الهوية فى الإقليم
2024-08-30
عبد المنعم سعيد
عبد المنعم سعيد

يبدو لى أن هناك أزمة هوية وطنية فى الإقليم تقف وراء ما نراه من صراعات محلية وحروب أهلية تفجرت إما بفعل مواريث تاريخية، أو أن بعضا من رياح «الربيع العربى» فككت روابط مشتركة وتركت بعد ذلك جميع سكان الدولة فريسة توترات وتمزق وحرب أهلية. النموذج المصرى الذى قام على تراكم طبقات التماسك بين عناصر الأمة كلها جعل «الدولة الوطنية» الحديثة ليس فقط ممكنة وإنما قادرة على التعامل مع نفسها ومع العالم الخارجى بهوية أولا متميزة، وثانيا شخصية واثقة من نفسها ومكانتها. مرتان فى مطلع العقد الثانى من القرن الحادى والعشرين اختبرت متانة الهوية المصرية؛ مرة عندما سرت الفوضى فيما سمى ثورة يناير؛ ومرة عندما تولى الإخوان المسلمون السلطة. فى كل مرة نجحت مصر، وكان حبل الوصل هو القوات المسلحة، ومن وقف إلى جانبها فى 3 يوليو 2013 ممثلون للأزهر والكنيسة القبطية وحركة تمرد التى بدأت تصويتا شعبيا ضد الإخوان، والمرأة والمجتمع المدني. لم تتبعثر الأمة ولا اقتتلت، وإنما بدأت مشروعا وطنيا للتنمية والتقدم.

ولكن ذلك لم يحدث فى العديد من دول المنطقة، انقسمت ليبيا إلى شرق وغرب؛ وفشلت كل الجهود الدولية للتسليم بهوية ودولة ليبية واحدة. وانقسمت سوريا إلى عشائر، وطالما ظل «العلويين» وحدهم فى السلطة، فإن الأكراد والسنة، وطوائف أخرى سمحت بقيام «دولة الخلافة» التى تجمع كل الهويات الإرهابية، وبات الطريق مفتوحا للوجود الروسى والتركى على الأراضى السورية. السودان الذى خرج على هوية مصرية وسودانية واحدة وجد نفسه يدخل سلسلة من الحروب الأهلية التى فشلت فيها الدول فى منع انفصال الجنوب؛ وبعد ذلك وجدت النخبة السودانية أن ذلك لا يكفى فجرى تقسيم البلاد إلى «المكون العسكرى» و«المكون المدنى»، ولم تكن هناك هوية سودانية واحدة. القصة تتكرر فى اليمن وفلسطين والعراق ولبنان بأشكال مختلفة خالقة عدم استقرار لا يستقر دون تأسيس دول وطنية حقة.

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس-الأهرام-



مقالات أخرى للكاتب

  • المقاومة والتفاوض
  • لا مفاجأة فى 7 أكتوبر؟!
  • غروب شمس رجل دولة!!







  • شخصية العام

    كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي