
كان رد نتنياهو على قرار المحكمة العليا كالعادة كذباً فظاً مع قدر كبير من التحريض: “من الغريب أن تفرض المحكمة العليا في قرار حكمها تجنيد الحريديم خصوصاً في الوقت الذي تدفع فيه الحكومة قدماً بقانون تاريخي”. في جزء كبير من الـ 42 صفحة التي كتبها نائب رئيس المحكمة العليا، القاضي عوزي فوغلمان، أمر شاذ عنيف آخر لحكومة الدمار والفوضى التي ترفض تعيين رئيس دائم للسلطة القضائية مكرس لاختصار تاريخ المماطلة الإجرامي بشأن تسوية تجنيد الحريديم. وهو يذكر توسل المحكمة المتكرر لـ 25 سنة، معظمها تحت حكم نتنياهو، من أجل تسوية قضية التجنيد بشكل نهائي بالقانون. “عند فحص المسألة التي أمامنا لا نحتاج إلى البدء من البداية”، كتب فوغلمان. “بالعكس، نحن في أرض محروثة”. وإذا كان بإمكاني اقتراح تعديل بسيط فسأقول غير محروثة جيداً، بل محروثة أكثر من اللازم.
من قاعدة روبنشتاين وحتى نهاية البند ج1 لا توجد نهاية لعلامات الطريق التي ذكرها القرار في القصة المتعبة للمماطلة في تسوية قضية الحريديم، لكن يعرف أن مؤيديه وأبواقه لا تعنيهم التفاصيل في هذا الشأن. فيكفي عود ثقاب صغير يلقيه، عندما أشار بأن المحكمة العليا سياسية ومحسوبة على “المتآمرين” الذين يتجرأون على تحدي حكمه. وبخصوص “القانون التاريخي” يدور الحديث عن قانون غانتس المعاد تدويره في فترة “حكومة التغيير” الذي يشمل حصصاً مضحكة على خلفية احتياجات الوقت الحالي. هو قانون لن يجتاز المستشارة القانونية للحكومة والمحكمة العليا فحسب، بل اختبار الجمهور العلماني وجمهور المتدينين الذين يرتدون القبعات المنسوجة، وهو الجمهور الذي يدفع ثمناً باهظاً بالدماء.
حتى لو أكد الحريديم بأنهم لن يتركوا الحكومة الآن، التي تظهر من داخلها إحاطات تقول إن “المحكمة العليا وضعت الحريديم إلى جانب نتنياهو”؛ قرار الحكم يوسع الشرخ في الائتلاف المتضعضع. بوعز ويخين اللذان ترتكز عليهما مسيرة نتنياهو – “الصهيونية الدينية” والحريديم – متخاصمان في معركة الحياة والموت ويشعران بالخيانة المتبادلة. وثمة شعور عام لدى كل من يرسل أبناءه إلى الجيش وسئم من ظلم ينطوي عليه إعفاء شامل للحريديم.
الإحاطات التي تصدر عن الائتلاف تتحدث عن إعداد قانون مستعجل للقراءة الثانية والثالثة حتى نهاية الشهر، يشمل حصة تبلغ 3 آلاف متجند حريدي خلال سنة، بالإضافة إلى حوالي 1800 مجند (المتوسط السنوي في السنوات الأخيرة) ووعد بزيادة تدريجية خلال السنين. وهذا التقدير، سواء بخصوص مدة بلورة القانون أو بخصوص جوهره والموافقة عليه، واقعي كالخطط السابقة للحكومة، مثل محاولة تنفيذ انقلاب نظامي في بضعة أشهر.
في الائتلاف من يقدرون بأن رئيس لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، يولي أدلشتاين، سيعمل على بلورة قانون، سيحوله نتنياهو إلى تصويت على الثقة بالحكومة استناداً إلى تعاون صامت من قبل أعضاء الكنيست العرب، وذلك ليتم إلغاؤه في المحكمة العليا. المعادلة بسيطة: بدون تغيير كبير في مواقفهم، فأي قانون يجتاز موافقة الحريديم سيضر بمبدأ المساواة. ولكنها عملية ستخدم نتنياهو الذي يفضل دائماً كسب المزيد من الوقت وتشويش عقول الجميع مع تدهور ثابت في الوضع.
مشكلة نتنياهو أن الحريديم أصبحوا متضررين الآن: تفرض عليهم عقوبات اقتصادية تمنع تحويل الدعم للمدارس العامة والمدارس الدينية. باتوا على مر الزمن في أسوأ حال تحت مظلة حكومة اليمين “المطلقة جداً”، الحكومة المؤمنة والأكثر تديناً في التاريخ؛ فقد سُلبوا ميزانيات تعليم التوراة وأصبح خطر التجنيد قريباً وملموساً ويكاد يلامس عباءاتهم. السيناريو الأفضل الذي يمكنهم التطلع إليه الآن هو قانون غانتس الذي يرفضه حتى جمهور الليكود. هذا القانون، الذي كان يظهر لهم قبل سنتين بأنه سيناريو مرعب. “تخيل قوة الشرك الحريدي الآن”، قال أحد نشطاء الحريديم الذي وصف مجتمع الحريديم بـ “مجتمع محطم”. “هل نقدم للجيش الإسرائيلي قوائم لطلاب المدارس الدينية، أي تسليمها أو إعطاء صلاحية للجيش بأخذ أشخاص من المدارس الدينية على عاتقه”.
بالإجمال يمكن القول بأنه في ظل نتنياهو، الشريك المخلص والأفضل، حدث تغيير حقيقي لمن يتعلمون التوراة. وللمفارقة، هذا تغيير في غير صالحهم. هذه هي اللحظة المناسبة لحرف الأنظار إلى نجم آخر، الركيزة الرئيسية للحكومة، الثعلب السياسي الكبير، رئيس “شاس” آريه درعي. هذا الشخص الذي يجسد بشخصيته كل الحزب دمر كل شيء لمسه منذ تشكيل هذه الحكومة. من “قانون طبريا” ومروراً بقانون الحاخامات وانتهاء بقانون التجنيد، وبات محط أنظار جمهور الحريديم.
رفيت هيخت
هآرتس 26/6/2024