
سقوط ستة مقاتلي غولاني أول أمس هو صفعة أليمة. ليس فقط بسبب الوجوه الشابة والجميلة التي تطل من صورهم، والمستقبل الواعد الذي اقتلع، ولا بسبب مدى الثكل الذي بات يطفو فوق ضفافه منذ زمن بعيد، بل وتضاف إليه كل أسبوع عائلات تغيرت حياتها إلى الأبد.
الصفعة تلقيناها من الواقع. هي الفجوة التي بين التصريحات وما يحصل على الأرض. بين الأقوال عن هزيمة حماس في غزة وبين خمسة القتلى هناك هذا الأسبوع فقط. بين التصريحات عن النصر في لبنان والثمن الباهظ الذي يدفع بالدم، وبأضرار أخرى أيضاً – باستمرار القصف لبلدات الشمال القريبة من الحدود، وبالحياة غير الحياة في نهاريا وعكا وخليج حيفا، وبالثمن الاقتصادي والنفسي المتصاعد الذي يدفعه الكثيرون على إطالة الحرب وعلى حلول جزئية أو غير كافية تمنحها لهم الدولة.
في هاتين الساحتين، غزة لبنان، لإسرائيل إنجازات مبهرة. حماس بالفعل فككت عسكرياً لكنها تعمل بأشكال مختلفة من حرب العصابات التي تحاول ترميم ذاتها وإيقاع الأذى. حزب الله تعرض لضربات هي الأقسى في تاريخه – من قطاع رأس قيادته العسكرية والسياسية وحتى ضرب منظوماته العملياتية – لكنه بعيد عن أن الهزيمة، التي لا تغيب عن جدول الأعمال: فقد أوضحت إسرائيل بأن لا نية لها لاحتلال لبنان. وأن كل أفعالها موجهة الآن لاتفاق يسمح بإنهاء الحرب في أقرب وقت ممكن قبل أن يرتفع الثمن الدموي وتتآكل الإنجازات.
من يبحث عن النصر عن طريق علم أبيض أو اتفاقات استسلام يتحدث بتعابير غير ذات صلة. منظمات الإرهاب لا تتصرف كالدول؛ فهي كيانات تتغير بسرعة، ولا طريق حقيقياً لهزيمة الفكرة التي تقبع في وجودها. انظروا إلى “القاعدة”، إلى “داعش”، اللتين ما زالتا رغم الضربات التي تلقتاها. منظمتا حزب الله وحماس باقيتان. السؤال هو كيف؟ مفهوم النصر يجب فحصه في طرق أخرى. انظروا ما حصل في غزة. الدمار الهائل، يأس السكان، ابتعاد الكثيرين منهم عن حماس التي ترمز إلى كارثتهم الخاصة والوطنية. انظروا ما حصل في لبنان. الجسارة المتجددة لجهات ليست حزب الله على الحديث عن واقع آخر، والخطاب الذي يجري مع محافل دولية مختلفة عن لبنان آخر، وربما أيضاً عن سوريا أخرى.
يبدو هذا كالهذيان في هذه اللحظة، ولكن للواقع آلية خاصة به. قبل بضعة أسابيع، كتبت هنا عن الاحتمال الذي نشأ عن الحرب لإخراج الرئيس الأسد من محور الشر الإيراني ووضعه في مكان أكثر سوياً. كي يحصل هذا مطلوب أمران: الأول، الجيوب العميقة لدول الخليج. والثاني إزالة الأسد وسوريا من قائمة المنبوذين لدى الإدارة الأمريكية. الموضوع الأول في متناول اليد، أما الثاني فمتعلق بإدارة ترامب الجديدة التي لا بد ستكون محاوراً أكثر إنصاتاً لاحتياجات إسرائيل، ونأمل في أن يؤدي نفورها المعلن من إيران بها أيضاً إلى خطوات استراتيجية تعيد تصميم المنطقة.
لكن للنصر العملي، بخلاف النصر التصريحي، أرجلاً أخرى. هو في غزة متمثل بالمخطوفين: بدون عودتهم إلى الديار، لا يوجد نصر ولن يوجد. في الشمال، هذا واقع آخر: بدون منطقة حدود جديدة، آمنة أكثر، لا مجال للحديث عن عودة السكان إلى الديار، وبدون عودة السكان وإعادة بناء هذا الإقليم، فلا يوجد ولن يوجد نصر. كي يحصل هذا في الشمال، مطلوب أيضاً تصميم يلزم، ربما، بالعودة بين الحين والآخر إلى القتال لاقتلاع محاولات التعاظم أو التموضع لحزب الله، حتى بثمن أذى موضعي للحياة الطبيعية. سيكون طريق تعويض السكان بالمال وبالمعاملة: بتخفيض الضرائب، بتشجيع الاستثمارات، بإقامة بنى تحتية جديدة – من المواصلات، عبر المستشفيات وحتى أماكن العمل – كي تكون هذه هي النصر الحقيقي.
إسرائيل اليوم 15/11/2024
يوآف ليمور