كيف تعرف أن إسرائيل دولة الفاشية الجديدة؟  
2024-06-15
كتابات عبرية
كتابات عبرية

 

إن وقع أقدام الزعران الذين سيطروا على أزقة البلدة القديمة في “يوم القدس” الأسبوع الماضي، يذكر بصوت خطوات كتائب الـ “اس.إي” وسنوات العشرينيات والثلاثينيات في ألمانيا. فعندما انقض الجنود ذوو القمصان البنية بعنف على كل محل تجاري لليهود والشيوعيين، فإن من يرتدون القمصان الصفر، والمجانين أتباع الزعيم الأزعر المتهم جنائياً والذي يخضع له جهاز شرطة، قاموا بضرب وركل وشتم العرب والصحافيين.

كان يصعب التمييز بين الزعران وممثلي الدولة، أي جنود حرس الحدود، لأن كلاً منهم كان له دور محدد في فرض الإرهاب والذعر على سكان البلدة القديمة في الاحتفال الفاشي السنوي. شباب “الصهيونية الدينية” الذين يؤيدون تفوق العرق اليهودي و”الأرض اليهودية” ذكروا بعنف الأوروبيين من اليمين المتطرف والفاشي، الذين كانوا يلاحقون الاشتراكيين والشيوعيين واليهود.

بعد 100 سنة تقريباً، حدث انقلاب في الأدوار. اليهود العنيفون الآن في الطريق إلى حائط المبكى يلاحقون أبناء قومية أخرى. وفي موازاة تعزز اليمين الراديكالي والموجة الشعبوية في أوروبا الآن، تتصاعد وتزدهر في إسرائيل مجموعات ما قبل الفاشية. هذه العملية تعكس توجهات عالمية وتدل على تعزز قاعدة اليمين الراديكالي الاجتماعية “ما قبل الفاشي” في إسرائيل – مجموعات فاشية جديدة (تضم بعض مصوتي الليكود الذين يسمون البيبيين)، التي تسيطر على طبقات شعبية رويداً رويداً. التطرف القومي في أوساط شريحة اجتماعية يمكن من وجود تحالف بين اليمين السياسي – الثقافي، المحافظ، ومجموعات تقليدية هامشية من الطبقات المتدنية ومجموعات دينية حريدية تؤيد قيم الدم والوطن اليهودي، والأرض، والعرق، والقداسة، والتضحية والموت – مناخ عنصري بكل معنى الكلمة.

يكمن في هذه المجموعات الفاشية الجديدة خطر محدق على مستقبل الديمقراطية في إسرائيل، لأنها تخلق ثقافة فاشية ذات أنوية مع إمكانية كامنة اجتماعياً وجماهيرياً. تجري في إسرائيل الآن حرب أهلية مصغرة تذكر بلحظة مشابهة في أوروبا في عشرينيات القرن الماضي.

لا يوجد في هذا التحليل نوع من المقارنة الكاملة مع تلك الفترة، ولكن كما أوضح الكاتب السويدي كارل اوبا كناوسغارد في كتابه بعنوان “نضالي”، فإن الفترة بين نهاية القرن التاسع عشر وحتى منتصف أربعينيات القرن العشرين تعتبر بأثر رجعي عصر التغييرات في المركبات الأساسية للوجود الإنساني. كثيرون أرادوا العثور على أساس جديد وإقامة مجتمع جديد، واعتقدوا أنهم وجدوا غايتهم في الحركات الطوباوية العظيمة: النازية والشيوعية. المقارنة بين أوروبا كناوسغارد، لا سيما في أواخر جمهورية فايمار، ودول أخرى مثل فرنسا وبلجيكا ودول شرق أوروبا وبين إسرائيل نتنياهو، استهدفت استخلاص الدروس حول التشابه بين أحداث وعمليات وأشخاص في الماضي والحاضر.

أي أن حرباً أهلية تجري في إسرائيل الآن تذكر بالألمانية الفايمارية، وحتى باللحظة الإيطالية عشية المسيرة الفاشية نحو روما. إسرائيل ليست وحدها في الأزمة؛ فانتقاد قيم الديمقراطية والليبرالية يدوي الآن في اأجاء الغرب، ربما باستثناء بريطانيا التي دائماً أحسنت في اختيار نهج مدني – ليبرالي. هذا ينعكس في أحداث “السترات الصفراء” في فرنسا (حيث احتمالية كبيرة لانتخاب مارين لابين رئيسة في الانتخابات القادمة)، والانقضاض على تلة الكابيتول في واشنطن، والدعم المتزايد لحزب “بديل لألمانيا”، وانتخاب جورجيا ميلوني المؤيدة لموسوليني رئيسة للحكومة الايطالية، والصعود غير المسبوق في دعم الهولنديين للزعيم القومي المتطرف هارت فيلدريس. في هذا الأسبوع، عزز اليمين الراديكالي قوته في انتخابات البرلمان الأوروبي.

نتنياهو على بعد خطوة من الزعيم الفاشي

على رأس حربة الأيديولوجيا القومية المتطرفة والفلسفة التاريخية التي تلزم “نيتسح يسرائيل” وترتبط بعدم الاعتراف بشرعية “العدو”، يقف زعيم شعبوي وكاريزماتي و”رجل دعاية مستبد”، هو بنيامين نتنياهو، الموجود على بعد خطوة من أن يصبح زعيماً فاشياً. ليس من الغريب أن زعماء فاشيين جدداً أو مستبدين شعبويين، مثل دونالد ترامب في أمريكا ونارندرا مودي في الهند وفيكتور اوربان في هنغاريا، هم مجموعة مرجعيته، والتشبيه المناسب لنوعية زعامته. القاسم المشترك بين كل هؤلاء الزعماء، ضمن أمور أخرى، هو السخرية السياسية. العمل السياسي الذي سيلاحق نتنياهو في الوعي التاريخي هو حاجته إلى كهاني مثل إيتمار بن غفير، الفاشي بامتياز، كي يعزز حكمه. السخرية تميز أيضاً ركض نتنياهو إلى المستشفى أمام العدسات لزيارة المخطوفين الأربعة الذين حررهم الجيش الإسرائيلي السبت، في حين أنه لم يتصل ولو مرة واحدة مع عائلات المخطوفين منذ 7 أكتوبر.

النقاش التاريخي الحديث حول فاشية أوروبا في النصف الأول من القرن العشرين، لا يمكن أن يتجاهل الوضع السياسي في إسرائيل الآن؛ فتأسيس سلالة فاشية إسرائيلية متميزة ملطخة بالشعبية العرقية، اعتبر مؤخراً إمكانية حقيقية في الخطاب السياسي والخطاب العام وفي بحوث الأكاديميا. إن صعود حكومة دينية قومية – متطرفة في إسرائيل في كانون الأول 2022، التي سرعت النقاش حول وجود أسس فاشية عنصرية في حكومة نتنياهو، وحول “الانقلاب النظامي” مع الحفاظ على غطاء ديمقراطي – كان انعطافة راديكالية في الديمقراطية في إسرائيل، التي توقفت -حسب كثيرين- أن تكون ليبرالية.

وقد أضيف إلى ذلك انضمام الأحزاب التي نقشت على رايتها رؤى عنصرية وقومية متطرفة وكراهية الأجانب والمس بحقوق الإنسان والأقليات ووسائل إعلام الحكومة، التي لديها موقف مستفز ومتحد تجاه العالم المتنور. هل هذا كاف لاعتبار النظام الحالي، سواء المجتمع أو المؤسسات في إسرائيل، نظاماً فاشياً؟ الجواب سلبي الآن، مع التأكيد على كلمة “الآن”.

إذا أضفنا إلى كل ذلك الاحتلال والأبرتهايد الذي تتبعه إسرائيل منذ أكثر من نصف قرن في الضفة الغربية، والانتقال من الاحتلال “المؤقت” إلى وضع كولونيالي دائم، الذي شرعن العملية القانونية الموجودة الآن في محكمة لاهاي، وإذا أضفنا خصائص الإثنوقراطية، التي حسب الجغرافي السياسي اورن يفتحئيل، هي مجموعة عرقية واحدة تسيطر على مؤسسات وموارد الدولة على حساب الأقليات وتعرض نفسها كديمقراطية (فارغة)، ثم تعزز القوى الإيمانية – العنصرية، فعندها لن تستطيع تجاهل خطر تحقق خيار الفاشية في إسرائيل.

كيف يمكن للإسرائيليين أن يتذكروا هذه الأيام شديدة البرودة، وكيف يمكنهم اجتياز النهر الهادر الذي يهدد بإغراقهم؟ هل سيترجم وعي المواطنين القلقين من هشاشة الديمقراطية، إلى سياسة؟ ما الذي سيبقى من فزع هذه الأيام القاتمة؟ هل سيثور الإسرائيليون أم سيخضعون ويتنازلون ويتصالحون؟ من يدري، ربما سيفضلون العيش في مكان آخر؟ كل ما سيبقى لنا هو صحة تفسير فزع هذه الأيام ومواصلة النضال والتمسك بالأمل والعودة وتكرار كلمات النشيد الوطني التي كانت على لسان مقاتلي الحرية أمام جنود العدو في القرن الماضي: “نو بساران (لن يمروا).

 

 دافيد أوحنا وعوديد هايلبرونر

هآرتس 14/6/2024



مقالات أخرى للكاتب

  • لماذا ستجرب إسرائيل استراتيجيتها مع لبنان بعد فشلها بقطاع غزة؟  
  • إسرائيل بعد 7 أكتوبر: لا سلام ولا أمن بدون تحقيق العدالة للشعب الفلسطيني  
  • نتنياهو قد يخسر الليكود في معركة البقاء: ما مصير الائتلاف في 24 تموز؟







  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي

    الأكثر قراءة