"سنتكوم".. هكذا أصبح للجيش الإسرائيلي عم آخر شرق أوسطي
2024-08-16
كتابات عبرية
كتابات عبرية

بعد نحو أربع سنوات من التوقيع على اتفاقات إبراهيم، تجني إسرائيل إحدى أهم ثمار هذه الاتفاقات: نقلها من مجال مسؤولية قيادة أوروبا إلى القيادة الوسطى (سنتكوم) الأمريكية. من اللحظة التي أصدر فيها البنتاغون هذا الأمر، أصبح الجيش الإسرائيلي شريكاً نشطاً في ائتلاف عسكري مؤيد للغرب في الشرق الأوسط. ورغم أن هذا ليس حلفاً رسمياً، فإن له معاني عملياتية تفوق على المستوى العملي معاني الناتو الذي تشارك فيه دول شمال أمريكا وأوروبا.

معناه العملي كما تراه إسرائيل، هو القدرة على التمتع بالمنتجات الاستخبارية والعسكرية الأخرى للمنظومة التي نشرها الأمريكيون، بالتعاون مع الدول العربية السنية، في كل أرجاء الشرق الأوسط. النتيجة الأولى رأيناها في الليلة بين 13 و14 نيسان، عندما حاولت إيران ووكلاؤها مهاجمة إسرائيل في رشقات من الصواريخ والمُسيرات وباءت بفشل ذريع. قد نعزو هذا إلى الائتلاف المريض لأمريكا الذي عمل كقبضة واحدة مصممة وناجعة بإدارة قائد سنتكوم الجنرال مايكل كوريلا.

 وثمة معنى إضافي للخطوة، وهو أن الولايات المتحدة وإسرائيل يمكنهما إقامة علاقات بينهما في مستويين دبلوماسيين منفصلين: في القناة المدنية – السياسية بين حكومتي واشنطن و”القدس”، التي تتميز بغير قليل من الخلافات والأزمات، على الأقل مع الإدارة الأمريكية الحالية برئاسة الرئيس بايدن، وبقناة “الدبلوماسية العسكرية” التي يسودها توافق في الرأي عديم الأنا والمصالح السياسية، ومهنية عسكرية مبهرة.

هذه القناة، التي يديرها وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن ووزير الدفاع غالانت في المستوى السياسي ورئيس الأركان هليفي والجنرال كوريلا في المستوى العملياتي، تتيح في أحيان قريبة، وبخاصة في الحرب الحالية، تجاوز المصاعب النابعة من العلاقات العكرة بين حكومة اليمين “بالكامل” برئاسة نتنياهو وبين الإدارة الديمقراطية – الليبرالية برئاسة بايدن ونائبته كامالا هاريس.

دليل ذلك تسارع إرساليات السلاح وغيرها من الوسائل من الولايات المتحدة في الأيام الأخيرة. “كل السدود باستثناء واحد فتحت”، يقول مصدر إسرائيلي مطلع في مجال التعاون العسكري بين الدولتين. هذه السدادة التي لم تفتح، حسب مصادر أخرى، هي القنابل الدقيقة الموجعة والثقيلة بوزن طن التي لم توافق الولايات المتحدة بعد على نقلها إلى إسرائيل سواء خوفاً من أن يستخدمها الجيش الإسرائيلي قريباً من سكان مدنيين في غزة أم كرد على الشريط الذي نشره نتنياهو قبل عدة أشهر وادعى فيه بأن الولايات المتحدة لا تنقل مؤناً عسكرية كافية لإسرائيل. أما باقي الإرساليات فقد أقرت، بما في ذلك قطع الغيار، بل وصدر أيضاً إذن بشراء خمسين طائرة قتالية من الطراز الجديد لـ اف 15.

 ومنذ أكثر من أسبوع وطائرات نقل جبارة (سي 17 أو بوينغ 747) محملة بعتاد وذخيرة طلبتها إسرائيل تهبط بقاعدة “نفاطيم” يومياً. وزير الدفاع أوستن، الجنرال المتقاعد الذي قاد “سنتكوم” بنفسه، أبلغ غالنت بأن هذه ستكون الوتيرة ما امتنعت إسرائيل عن أعمال قد تشعل حرباً إقليمية.

من يتساءل عن معنى هذا الترتيب الغريب الذي يجري فيه تعاون غير مسبوق في القناة العسكرية إلى جانب خلاف دائم بين الحكومتين، يجدر به أن يراجع الصيغة الرسمية لمهمة القيادة الوسطى الأمريكية، كما حددها لها البنتاغون: “الإدارة والسماح لعمليات وأعمال عسكرية بالتعاون مع حلفاء لتحقيق الأمن والاستقرار الإقليميين دعماً للمصالح الأمريكية المتواصلة”. وفور تعريف المهمة، يفصل البنتاغون للقيادة سلم الأولويات التي تعمل القيادة بموجبها (لم نغير شيئاً):

 ردع إيران.

  قتال منظمات متطرفة عنيفة.

 منافسة استراتيجية تتضمن خلق مبان إقليمية (وباللغة الأقل دبلوماسية – بناء ائتلافات عسكرية في إطار الصراع العالمي بين كتلة الديمقراطيات الليبرالية بقيادة الولايات المتحدة ودول أوروبا، وبين كتلة الحكومات المطلقة بقيادة روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية).

تعريف هذه المهام وسلم الأولويات كان يمكن للجيش الإسرائيلي أن يتبناها لنفسه بتغييرات دقيقة. وعليه، فإن من يتابع اليوم منظومة العلاقات شبه التوأمية بين “سنتكوم” والجيش الإسرائيلي يفهم سبب وجود قناتين، دبلوماسية مدنية وعسكرية، دون أن تؤثر إحداهما على الأخرى.

 والعلاقات مع “سنتكوم” تفتح لإسرائيل باباً خلفياً للانخراط في المنطقة للتعاون مع دول في المنطقة ليس لنا معها علاقات دبلوماسية. في الغالب، لا يمكننا أن نكتب لاعتبارات أمن المعلومات، لكنها حقيقة معروفة؛ ففي قيادة “سنتكوم” في فلوريدا يجلس ضابط كبير من الجيش السعودي، وضابط كبير من الجيش الكويتي، وضابط كبير من الجيش الإسرائيلي، إلى جانب مندوبين من 20 جيشاً آخر. كلهم يشاركون في المداولات معاً، ولهم طواقم تسمح بتبادل المعلومات الاستخبارية والتنسيقات العمليات، وأحياناً في نطاق أوقات تمتد لدقائق. وذلك في الوقت الذي لا تزال الولايات المتحدة تحاول إغراء إسرائيل على وقف القتال والموافقة على صفقة تحرير مخطوفين من خلال الوعد بالتطبيع مع السعودية.

لم يكن الأمر دوماً على هذا النحو؛ فحتى كانون الثاني 2021 كانت إسرائيل تندرج في مجال مسؤولية قيادة أوروبا (يوكوم). وأحد أسباب ذلك هو اعتقاد الولايات المتحدة بأنه إذا ما علقت إسرائيل في ضائقة، فسيهرع لنجدتها الأسطول السادس الذي قاعدته في إيطاليا وينتمي إلى قيادة أوروبا. لكن السبب الأساس كان التخوف الأمريكي من ألا توافق الدول العربية على التعاون في ائتلاف عسكري في إطار القيادة الوسطى الأمريكية إذا كانت إسرائيل في مجال مسؤوليتها.

هذه الأيام انقضت، والوضع اليوم مختلف جوهرياً.

 

 رون بن يشاي

 يديعوت أحرونوت 16/8/2024

 



مقالات أخرى للكاتب

  • هل تؤتي ثقافة المافيا التي اتبعتها إدارة ترامب ثمارها في الشرق الأوسط؟
  • إسرائيل بـ"عرباتها" تخفق في تحقيق أهداف الحرب: غزة.. إلى متى؟
  • باحثاً عن مخرج.. هل تنكسر عصي نتنياهو في دواليب ترامب وخطته؟







  • شخصية العام

    كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي