليبهم كما لو أنهم بضائع جاهزة.

ولكن يبقى المشروع مغامرة لا تحتاج إلى من يدافع عنها. علينا أن نفصل ما بين اللقب التاريخي الذي حاز عليه أحمد شوقي بترف وغنج وبين المحاولة الجديدة التي تهدف إلى تشجيع الشباب على كتابة الشعر.

لن يكون أمير الشعراء في سنته وارثا لأحمد شوقي. تلك كذبة أكدتها واقعة تتويج محمود عباس العقاد وارثا للقب أمير الشعراء بعد وفاة شوقي.

ولأن التنافس بين الشعراء تقليد عربي قديم حيث كانت هناك دائما أسواق للشعر فإن ما تشهده أبوظبي كل سنتين لا يخرج عن نطاق محاولة استعادة خصوصية روحية متوارثة طغى عليها ضجيج الحياة المعاصرة؛ ذلك لأن الشعر حين يعود إلى حياة الناس ويصبح جزءا من سؤالهم اليومي يسمو بالمزاج البشري ويضفي نبلا شديد النقاء على طبائعه.

ولهذا يمكن القول إن إقامة إمارة للشعر هي نوع من الاستحضار لأكثر خصائص الروح البشرية نبلا وبهاء.

*كاتب عراقي
*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس - العرب



مقالات أخرى للكاتب

  • صفحة الأسد التي طُويت
  • ترامب عاد.. يا إيران اذهبي إلى الوراء
  • إيران الأميركية بعد الحرب






  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي