ما الذي تغير في سلم أولويات نتنياهو حتى يتطلع لحرب شاملة مع "حزب الله"؟  
2024-09-21
كتابات عبرية
كتابات عبرية

 

كان هذا الأسبوع الذي انتقل فيه ثقل الحرب كما يبدو نهائياً من الجنوب إلى الشمال، بعد سنة تقريباً من القتال بدون أي حسم. منذ بضعة أشهر ووزير الدفاع غالنت وكبار قادة الجيش الإسرائيلي يتوسلون لرئيس الحكومة لتقليص حجم القتال في القطاع وإعلان انتصار (غير مرتبط بالضبط بالواقع) أمام الذراع العسكري لحماس، وتحرير القوات إلى ساحة لبنان قبل احتمالية اندلاع حرب شاملة مع حزب الله. نتنياهو، لأسبابه الخاصة، أخر القرار. وفضل حرب الاستنزاف في غزة بدون الانجرار إلى مواجهة شاملة في الشمال. يبدو أنه اعتقد أن بإمكانه مواصلة خداع الجمهور، منتظراً نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية.

في الفترة الأخيرة شيء ما تغير في سلم أولوياته، تصعب معرفة ما هي بالضبط منظومة اعتباراته، ربما خشي من ازدياد الشعور باليأس في أوساط الجمهور، في الوقت الذي 60 ألف شخص من سكان الشمال أخلوا بيوتهم بدون موعد للعودة. وقد أدمج ذلك بالعملية التي بادر إليها التي تتباطأ في هذه الأثناء لعزل غالنت من منصبه واستبداله بساعر.

حسب وسائل الإعلام الأجنبية، ثار في اللحظة الأخيرة موضوع عملياتي مستعجل. شك حزب الله بأن إسرائيل فخخت أجهزة البيجر خاصته، وأرسل بعض الأجهزة لفحصها في إيران. هذه الأجهزة، حسب تقرير موقع “مونيتر”، تم تفجيرها من بعيد في طريقها إلى هناك للتشويش على التحقيق. عندها تم تفعيل الهجوم على أجهزة البيجر الثلاثاء بعد الظهر، خوف أن يكشف التحقيق في إيران الخطة ويمنع استخدامها مستقبلاً، حتى لو كانت الأكثر مناسبة لاستخدامها كضربة افتتاحية في حال شن حرب شاملة.

في الموجة الأولى، التي ركزت على المنظومة التي استخدمها حزب الله من جديد مؤخراً بتوجيه من رئيس الحزب حسن نصر الله للتملص من تعقب إسرائيل، انفجرت آلاف الأجهزة. عشرة أشخاص معظمهم أعضاء من حزب الله قتلوا وأصيب الآلاف. في اليوم التالي، توسع الأمر ووصل إلى أجهزة اتصال تكتيكية. قتل في هذه الموجة 20 شخصاً وأصيب المئات في أرجاء لبنان. ضرب أجهزة البيجر كان دقيقاً جداً، لأنه ركز على الأجهزة التي بحوزة النشطاء بشكل روتيني. في حين أن أجهزة الاتصال تم تخصيصها للاستخدام في حالات الطوارئ ويتم الاحتفاظ بها بشكل عام في مخازن تنظيمية أو خاصة. يبدو أن الضرر هنا كان أقل تركيزاً. يمكن الافتراض أنه تم الأخذ في الحسبان الخوف من “احتراق” الخطة بعد تفجير أجهزة البيجر. وحتى الآن بأثر رجعي، يثور سؤال: هل الضربة الثانية هي التي ستجعل حزب الله يرد بشدة أكبر؟

حتى أمس، امتنع حزب الله عن القيام بردود استثنائية في مركز البلاد، لكنه زاد النيران على الحدود الشمالية. قتل جنديان إسرائيليان وأصيب عشرة جنود بصاروخ مضاد للدروع ومسيرات. إسرائيل، والمنطقة جميعها، بقيت متأهبة قبل خطاب حسن نصر الله في بيروت بعد الظهر. اعترف حسن نصر الله في الخطاب بأن “هذه هي الضربة الأكثر قسوة التي تلقيناها”. وأضاف بأن الحزب سيواصل القتال ما لم يتم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة. وقد وصف هجوم إسرائيل كإعلان حرب على حزب الله ووعد بالرد الحقيقي. بشكل طبيعي، هو الذي يعطي الموعد المحدد، لكننا نفهم من أقواله بأن القرار وتنفيذه قد يستغرق وقتاً. إذا كانت إسرائيل تأمل بواسطة هذه العملية فصل غزة عن لبنان، فإنه تعهد بعكس ذلك على الأقل بشكل علني.

هذا الأسبوع حدث تصعيد دراماتيكي يرفع خطر اندلاع حرب شاملة. مع ذلك، يصعب حتى الآن تشخيص عملية محتمة لا يمكن منعها، التي نهايتها حرب مؤكدة. تعرض حزب الله لضربة شديدة في منظومته العملياتية ويشعر بالإهانة والتشويش، إلى درجة صعوبة في تفعيل سلسلة القيادة والسيطرة. كيف يمكن لحسن نصر الله وأسياده في إيران الحسم بين سلسلة احتمالات: رد مراقب يثبت أن إيران لم تتنازل عن الحرب رغم محاولة إسرائيل الفصل بين غزة والشمال؛ أو الخروج إلى حرب شاملة؛ أو إعطاء فرصة أخرى لجهود الوساطة الأمريكية مهما كانت احتمالية ذلك ضئيلة.

رغم التهديدات السادية على جانبي الحدود، فإن لبنان وإسرائيل تدركان ثمن الحرب. لن يكون هناك حسم سهل، بل مناوشات متبادلة، كثيرة الإصابات، أيضاً في الجبهة الداخلية. يتوقع أن يكون في إسرائيل ولبنان إصابة شديدة للبنى التحتية والمناطق المأهولة، وسيكون الدمار والقتل بحجم وقوة غير مسبوقة للدولتين. لإسرائيل أفضلية استخبارية وتكنولوجية واضحة، تجسدت في الفترة الأخيرة (التي امتنعت عن تحمل المسؤولية عنها بشكل رسمي). في وضع ينشر حزب الله قواته بشكل دفاعي أمام عملية برية، فسيكون التحدي أكثر تعقيداً في ساحته الداخلية في جنوب لبنان.

تفضيل حسن نصر الله وإيران واضح؛ فمنذ انضمام حزب الله للحرب في 8 تشرين الأول الماضي، فقد اختار البقاء في إطار القتال ضدنا، وإطلاق الصواريخ والمسيرات والصواريخ المضادة للدبابات بدون اختراق أراضي إسرائيل أو مهاجمة تل أبيب وحيفا. الهجمات الأخيرة ضده تقتضي منه إعادة النظر في هذه السياسة والتقرير إذا كان يمكنه الحفاظ عليها، في حين ازداد الثمن الذي دفعه. مراسلون متماهون مع حزب الله تطرقوا مؤخراً علناً إلى الاحتمالات التي تقف أمام حزب الله، من بينها هجوم مركز لقوة “الرضوان” (التي قتل كثير من قادتها وأصيبوا في التفجيرات الأخيرة) على موقع عسكري إسرائيل على الحدود الشمالية أو إطلاق الصواريخ بعيدة المدى والدقيقة نحو مركز البلاد.

أعلن الجيش الإسرائيلي أمس بقتله اثنين من رجال حزب الله اقتربا من موقع “تسيبورين” على الحدود الشمالية. من الواضح أن الخطوات التي ستفحصها بيروت بعد الهجمات فإن ستكون أوسع من وضع عبوة ناسفة قرب موقع عسكري. فيما يتعلق بالصواريخ، اعتبرت إيران وجود احتمالية كرد على هجوم مستقبلي لإسرائيل ضد المنشآت النووية في إيران. في هجمات هذا الأسبوع، قتل وأصيب عدد من الإيرانيين، من بينهم رجال من حرس الثورة. إزاء خطورة الوضع أو الغضب على المصابين، هل ستصادق طهران لحسن نصر الله على استخدام السلاح الاستراتيجي الذي حصل عليه منها؟

بعد الهجمات، نشر أن الجيش الإسرائيلي ينقل الفرقة 98 إلى قيادة المنطقة الشمالية. على شارع 6 ظهر الكثير من ناقلات الدبابات وناقلات الجنود المدرعة في طريقها إلى الشمال في الأيام الأخيرة، مما لم يعلن عن تجنيد الاحتياط بشكل واسع وفوري فستظهر هذه العملية بأنها ليست سوى تعزيز للدفاع، وربما إشارة تهديد لحزب الله، أكثر مما هي استعداد لشن عملية برية. يتابع لبنان الآن بعصبية أي عملية وتصريح من الجانب الإسرائيلي، ولكننا ما زلنا في ذروة لعبة تنس الطاولة. الأمور مرهونة بشكل كبير بخطوات حسن نصر الله – أي رد حزب الله، وبعد ذلك رد إسرائيل عليه.

بعد الصدمة الأولى التي أحدثتها التفجيرات، بات حزب الله بحاجة إلى وقت لينهض. ليست وسائل اتصالاته السرية ومنظومة القيادة هي التي أصيبت فحسب، بل نشأت أزمة ثقة مع النشطاء الذين يرون أن الحزب هو من وفر لهم الأجهزة التي قتلت وأصابت أصدقاءهم. والجمهور اللبناني المتعب والخائف صرخ في وجه الخطر الكامن في انتشار مقرات الحزب ومعسكراته داخل القرى والمدن، ومن المرجح أن الهجوم الثاني يزيد الضغط على حسن نصر الله للتحرك بسرعة. وقد يؤثر ذلك على اعتباراته ليقوم برد أكثر شدة على خلفية التحدي الذي وضعته إسرائيل أمامه.

ربما قيادة إسرائيل مصممة أقل مما يبدو أيضاً. فنتنياهو صادق على خطوات هجومية استثنائية، لكنه لا يسارع إلى شن حرب، وما زال يخطط كما يبدو للسفر إلى الجمعية العمومية في نيويورك في الأسبوع القادم. وحصل غالنت من نتنياهو على هجوم مسموم، حاول عرضه كجبان ومتردد في الساحة الشمالية، ومنذ ذلك الحين اضطر إلى التساوق مع الخط الهجومي العلني لرئيس الحكومة. أما رئيس الأركان هرتسي هليفي، المجروح من أحداث 7 أكتوبر، فليس في موقف يمكنه فيه التشاجر بحرية مع نتنياهو أو مع جهات رفيعة أخرى في المنظومة، التي تدفع نحو خطوات نهايتها التصعيد.

جنرالان في الاحتياط موجودان سياسياً في الوسط – يسار، يئير غولان وإسرائيل زيف، تحدثا مؤخراً لوسائل الإعلام عن الحاجة لدخول بري إلى جنوب لبنان، وإقامة حزام ضيق وراء الحدود في محاولة لإبعاد حزب الله عن خط إطلاق نار مباشر على المواقع العسكرية والمستوطنات. هناك من يوصون أيضاً بالقيام بعملية لاحتلال المنطقة حتى نهر الليطاني. في المقابل، تسمع اقتراحات لعملية جوية كثيفة لبضعة أيام، وضرب المواقع العسكرية المهمة لحزب الله.

كل هذه الأفكار صياغات متعددة لحرب محدودة. من غير المؤكد أنه في حالة التدهور إلى مثل هذه السيناريوهات أن بإمكان إسرائيل التوقف. هناك تفكير بأن المجتمع الدولي، لا سيما الولايات المتحدة، سيتدخل وسيطبخ اتفاقاً بدون التدهور إلى مواجهة شاملة. هذا رهان على آلية التوقف المشكوك بأن تكون في متناول اليد. وللدخول إلى مثل هذه المعركة، على الجيش التأكد من أن لديه وحدات جاهزة ومخزون احتياط وذخيرة مناسبة، وأن المستوى السياسي بحاجة إلى مستوى تنسيق بالحد الأقصى مع الإدارة الأمريكية.

احتفل اليمين المتطرف هذا الأسبوع بالتفجيرات القاتلة في لبنان ووزعوا الحلوى، وكأننا وصلنا أخيراً إلى الفضاء. سياسيون ومغردون انفعلوا جداً من الإنجاز العملياتي المؤثر بحماسة لا تناسب إلا فتياناً في حركة الشبيبة. ولكن الواقع فوضوي وصعب حتى عندما مع تفوق إسرائيل. بعد النجاح الاستخباري والعملياتي، بقيت المشكلات الاستراتيجية على حالها. نحن على بعد شعرة من الحرب في الشمال، التي ستكون مختلفة عن كل ما شاهدناه هناك في السابق.

 

عاموس هرئيل

هآرتس 20/9/2024



مقالات أخرى للكاتب

  • هل تؤتي ثقافة المافيا التي اتبعتها إدارة ترامب ثمارها في الشرق الأوسط؟
  • إسرائيل بـ"عرباتها" تخفق في تحقيق أهداف الحرب: غزة.. إلى متى؟
  • باحثاً عن مخرج.. هل تنكسر عصي نتنياهو في دواليب ترامب وخطته؟







  • شخصية العام

    كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي