ما شكل الدور الفرنسي في لبنان بعد “اليوم التالي” للحرب؟
2024-10-15
كتابات عبرية
كتابات عبرية

يتفق معظم باحثي الشرق الأوسط على أن لبنان ولد بالخطيئة. في تموز 1920 بعد أن سيطر الفرنسيون على المنطقة السورية – اللبنانية الحالية، عملوا كي يضعفوا الحركة القومية العربية على توسيع الاستقطاب الطائفي وعلى تعزيز الانقسامات الاجتماعية. لم تكن سوريا قد ولدت بعد، وكان لبنان مقاطعة من الحكم الذاتي. كان للمحتلين الفرنسيين بديلان، مثلما كتب روبير دي كا، مستشار الجنرال انري غورو، المندوب الفرنسي السامي الأول لسوريا ولبنان: “إقامة أمة سورية، ليست موجودة بعد… بينما تجسر الصدوع العميقة التي تشقها أو التطوير والإبقاء على الظواهر التي يوفرها هذا الانشقاق والتي تحتاج إلى حسمنا. الإمكانية الثانية هي التي تهمني”. اختارت فرنسا سياسة “فرق تسد” لمعرفتها الواضحة بأن التفريق والاستقطاب سيخلقان دولاً جديدة وسيساعدانها في السيطرة على المنطقة.
عملياً، أقيم لبنان لهذا الهدف بالضبط: خلق أساس متين للسيطرة الفرنسية على الشرق الأوسط من خلال الطائفة المسيحية، وأساساً المارونية، في بلاد الأرز. وانطلاقاً من النظرة إلى مصالح ضيقة ورؤية إمبريالية، اختارت فرنسا نزع أراض من المجال السوري، وخلق سكان مسلمين مع مسيحيين وإقامة دولة من لا شيء. في 1 أيلول 1920 استيقظ سكان تلك المناطق، وبينهم مسيحيون وشيعة كثيرون من البقاع اللبناني، من طرابلس ومنطقة الشاطئ بما فيها بيروت، على هوية جديدة – لبنانية.
في 1 أيلول 2020 احتفل اللبنانيون بيوم الميلاد الـ 100 الحزين لدولة في انهيار. الانفجار الذي وقع في مرفأ بيروت قبل بضعة أسابيع من ذلك، تسبب بموت 218 شخصاً وإصابة نحو 7000. المئات فقدوا بيوتهم، واعتبرت بيروت منطقة منكوبة. أضيء مبنى بلدية تل أبيب بألوان العلم اللبناني على سبيل التضامن. وبعث رئيس الوزراء نتنياهو بتعازيه، وعرض مساعدة إنسانية.
ليست إسرائيل وحدها هي التي عرضت المساعدة؛ فالعالم كله تجند في صالح لبنان وعلى رأسه فرنسا، السيدة التقليدية. جاء الرئيس ماكرون في زيارة عاجلة إلى بيروت، تصافح مع الناس وشاركهم حزنهم. سمع صراخات الناجين، من سكان الأحياء المدمرة. لكن طلبات المساعدة من جانبهم لم تكن مرتبطة فقط بالمساعدة المادية. فقط طلب اللبنانيون المساعدة في الحرب ضد الفساد، الذي أدى إلى الانهيار الاقتصادي وبخاصة ضد حزب الله، الذي سرق دولتهم. سمع ماكرون، تفهم وقال: “فرنسا لن تترك اللبنانيين. مصائرنا مرتبطة بروابط الزمن، والروح، والنفس، والثقافة والأحلام”.
لم يتغير شيء في لبنان. ومثلما في الماضي، سعت فرنسا لتضمن مصالحها.
حسب معطيات الأمم المتحدة حول التجارة الدولية، كانت فرنسا صدّرت للبنان حتى العام 2023 بضائع بقيمة 376.5 مليون دولار. وبلغ حجم الاستيراد الفرنسي من لبنان نحو 100 مليون دولار. كما أن شركات فرنسية تعمل في لبنان تشغل نحو 6300 مواطن محلي. المجمع التجاري الذي تقف شركة توتال الفرنسية على رأسه يواصل التنقيب عن الغاز في المجال البحري اللبناني، وشركات فرنسية أخرى استثمرت ملايين الدولارات في إعمار مرفأ بيروت وغيره من البنى التحتية اللبنانية.
وعليه، فإن التسيد الفرنسي يشكل عاملاً مهماً للفرنسيين أكثر منه للبنانيين، الذين تمزقهم مسائل الهوية، ونزاعات داخلية وصراعات بقاء. عملياً، فرنسا القرن الحادي والعشرين، تلعب دور القوة العظمى الإمبريالية من القرن التاسع عشر والعشرين. ولما كان ما يهمها هو القدرة على عرض نفسها بدور القوة الأوروبية العظمى؛ قوة مع خطوات دبلوماسية وسياسية في ساحة الشرق الأوسط المعقدة، حيال لاعبين آخرين بل وأقوى منها، حيال السوق اللبنانية والمرابح التي تستخلصها منها، فإن كل صيغة ترتيب في لبنان في اليوم التالي للحرب سيتعين عليها إدخال العامل الفرنسي إلى المعادلة.


د. يهودا بلنجا
إسرائيل اليوم 15/10/2024



مقالات أخرى للكاتب

  • هل تؤتي ثقافة المافيا التي اتبعتها إدارة ترامب ثمارها في الشرق الأوسط؟
  • إسرائيل بـ"عرباتها" تخفق في تحقيق أهداف الحرب: غزة.. إلى متى؟
  • باحثاً عن مخرج.. هل تنكسر عصي نتنياهو في دواليب ترامب وخطته؟







  • شخصية العام

    كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي