
السياسة ليست غريبة على الآثار الإسرائيلية. فقبل قيام الدولة استخدمت لإثبات ملكيتنا للبلاد وتعزيز الروح الصهيونية. الحفريات في الكنس في الجليل، “متسادا وحتسور”، كانت مشاريع وطنية. في العقود الأخيرة اكتشف المستوطنون قوة الآثار كوسيلة لوضع اليد على منطقة وتشكيل الوعي وتجنيد السياح والموارد وتجريد الناس من ملكيتهم والسيطرة عليها. بدأ هذا في مدينة داود في سلوان وانتقل إلى “شيلو” وسوسيا وسبسطيا. مشروع القانون، المصادق عليه أمس بالقراءة الأولى التي تعطي الصلاحيات لسلطة الآثار أيضاً في الضفة الغربية، يحول الآثار الإسرائيلية إلى فأس للحفر بها والدفع قدماً بالأبرتهايد.
مشروع قانون عضو الكنيست عميت هليفي (الليكود) الذي حصل على دعم الحكومة، لم يعد مجرد اقتراح شعبوي حالم لصفوف الائتلاف الخلفية. يوجد الكثير من هذه المشاريع في الكنيست. معنى قرار هذا المشروع هو ضم الضفة قانونياً وفعلياً.
منذ العام 1967 ورغم جميع التغيرات السياسية وشعارات الزعماء بشأن أرض إسرائيل الكاملة، فإن إسرائيل تقول إن الضفة الغربية ليست جزءاً من دولة إسرائيل، بل منطقة تحت السيادة العسكرية المؤقتة. الموقف الرسمي هو أن مستقبل هذه المنطقة ستناقشه المفاوضات المستقبلية. هذه المنطقة وملايين الأشخاص الذين فيها يديرهم قائد المنطقة الوسطى بأوامر عسكرية وضباط أركان، أحدهم ضابط سلطة الآثار المسؤول عن الإدارة والرقابة للمواقع الأثرية في الضفة. سلطة الآثار في الواقع زحفت نحو الضفة الغربية من خلال عمليات الحفر واعتقالات سارقي الآثار وما شابه. ولكن تم الفصل بين ضابط الآثار والسلطات بشكل رسمي.
مشروع القانون، الذي ستعمل السلطات الرسمية بحسبه في الضفة الغربية مثلما تعمل في أراضي الدولة، هو تطبيق القانون الإسرائيلي في الضفة الغربية. هذا بالطبع مخالف للقانون الدولي وقد تستغله السلطة الفلسطينية وكل الذين يقولون بأن إسرائيل تستخدم نظام الفصل العنصري في “المناطق” [الضفة الغربية]. إذا صودق على القانون فإن وزير التراث عميحاي الياهو، بواسطة سلطة الآثار، سيتمكن من ممارسة صلاحيات رقابة واسعة للرعايا الفلسطينيين. وبسبب وجود موقع أثري تقريباً في كل منطقة في الضفة الغربية، أي أن ثمة أمر يهدد حياتهم وتطورهم.
مشروع القانون يعتبر إنجازاً للحملة الكبيرة التي تطلقها جمعيات اليمين في السنوات الأخيرة حول المواقع الأثرية في الضفة الغربية. هذه الجمعيات لا تهتم بالإضرار بالمواقع الأثرية على يد المستوطنين، مثل المستوطنة الجديدة “ناحل حيلف”، التي صودق عليها الأسبوع الماضي في موقع التراث العالمي لليونيسكو قرب بيت لحم. وهي أيضاً غير معنية بالآثار إلا إذا كانت يهودية، ويفضل أن تكون هكذا يمكن ربطها بقصص التوراة حيئئذ. موقعها الرئيسي هو في جبل عيبال، الذي يعتبره المستوطنون (في أعقاب دكتور آدم زرطال) مذبح يهوشع بن نون. معظم علماء الآثار يعتقدون أنه تشخيص بين الحالم والمضحك. ولكن بفضل تصنيف الموقع كمذبح يظهر في التوراة، والادعاء بمس متعمد للموقع من قبل الفلسطينيين، فقد نجح المستوطنون في الدفع قدماً بمشروع قانون الضم لصاحبه هليفي.
لم يشاور هليفي الوزير إلياهو مع سلطة الآثار قبل طرح مشروع القانون. مدير عام السلطة، رجل الليكود ايلي ايسكوزيدو، يعارض المشروع بشدة. لا أحد تشاور مع مجلس الآثار، جسم الآثار الأكبر في إسرائيل، الذي قد يعطي الاستشارة للحكومة في موضوع الآثار أو التشاور مع الأكاديمية الوطنية للعلوم التي تعارض هي أيضاً القانون. تفسير القانون هو استخدام مقطر شعبوي، قومي ومتطرف وسطحي، لعلم الآثار. “لا خلاف حول أن هذه المناطق مليئة بالآثار اليهودية، وفي الأصل لا يوجد لهذه المكتشفات أي صلة تاريخية بمناطق السلطة الفلسطينية. وبناء على ذلك، ليس للنقاشات الدائرة حول المكانة السياسية لمناطق “يهودا والسامرة” أي علاقة بمسؤولية إسرائيل عن المكتشفات الأثرية التي تعود لشعبها”، كتب. من نافل القول الإشارة إلى أن ربط ثقافة مادية ومعقدة ومتعددة الأبعاد لآلاف السنين بالأمة اليهودية هو أمر سخيف. فمحو حق السكان الفلسطينيين الأصليين الذين يعيشون في المنطقة ويزرعون المسطبات، التي هي بحد ذاتها مواقع أثرية، يعد تنمراً. ومحاولة التحدث عن ذلك في الخطاب الإسرائيلي الضحل، محاولة لا فائدة منها.
علماء الآثار في إسرائيل الذين ما زالوا يحتفظون بسمعة جيدة في المجتمع العلمي في العالم، أصيبوا بالذعر من مشروع القانون ومعناه وتأثيره على مكانتهم في العالم. في الرسالة التي أرسلها رئيس مجلس الآثار دكتور غاي شتيفل، أمس، للوزير الياهو، كتب فيها: “بصفتي ممثل إسرائيل في مجلس الآثار الأوروبي، يمكنني القول إن مجرد طرح مشروع القانون ستكون له موجات ارتداد وسيتسبب بأضرار دولية لا يمكن تقديرها، وستقطع الغصن، بل ساق مجال علم الآثار في أرض إسرائيل”.
حسب أقوال شتيفل، فإن معنى القانون، إذا كما صودق عليه، هو الإبعاد عن الأبحاث وصناديق الأبحاث الأوروبية وعن عضوية منظمات مهنية وهيئات تحرير ومجلات وما شابه. “يمكن القول: لتمت روحي مع الفلسطينيين. ولكن معنى دمج الاعتبارات السياسية في المجال المهني في هذه الحالة هو سلاح خطير ذو حدين”، كتب. “وبدلاً من التفاخر بأننا نحافظ على الماضي المجيد لتاريخ هذه البلاد الرائعة، بدءاً من فترة ما قبل التاريخ وحتى الآن، فإن مشروع القانون الذي أمامنا يسعى لتقويض أسس الآثار والتراث التي من المهم التأكيد على أنها لنا جميعنا. الحديث هنا لا يدور فقط عن الآثار اليهودية، كما تم الادعاء في اقتراح تعديل القانون، بل يدور عن الجشع لأشياء تمثل تراثاً عالمياً، متعدد الثقافات، وهي للبشرية كلها، ما جعل أرض إسرائيل متميزة ومهمة جداً”.
على المنصة استخف هليفي برسالة شتيفل، وقال إنها “مليئة بالأكاذيب” بدون أي توضيح. ورداً على القراءة المؤقتة، فقد كشف النوايا الحقيقية للقانون وقال: “نعم، هذا القانون خطوة أولى للأمر القادم… مكانة المنطقة يجب أن تكون بأن أرض إسرائيل تعود للشعب اليهودي ولا حقوق قومية لأي شعب آخر”.
نير حسون
هآرتس 11/7/2024