
أعلن كل من إسرائيل وحزب الله، أمس، عن انتهاء الجزء الأخطر في التصعيد الأمني المناوب بينهما. بعد بضع ساعات على إحباط الهجوم المخطط له على إسرائيل بهجوم وقائي نفذه سلاح الجو جنوبي لبنان، أعلن حزب الله انتهاء المرحلة الحالية في عمليته بنجاح. في حين أن إسرائيل، استناداً إلى تقدير بفتور التوتر قليلاً، حدثت قيادة الجبهة الداخلية تعليماتها للجمهور، ورفعت معظم القيود على حركة السكان في مركز البلاد، وبدرجة أقل في الشمال. واستؤنفت حركة الطيران في مطار بن غوريون منه وإليه خلال بضع ساعات.
حزب الله فشل فعلياً. في البداية، هاجم سلاح الجو ودمر آلاف الصواريخ ومنصات الإطلاق لدى المنظمة الشيعية. مع ذلك، عندما نفذ حزب الله الهجوم بالصواريخ والمسيرات قتل إسرائيلي واحد، جندي في سلاح البحرية. في حين لم يسفر إطلاق المسيرات على هدف في مركز البلاد عن نتائج.
اختار حزب الله تسويق أكاذيب للبنانيين والدول العربية. في بيان حزب الله، قيل إن الهجوم حقق أهدافه ونجح في إدخال أسراب من المسيرات إلى أراضي إسرائيل. ربما يكون هذا سبباً لرضا ما: ربما يريد الزعماء الشيعة تهدئة النفوس. ألقى حسن نصر الله خطاباً طويلاً وملتوياً في بيروت. وقال إن إسرائيل بالأساس هاجمت منصات إطلاق وهمية، وإن الحزب لم يتكبد أي أضرار مهمة في هذه الهجمات. ولكنه لم يهدد مباشرة بمواصلة الثأر من إسرائيل.
وكل ذلك لا يضمن أن حزب الله لا يعد مفاجآت أخرى قريباً، أو أن الحوثيين في اليمن لن يطلقوا المسيرات نحو تل أبيب، كجزء من الحساب المفتوح الذي ما زالت إيران تديره. في إحباط الهجوم من الشمال، لا يكمن حل للوضع الصعب الذي يعيشه السكان على الحدود الشمالية منذ عشرة أشهر ونصف. ليس للحكومة فكرة عن كيفية إعادتهم إلى بيوتهم ووقف إطلاق الصواريخ والمسيرات كل يوم على الجليل وهضبة الجولان (الحكومة تتحفظ من الخيار الذي تطرحه الولايات المتحدة، وهو التوصل إلى صفقة ووقف النار مع حماس).
الإطلاق نحو الشمال استمر طوال اليوم، بعد موجة إطلاق كثيف أطلق فيها في المرحلة أكثر من 200 صاروخ والكثير من المسيرات، لكن يبدو أن خطر الحرب الإقليمية، الذي حلق فوق الشرق الأوسط خلال ثلاثة أسابيع، تضاءل بشكل كبير، ولا يعدّ هذا شيئاً قليلاً.
لقد انكشف ما تفضله قيادة إيران وحزب الله. فعندما تقف أمامهم إمكانية الدخول إلى حرب شاملة مع إسرائيل التي قد تعرضهم لاحتكاك عسكري متزايد مع الولايات المتحدة، نراهم يتخذون خطوة إلى الوراء. لم يتحقق حتى الآن حلم رئيس حماس في القطاع، يحيى السنوار، حول وحدة الساحات ضد إسرائيل وتحويل المواجهة إلى حرب شاملة.
خطة الهجوم المقدرة لحزب الله رداً على اغتيال من وصف بأنه رئيس أركان الحزب، فؤاد شكر، في ضاحية بيروت، كانت إسرائيل والولايات المتحدة تعرفانها منذ فترة. ربما خاف حزب الله من الحرب الشاملة، لكنه كان مستعداً لتمديد حدود المخاطرة من ناحيته. كان الهدف هو إلحاق أضرار كبيرة بقواعد الجيش الإسرائيلي في الشمال، إضافة إلى عملية مركزة في تل أبيب. حسب نصر الله، كان القصد قواعد ومنشآت في غليلوت، حيث (حسب مصادر أجنبية) مقر قيادة الموساد وقواعد لسلاح الاستخبارات، من بينها قيادة الوحدة 8200.
لكن الهجوم تم إحباطه بفضل الجهود الاستخبارية والعملياتية المثيرة للانطباع لدى جهاز الاستخبارات وسلاح الجو وهيئة الأركان العامة. في الساعة 4:40 فجراً هاجمت الموجة الأولى التي كان فيها أكثر من 80 طائرة حربية، أربعة مواقع لحزب الله جنوبي لبنان، التي كان أبعدها في شرق مدينة صيدا (بصورة متعمدة لم يتم اختيار أهداف في بيروت أو في البقاع). استمر الهجوم عشرين دقيقة تقريباً. وشارك في الموجة الثانية 20 طائرة حربية تقريباً، وأصيب هناك -حسب تقديرات الجيش- حوالي 6 آلاف صاروخ ومنصات إطلاق، معظمها من الصواريخ ذات المدى القصير.
حسب “نيويورك تايمز”، تم قصف منصات إطلاق لصواريخ دقيقة ذات مدى متوسط أيضاً، التي كان يمكن استخدامها في الهجوم على “غوش دان” في الخامسة صباحاً. بعد ذلك، اعترضت منظومات الدفاع الجوية عدداً كبيراً من الصواريخ التي أطلقت نحو مناطق مأهولة، ونجح سلاح الجو في إسقاط الكثير من المسيرات التي تحركت نحو الجنوب. الهجوم الوقائي والاعتراضات التي عقبته شوشت وأحبطت معظم قدرة الإطلاق التي خصصها حزب الله للعملية، حتى بدون أن يتمكن الحزب من تشغيل بعضها. المسيرات التي استثمر حزب الله في تحريكها نحو الجنوب الكثير من الجهد التخطيطي، تم إسقاطها بشكل جزئي فوق البحر. لم يصل معظمها إلى الجنوب أكثر من خط العرض في مدينة حيفا.
بعد خمس دقائق على بداية الهجوم، أعلن المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي والمتحدث بلسان قيادة الجبهة الداخلية للجمهور في إسرائيل عن ما حدث، وطلبوا من السكان في المناطق القريبة من الحدود البقاء قرب الملاجئ. عندما تم إطلاق الصواريخ بعد نصف ساعة، كان حجم الضرر وعدد المصابين صغيراً نسبياً. عدم المس بـ “غوش دان” ساعد أيضاً في تهدئة النفوس رغم أن لسكان الشمال ادعاء أساسياً ومبرراً بأن الحكومة والجيش يعطون أهمية استراتيجية أكبر للإطلاق على المركز، ولا يستخدمون وسائل مشابهة لإحباط الإطلاق على الشمال. هذا مثال آخر على ذلك بعد إطلاق مسيرة الحوثيين التي قتل بسببها أحد الإسرائيليين الشهر الماضي. في حينه ردت إسرائيل بقصف شديد لميناء الحديدة في اليمن بعد أن تجاهلت لأشهر إطلاق المسيرات من هناك نحو إيلات.
ما زالت إسرائيل تريد تحقيق ثلاثة أهداف. كبح نشاطات حزب الله، وإبقاء إيران خارج اللعبة، والحرص على التنسيق الأمني الوثيق مع الأمريكيين. ورئيس الأركان الأمريكي الجنرال تشارلز براون، وصل إلى المنطقة أمس لتنسيق عمليات الدفاع المطلوبة.
عدم اشتعال حرب إقليمية يسمح باستمرار المفاوضات حول عقد صفقة التبادل ووقف إطلاق النار في القطاع، التي استؤنفت أمس في القاهرة بمشاركة بعثة رفيعة من جهاز الأمن في إسرائيل. لم تتحقق طموحات السنوار القاتلة حتى الآن. والسؤال هو: هل سيكون هذا كافياً لدفعه مرة أخرى للعودة إلى مفاوضات فعالة، حيث يعطي رئيس الحكومة نتنياهو إشارات بأنه لا ينوي إظهار أي مرونة في المسائل المختلف عليها، منها التصميم على عدم انسحاب الجيش الإسرائيلي من محور فيلادلفيا. في المقابل، قدمت الولايات المتحدة لإسرائيل مساعدة مهمة جداً للدفاع عنها. قد تترجم الإدارة الأمريكية ذلك كضغط آخر على نتنياهو حتى يظهر مرونة في ساحة الجنوب.
في غضون ذلك، أعلن الجيش الإسرائيلي أمس عن قتل العريف أول عميت تساديكوف من لواء المظليين، في انفجار عبوة ناسفة في رفح، وإصابة جندي آخر من المظليين إصابة خطيرة. تساديكوف (20 سنة) من “بيت دغان”، هو الجندي رقم 700 الذي قتل في الحرب. بعد ذلك قتل جنديان، العريف أول دافيد موشيه بن شتريت، الجندي في سلاح البحرية الذي قتل أمس على قارب دبورة، والرقيب احتياط شلومو يهونتان حزوت، جندي الاحتياط الذي قتل في القطاع. يتم فحص احتمالية أن بن شتريت أصيب بشظايا صاروخ اعتراض أطلق نحو مسيرة من لبنان كانت تحلق قرب القارب. نصف القتلى في الحرب قتلوا بعد المعارك التي جرت يوم المذبحة في 7 أكتوبر. وفي الأيام التسعة الأخيرة قتل 12 جندياً، من بينهم خمسة جنود في نهاية الأسبوع. قتل في الضفة الغربية مواطن إسرائيلي في عملية تفجير في هذه الفترة.
الثمن الدموي في القطاع وبدرجة أقل في الشمال بقي مرتفعاً جداً. عندما يتم التأكيد على الحاجة إلى عقد صفقة ووقف إطلاق النار، فالحديث لا يدور فقط عن إنقاذ المخطوفين، بل وقف نزف مستمر لحياة الجنود. إسرائيل تدفع ثمناً باهظاً في حرب تجد صعوبة في حسمها، التي تتوسع إلى ما لانهاية.
عاموس هرئيل
هآرتس 26/8/2024